نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقال رأي لصاحبه الكاتب والأستاذ الجامعي بجامعة نيويورك، محمد بازي، الذي تحدث من خلاله عن عودة النظام السعودي لاستغلال ثرواته النفطية لشراء ولاء الحلفاء وجعلهم ينصاعون لرغباته ويدعمونه في المنابر الدولية ويتغاضون عن تجاوزاته وجرائمه.
وقال الكاتب في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن المستثمرين البريطانيين كانوا ينوون مقاطعة مؤتمر "دافوس الصحراء" عقب تورط السعوديين في قتل الصحفي جمال خاشقجي، لكن تعهد حكومة محمد بن سلمان بدفع 6 مليار دولار في شكل استثمارات أسال لعابهم وأعادهم إلى نقطة البداية والإشادة بالسعوديين.
وذكر الكاتب أنه بعد ثلاثة أيام من اعتراف المملكة العربية السعودية بأن عملاءها قتلوا الصحفي المعارض جمال خاشقجي، ترأس رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان إحدى جلسات المؤتمر الاقتصادي الذي أقيم في الرياض على الرغم من أنه عندما زار سابقا السعودية سعيا للحصول على الدعم للنهوض باقتصاد بلاده المتضرر، لم يحقق أيا من المطامع التي قدم من أجلها وعاد إلى بلاده خالي الوفاض. في المقابل، وخلال الأسبوع الماضي، اتصل بن سلمان بخان طالباً منه حضور المؤتمر. وقد قبل خان الدعوة ولكن هذه المرة عاد إلى بلده وفي جعبته 6 مليارات دولار، قدمتها له المملكة في شكل دعم مالي.
وبيّن أنه منذ صعود ابن سلمان إلى السلطة، اتبع السعوديون سياسة خارجية ذات طابع عدواني وعسكري مكثف، لكنهم تبنوا أيضا تكتيكا، اعتمدوه على مدى عقود، يكمن بالأساس في استغلال ثروتهم النفطية لشراء ولاء مختلف الجهات في العالم العربي وخارجه.
وفي خضم الضجة الدولية حول مقتل خاشقجي، ضغط الزعماء السعوديون بطريقة ودية على الحكومات الإسلامية، معتمدة على دعمها العلني للمملكة.
وقال الكاتب إن أبرز حلفاء السعودية منذ وقت طويل في الخليج العربي، أي الإمارات العربية المتحدة والبحرين أعربتا عن دعمهما للمملكة، والأمر سيان بالنسبة لعدة حكومات عربية تعتمد على المساعدات السعودية، على غرار مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والحكومة اليمنية المخلوعة.
عندما اعترفت المملكة أخيرا بأن عملاءها قتلوا خاشقجي، نوه بيان لوزارة الخارجية السعودية بتقديره "للمواقف الحكيمة للبلدان التي فضلت الانتظار إلى حين انتهاء الإجراءات والتحقيق وبيان الأدلة، وتجنب الانسياق وراء التكهنات والادعاءات التي لا أساس لها من الصحة". ولكن وجه كل من الملك سلمان وابنه محمد، رسالة واضحة مفادها أنه "بمجرد أن تنجلي هذه المحنة، لن تنسى المملكة العربية السعودية أصدقاءها وستعاقب أعداءها.
ونوه الكاتب إلى أنه بالإضافة إلى اعتماد الرياض دبلوماسية دفتر الشيكات، تسيطر على إمبراطورية إعلامية واسعة تعمل على ترسيخ سياستها الخارجية وتعمد إلى مهاجمة منتقديها. كما يمول القادة السعوديون عددا من المعارضين ضد السياسيين في العالم الإسلامي الذين يرفضون الانصياع لسلطة المملكة، وينفقون عشرات الملايين من الدولارات لاستمالة حكومات الدول الغربية، في حين يدعمون خلايا التفكير والجامعات والمؤسسات الثقافية البارزة، بهدف مساعدتها في تشكيل صورة المملكة لدى الغرب.
وأفاد الكاتب بأن رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، كان صريحاً في انتقاده للرياض، حيث قال: "نحن أيضاً لدينا أشخاص لا نحبهم، لكننا لا نفكر في قتلهم". وكان محمد مخالفا للسياسة التي اعتمدها سلفه نجيب عبد الرزاق، الذي كان حليفا للمملكة ونجح في الاستفادة من سخائها، حيث تلقى في سنة 2015 هدية، مجهولة الدوافع، قدرها 681 مليون دولار من السعوديين حولت إلى حسابه المصرفي الشخصي.
في المقابل، يعد شريك مهاتير محمد في الحكومة، أنور إبراهيم، حليفا قويا للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تكفل شخصيا بالإشراف على مسار القضية ضد السعوديين بسبب مقتل خاشقجي.
ووضح الكاتب أن السعوديون يوظفون سيطرتهم على الحج السنوي إلى مكة المكرمة كوسيلة أخرى لمكافأة الأصدقاء وتهميش الأعداء في العالم الإسلامي. وفي كل سنة، تحدد الحكومة السعودية حصصاً لعدد الحجاج من دول العالم الذين يمكنهم الحصول على تأشيرات الحج، استناداً إلى النسبة المئوية للمسلمين في كل بلد. كما تخصص المملكة مجموعة تفضيلية من تأشيرات الحج للسياسيين والحلفاء الدوليين المفضلين.
في خضم الأزمة الحالية، طالب ابن سلمان أن يعلن رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، الذي كان قد اعتُقل في زيارة للرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وأجبر على الاستقالة في خطاب تليفزيوني قبل أن يستأنف في النهاية مهامه على رأس منصبه، بأن يعلن ولاءه للرياض علانية. وبالتالي، كان على الحريري أن يدعم بن سلمان علانية لأن المملكة لا تزال تتمتع بنفوذ داخل لبنان، كما أنها نصبت نفسها على أنها الحامي الرئيسي للطائفة السنية في البلاد.
وفي الختام قال الكاتب أن حلفاء المملكة العربية السعودية والجهات التجارية التي تتعامل معها، يدركون خطر تجاوز بن سلمان، الذي أظهر للعالم أنه يمكن أن يكون متهوراً وقاسياً. في الأثناء، تأمل الأطراف التي تصر على البقاء في ظلال نعم ولي العهد في أنه يكافئها على ولائها، لاسيما أنه نصب نفسه ملكا ليحكم لعقود قادمة المملكة العربية السعودية.