نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا تحدث فيه عن تركيبة الحكومة العراقية التي تضمنت أسماء تعرف بتوجهها التوافقي مثل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. ويبدو جليا أن عملية تكوين الحكومة الجديدة قائمة على مقاربة تكنوقراطية توافقية، بدلا من التركيز على الانتماءات الطائفية والعرقية.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه تم يوم الخميس الإعلان عن تعيين 14 وزيرا من أصل 22 حقيبة وزارية. وسينضم الوزراء المُعينون حديثا إلى كل من رئيس الدولة برهم صالح، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لقيادة الدولة التي تعاني جملة من المشاكل الداخلية؛ انطلاقا من احتجاجات البصرة وصولا إلى إعادة بناء الدولة بعد خروج تنظيم الدولة.
وذكر أن اختيار هؤلاء القادة الثلاثة كان موجها من قبل الفاعلين الأربعة في العراق، من بينها معسكر مقتدى الصدر وخصومه من البرلمانيين المنتمين للمليشيات الشيعية التي يدين بعضها بالولاء لإيران، والولايات المتحدة الأمريكية. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الدولية ستسعى دائما إلى معرفة ما إذا كان هؤلاء القادة الثلاثة منحازين إلى صف إيران أو السياسة الخارجية الأمريكية.
وأشار الموقع إلى أن هذه المقاربة الاختزالية ستكون مغرية خاصة مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي عاش لمدة في إيران، ورئيس الدولة برهم صالح الذي ما زال يحافظ على علاقته بطهران. وعلى غرار العديد من النخب السياسية في العراق عاش كل من صالح وعبد المهدي في المنفى خلال عهد صدام حسين، وطلبوا اللجوء أو المساعدة من قبل إيران.
ولكن في حالة صالح وعبد المهدي، فإن ماضيهما مع إيران لا يعني بالضرورة أنهما مواليان لها، ذلك أن أفكارهما السياسية قد تطورت مع الزمن وأصبحت قائمة على مبدأ الانتهازية بدلا من الانتماء الأيديولوجي لواشنطن أو طهران.
وأورد الموقع أن أولى مهام البرلمان العراقي الجديد بعد الانتخابات كانت انتخاب رئيس مجلس النواب، الذي عادة ما يكون عربيا وسنيا. وبعد تعيين محمد الحلبوسي رئيسا للمجلس في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر، فقد اختار البرلمان الكردي برهم صالح لرئاسة البلاد في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وطلب من أكبر كتلة في البرلمان اختيار رئيس الوزراء، الذي غالبا ما يكون شيعيا. ولكن الدستور العراقي لا ينص على اعتماد مبدأ الطائفية والعرقية في التعيينات، وإنما على المعايير السياسية التي تعكس ديموغرافيا البلاد.
وخلافا لصالح وعبد المهدي، فإنه لم يعش محمد الحلبوسي في المنفى، وشغل سابقا منصب محافظ الأنبار. ويبدو أن الجدل الإعلامي الذي قام حول اعتباره مواليا لإيران كان بسبب مساندة تحالف هادي العامري، الذي يضم قادة مليشيات شيعية، لترشحه. ومع ذلك، تظهر مسيرة الحلبوسي أنه حافظ على علاقة ودية مع الولايات المتحدة، وتحالفه مع العامري كان في إطار الحصول على الأصوات.
وذكر الموقع أن برهم صالح درس في المملكة المتحدة وتحصل على درجة الدكتوراه في الإحصاء والبيانات. وكان صالح ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني في واشنطن عندما كان طالب دراسات عليا في جامعة جورج تاون، ولكنه سنة 2018 خاض السباق الانتخابي كمرشح مستقل عن حزبه. وعندما عاد برهم صالح إلى السليمانية كمسؤول حكومي، لعب دورا رئيسيا في مشاريع مثل ربط شبكة الكهرباء بإيران وفتح فرع للجامعة الأمريكية، وهو ما يحيل على سعيه إلى خلق التوازن بين التأثير الإيراني والأمريكي على مستقبل العراق خاصة في الشمال.
وبين الموقع أنه على الرغم من أن عادل عبد المهدي ينحدر من وسط شيعي متدين، إلا أن ذلك لم يمنعه من الانجذاب نحو الحزب الشيوعي العراقي. وقد مثلت الثورة الإسلامية الإيرانية مصدر إلهام بالنسبة له، باعتبارها مشروعا مضادا لهيمنة الأحزاب اليسارية التي لطالما استحوذت على مخيلة اليساريين والشيوعيين في منطقة الشرق الأوسط والعالم ككل.
ونوه إلى أنه بالنظر إلى مسيرة القادة الثلاثة، فإنه لا يمكن تصنيف أي منهم بشكل مباشر تحت راية المعسكر الإيراني أو الأمريكي، ناهيك عن أنهم مستقلون عن الكتل السياسية الرئيسية. وتضم القائمة الحالية من الوزراء عددا من التكنوقراطيين مثل لؤي الخطيب مدير معهد الطاقة العراقي، وثامر غضبان وزير النفط، وفؤاد حسين وزير المالية. ولكن الحاجة إلى هذه المعارضة الثنائية، مثل الحاجة إلى اعتماد "الطائفية" لفهم المشهد السياسي العراقي، جعلت ديناميكيات السياسة العراقية أكثر إرباكا.
وفي الختام، أكد الموقع أن القادة الثلاثة عملوا خلال الأسابيع الأخيرة على تشكيل حكومة تكنوقراط والحرص على مقاومة الرغبة في إسناد الحقائب الوزارية بناء على الخلفية العرقية والطائفية، إلى جانب الموازنة بين الأجندات الأمريكية والإيرانية.
واشنطن بوست: القادم أسوأ في الشرق الأوسط
واشنطن بوست: هل تستطيع "التنف" وقف التهديد الإيراني؟
والت: ترامب مع الرياض والقاهرة وتل أبيب.. أين يذهب بالمنطقة؟