برر يوسف بن علوي، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، في سلطنة عمان، زيارة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى بلاده بالقول « إن السلطنة تطرح أفكارًا لمساعدة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على التقارب، لكنها لا تلعب دور الوسيط.
وهذا يؤكد أن الخطاب العربي الرسمي، لم يصل بعد، مرحلة السياسة الانفرادية مع دولة الاحتلال، على الأقل بالخطاب المعلن، أي بتبني المصالح القطرية للدولة، بمعزلٍ عما آلت إليه فلسطين وقضيتها، إذ لا تزال الشعوب العربية تستهجن التطبيع مع العدو المحتل، ولاسيما، وهو لم يفِ، بعد، بالحد الأدنى مِن المطالب العربية التي عبرت عنها «المبادرة العربية»، في القمة العربية، في بيروت 2002. نقول هذا، مع أن أقوال ابن علوي، «أن القضية الفلسطينية هي أساس جميع المشكلات التي حصلت، خلال النصف الأخير، من القرن الماضي» و»أن الزمن أصبح مناسبا للتفكير بجِدية للتخلص من المشكلات التي لا تسمح لدول المنطقة بالتطور الذي تستحقه»، هذه الأقوال قد تنطوي على نبرةٍ أحادية، طالما تكررت في الآونة الأخيرة، وهي تقوم على اعتبار القضية الفلسطينية عِبئًا على بعض العرب، وأنها كبدتهم تضحياتٍ جسيمة، وآن لهم أن يستريحوا.
يحدث هذا في وقتٍ تبلغ فيه القضية الفلسطينية أخطر مراحلها، بالقياس إلى ما سبق، وتكتسب الخطورة منحى أكثر جِدية، على أرضية العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، والدعم المطلق الذي يعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وممثلوه، مِن أمثال السفير ديفيد فريدمان الذي كرر التأكيد على حق دولة الاحتلال في الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، التي اعتبرها أرضها، والمبعوث الأمريكي لعملية السلام جيمس غرينبلات الذي كرر التموضع في عين الموضع الذي تتخذه حكومة الاحتلال؛ بالتهديد المباشر للفلسطينيين في غزة، إن هم واصلوا النضال ضد الاحتلال ومستوطنيه، وباشتراطه أي انفراجٍ على القطاع بالهدوء التام، بدون ربط ذلك بحلولٍ سياسيةٍ تتجاوز التسويات والمقاربات الاقتصادية التي تريدها دولة الاحتلال بديلا لأي استحقاقاتٍ سياسية. وجاء الموقف الفلسطيني رافضا لدعوة عمان باستئناف التفاوض؛ معللا ذلك بوجود حكومة يمينية، إلى جانب إبداء استعداده لمفاوضات ثنائية فورية مع إسرائيل، لكن بدون وساطة أمريكية، وشرط توافر أساسٍ جيد. وتزداد أهمية الرد الفلسطيني، بعد إعراب يوسف بن علوي، عن تأييد بلاده خطة ترامب لعملية السلام «صفقة القرن»، قائلًا «نشعر بتفاؤل شديد حيال هذا الاقتراح لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، معتبرًا أن الحل سيكون مفيدًا للإسرائيليين والفلسطينيين، على حد سواء».
وهو موقف لم يسبق إليه عربيا على المستوى العلني الصريح، وإن كانت مواقف عملية عربية ولفظية، وتسريبات مِن نظام عبد الفتاح السيسي كانت صبت في الانخراط في هذه الصفقة، منها ما كانت نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، مِن تسريبٍ صوتي يكشف قبول السيسي، ضمناً، قرار واشنطن، اعتبار القدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل سفارتها إلى هناك، وتسويق رام الله عاصمةً بديلة. فهل اطلعت دولة عُمان على بنود «صفقة القرن»؟ (علما بأنها لم تعلن رسميا)، وإذا كانت اطلعت على ما هو مؤكد منها، فقد يلزم التوضيح بأنها لا تجحف، وفق ما ذكرت مصادر صحافية عِبرية، بحقوق فلسطينية وعربية أساسية.
وكانت صحيفة «هآرتس» أكدت أن التسريبات الأخيرة عن «صفقة القرن» للتسوية تتحدث عن دولة فلسطينية «منقوصة»، وتطالب بانسحاب «إسرائيلي» من أربع، أو خمس قرى، شرق القدس المحتلة، وشمالها (شعفاط وجبل المكبر والعيساوية وأبو ديس) تكون إحداها (أبو ديس) عاصمة للدولة الفلسطينية، مع إبقاء البلدة القديمة المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، تحت الاحتلال.
وأضافت أن «إسرائيل» لا تطالب بتقديم شيء، باستثناء الانسحاب من الأحياء الأربعة أو الخمسة، بدون المس بأي من المستوطنات، داخل الجدار الفاصل وخارجه، على السواء، أي الإبقاء حتى على المستوطنات المنتشرة في أعماق الضفة الغربية. ولا يخفى على الطرف الفلسطيني، بالذات، ولا على أي معنِي، أو متابِع، ما يجنيه نتنياهو، والأحزاب الصهيونية التي على يمينه، من المتطرفين العنصريين، مِن مِثل هذا الاستقبال العربي، والترحيب العلني، ولا سيما في أي انتخابات مقبلة، بما تمنحه للناخب الإسرائيلي من تطمينات على سلامة هذا النهج اليميني، الذي يدير الظهر لأي حلول سياسية حقيقية، ويسد الأفق أمام دولة فلسطينية، إلا أن تكون حكمًا ذاتيا، كما صرح نتنياهو، مؤخرا، على أن يبقى الأمن في الضفة الغربية، وحتى الحدود مع الأردن بيد دولة الاحتلال وجيشها، الذي يمضي نحو النهاية في القدس، تهويدا، واستيطانا، ويتوج ذلك ويكرسه بقانون القومية/ القانون الأساس، الذي لا يعترف بأي شعب على أرض فلسطين التي يعدها أرض إسرائيل، إلا بالشعب اليهودي، وتاليًا، لا حق لتقرير المصير هنا، إلا حق الشعب اليهودي، وبهذا خطر يرتد ليس فقط على فلسطينيي الضفة الغربية والقطاع، ولكنه يطال فلسطينيي الداخل، في هويتهم، وبقائهم مستقبلا، إذ يستطيع نتنياهو أن يدلل على نجاعة سياسته اليمينية المتعالية تلك بهذه العلاقات العربية المتقدمة والعلنية.
في المقابل، تدرك عُمان وغيرها خطورة تجاوز فلسطين، وهذا ظاهر في تعليق عُمان على استقبالها رئيس وزراء دولة الاحتلال، ومحاولة ربطه بعملية السلام، وأمن الفلسطينيين، وهو ما يفهم، أيضا، من استباق هذه الخطوة التطبيعية المتقدمة، وفي هذا الوقت بالذات، ولهذا الزعيم الصهيوني تحديدا، باستقبالها محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية.
أما الموقف الفلسطيني الرسمي فهو رافض لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، وهو يعلن رفضه القاطع لصفقة القرن، وهذا لا يسعِف هذه الهرولة نحو التطبيع العلني، وعلى أعلى المستويات، لذلك تحاول هذه الأطراف العربية دفع الفلسطينيين إلى استئناف المفاوضات، ولو لمجرد التفاوض؛ ليتوفر لها الغطاء المريح، نحو الإمعان في علاقات مع دولة الاحتلال، تتجاوز فلسطين والفلسطينيين؛ فهل تستجيب السلطة الفلسطينية، وتمنح الغطاء الذي تحاوله عمان، ومن قد يتبعها؟
عن صحيفة القدس العربي