حين اجتمعت نخبة من رجال الأعمال العالميين العام الماضي لحضور أكبر منتدى استثمار سعودي، أثار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان انبهارهم بخطط لبناء مدينة عملاقة باستثمارات 500 مليار دولار.
في ذلك الوقت، كان يجول في أنحاء فندق ريتز كارلتون بالرياض رجال أعمال بارزون مثل ريتشارد برانسون، جنبا إلى جنب مع الزعيمين السياسيين السابقين توني بلير ونيكولا ساركوزي وكاتبة المقالات أريانا هافنغتون.
وأكسبت قائمة الضيوف مبادرة مستقبل الاستثمار الاسم غير الرسمي "دافوس الصحراء" على الرغم من عدم ارتباط المؤتمر بالمنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا.
لكن حماس 2017 تحول إلى صدمة بعد بضعة أيام حين استخدم الأمير محمد فندق ريتز كسجن خمسة نجوم لأمراء ووزراء ورجال أعمال سعوديين كبار متهمين بالفساد.
وفي سنة ما بين الحدثين، نال وريث العرش الأمير محمد الثناء لتخفيف قيود اجتماعية مثل حظر دور العرض السينمائي وقيادة المرأة للسيارات، ومن أجل جهوده لتنويع موارد اقتصاد المملكة بدلا من الاعتماد على النفط.
لكن بين المؤتمرين، يبدو أن الزخم صوب إجراء إصلاح عميق تراجع على عدة جبهات.
فقد أُجلت خطط لطرح جزء من شركة النفط العملاقة أرامكو السعودية في أسواق الأسهم العالمية، والتي قال ولي العهد السعودي في مؤتمر العام الماضي إنها تمضي قدما صوب التنفيذ في 2019. وتواصل الرياض القول بأن الطرح ما زال سيجري لكن بحلول 2021.
انتقادات عنيفة
ومع تنامي الانتقادات لسياسات ولي العهد، وسعت السلطات حملة على المعارضة، مع اعتقال عشرات من النشطاء والمفكرين وعلماء الدين.
ويطغى حاليا مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على مؤتمر العام الحالي الذي اُفتتح يوم الثلاثاء، وهو ما حفز عدد من السياسيين الغربيين وكبار المصرفيين العالميين والمسؤولين التنفيذيين في الشركات على مقاطعة المؤتمر.
واختفى خاشقجي، وهو منتقد لولي العهد، بعد أن دخل القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر تشرين الأول. وبعد أن نفت الرياض في البداية أي ضلوع في اختفائه، عزا مسؤول سعودي في نهاية المطاف مقتله إلى اختناق في أثناء مشاجرة.
وقال الرئيس التركي إن هناك أدلة قوية على أن القتل "الوحشي" كان مخططا له، وإنه ليس مقتنعا بإلقاء الرياض اللوم على عدد من رجال المخابرات.
وتطرق عدد من المتحدثين البارزين إلى مسألة مقتل خاشقجي، مع قول وزير الطاقة السعودي إنه أمر لا يمكن تبريره.
ووصفت سيدة الأعمال السعودية البارزة لبنى العليان مقتل خاشقجي بأنه عمل فظيع "غريب على ثقافتنا" في كلمة افتتاحية قبل أن تدير نقاشا بين عدد من رؤساء صناديق الثروة السيادية.
أفول
جُلب مديرو جلسات في اللحظات الأخيرة بعد انسحاب وسائل إعلام غربية شريكة من المؤتمر. وقال منظمو المؤتمر إن الموقع الإلكتروني للمؤتمر تعرض للقرصنة وجرى توزيع جدول الأعمال قبل فترة وجيزة فحسب من بدء المؤتمر.
وبدلا من الصحفيين الكبار الذين أداروا الجلسات في العام الماضي مثل ماريا بارتيرومو من فوكس نيوز وجون دفتريوس من سي.أن.أن، لجأ المؤتمر في الأغلب إلى شخصيات أقل شهرة من المنطقة.
وقال مشارك غربي "هو مثل أي مؤتمر سعودي محلي هذا العام". وأضاف "انخفضت جودة المتحدثين بالمقارنة مع العام الماضي... صانعو السياسات البارزون رحلوا".
وقال مسؤول تنفيذي من شركة مالية صينية إن قضية خاشقجي محت بعضا من رونق المؤتمر. وقال إن بعض التنفيذيين الغربيين ينأون بأنفسهم مضيفا "لا يرغبون في القدوم وتقديم بطاقاتهم التعريفية".
عدم اليقين
وسادت حالة من عدم التيقن بين الحاضرين بشأن ما إذا كان الأمير محمد سيحضر إلى أن دخل القاعات المزخرفة للمؤتمر بعد الظهيرة. وفي القاعة الرئيسية تلقى الأمير ترحيبا بالغاً، لكنه كان أقل بالمقارنة مع التصفيق المدوي الذي دام لدقائق في العام الماضي.
ووصف ولي العهد السعودي (33 عاما) المؤتمر بأنه "عظيم" وأن هناك "مزيدا من الناس ومزيدا من المال".
وجلس العاهل الأردني الملك عبد الله إلى جانب ولي العهد في الصف الأمامي. وبجانب ولي العهد من الناحية الأخرى جلس الملياردير الأمير الوليد بن طلال الذي اُحتجز في حملة الفساد لثلاثة أشهر قبل أن يتوصل إلى تسوية غير محددة مع الحكومة.
وبعد أن استمع إلى أليخاندور عجاج، الذي يدير بطولة فورميولا إي لسباقات السيارات الكهربائية، غادر الأمير محمد القاعة بعد نحو 15 دقيقة ليقوم بجولة في قاعة مجاورة. وهناك التف حشد حوله والتقط المعجبون صورا معه قبل أن ينعزل في غرفة خاصة دون أن يلقي كلمة.
وقال الأمير قبل أسبوعين إن "صفقة رائعة...بعيدة جدا عن النفط" ستُعلن خلال المؤتمر ومن المقرر أن يلقي الأمير كلمة أمام المؤتمر اليوم الأربعاء.
غابت أيضا هذا العام عناصر جذب كبيرة، مثل عمليات المحاكاة لمشروع سياحي بالبحر الأحمر أو المقابلة التي أجراها أندرو روس سوركين مراسل نيويورك تايمز مع الروبوت صوفيا، أول مواطنة آلية في العالم. وكان سوركين من أوائل المنسحبين هذا العام بسبب مقتل خاشقجي.
وبدلا من ذلك، أقام المنظمون ركنا للفن الروسي لتسليط الضوء على أهداف التبادل الثقافي لخطط الأمير محمد لتحقيق الانفتاح في البلد الإسلامي المحافظ.
وقال مصرفي محلي إن من الصعب معرفة ما إذا كانت صورة المملكة كانت ستكون أفضل لو تأجل المؤتمر لحين انقشاع حالة الضبابية.
لكن البعض قللوا من أثر أزمة خاشقجي. وقال مستثمر أمريكي "لو لم أكن على اطلاع بالأحداث الأخيرة لم أكن لأشعر باختلاف كبير بين هذا العام والعام الماضي".
وقال كيريل ديمترييف الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الروسي المباشر لرويترز إن الإصلاحات السعودية "مهمة وتستحق الدعم". ودعم حلفاء خليجيون أيضا الرياض خلال الأزمة ويسود مزاج التحدي بين بعض المسؤولين التنفيذيين من المنطقة.
وردا على سؤال بشأن اعتماد المنطقة على أموال من مصادر غربية مثل صناديق الاستثمار المباشر، لقى محمد العبار رئيس مجلس إدارة إعمار العقارية، التصفيق حين أجاب "لا نحتاج إلى أموالهم! المال في الشرق الأوسط".
لماذا أصرت الرياض على عقد منتدى الاستثمار رغم الانسحابات؟
هل تبخرت رؤية ابن سلمان "2030" في "دافوس الصحراء"؟
الريال السعودي يتحسن والبورصة تواصل الانهيار بسبب "خاشقجي"