سيدتان أمريكيتان تقفان على يسار "الحزب الديمقراطي".
كلتاهما من أصول عربية، وتعتبران أول سيدتين مسلمتين تدخلان "الكونغرس" الأمريكي، منذ 12 عاما، حين تولى المسلم كيث إيليسون مقعدا في "الكونغرس".
وكلتا السيدتين تناصران المهاجرين، الذين يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تقييد وجودهم على الأراضي الأمريكية، وتقفان ضد سياسات ترامب والحزب الجمهوري.
وهما أيضا من كبار الناقدين والمعارضين لدعم "إسرائيل" وتدعوان إلى مقاطعة دولة الاحتلال.
وفي لغة الأرقام القياسية فإن رشيدة طليب، المولدة في عام 1976 في ديترويت بالولايات المتحدة، هي أول امرأة عربية ومسلمة تدخل "الكونغرس" بوصفها الأولى في إعلان نتائج انتخابات "الكونغرس".
هي كبرى أخواتها الـ 13، وكان والدها المهاجر يعمل في مصانع سيارات "فورد" في ديترويت بولاية ميشيغان، وهو من مواليد بلدة "بيت حنينا" شرق القدس، وعاش فترة في نيكاراغوا قبل قدومه إلى ميشيغان، بينما تنحدر والدتها من قرية "بيت عور الفوقا" من محافظة رام الله بالضفة الغربية.
نالت طليب الشهادة الجامعية في العلوم السياسية في عام 1998، ثم حصلت على شهادة في القانون في عام 2004.
دخلت من خلال عملها كمحامية ساحة العمل السياسي، وكانت ناشطة في العمل الاجتماعي والبيئي في ولايتها.
وتمكنت في عام 2008، من الفوز بمقعد في مجلس نواب ولاية ميشيغان، وأضحت أول امرأة مسلمة تخدم في المجلس التشريعي في ميشيغان والثانية في الولايات المتحدة الأمريكية.
تنتمي إلى جناح بيرني ساندرز في "الحزب الديمقراطي"، وتدعو إلى إصلاحات مثل الرعاية الصحية الشاملة، وتحديد الحد الأدنى للأجور، وحماية البيئة، ورسوم مقبولة للتعليم الجامعي.
وباعتبارها محامية ، فهي تسعى للدفاع عن فقراء مقاطعة ديترويت التي ولدت وتعيش فيها، واتهمت أحد رجال الأعمال الكبار بتلويث أحياء المقاطعة في الحملة الانتخابية.
وتركز طليب في خطابها على برامج المرأة والطفل والرعاية الصحية، وتحظى بدعم روابط الممرضين والمعلمين وتجار التجزئة في الولاية.
وتقول إن توفير رعاية صحية لكل الأمريكيين والأجور والسياسات البيئية وتمويل المدارس العامة والإصلاحات الخاصة بالمهاجرين، ستكون على رأس أجندتها داخل الكونغرس.
انضمت إلى حركة "أمهات ضد ترامب" عندما كان ترامب مرشحا للانتخابات الرئاسية، وعبرت طليب عن مواقف معارضة لترامب الذي اتهمته بتشويه صورة المسلمين. واشتهرت لدى اعتراضها على ترامب خلال تجمع انتخابي في عام 2016 في ديترويت واحتجزت يومها برفقة 11 امرأة أخرى وصرخت في وجه ترامب متسائلة: "هل قرأت الدستور؟".
وأقرت طليب بأنها فخورة بتلك اللحظة، حيث عبرت عن معارضتها لخطاب ترامب.
وفي وقت سابق قالت طليب في تصريحات صحفية إنها "ستعارض تقديم المساعدات لإسرائيل ما لم تعمل من أجل السلام وتنهي الظلم الواقع على الفلسطينيين".
وقالت: "سأستخدم منصبي كعضو في الكونغرس لأقول إنه لا ينبغي لأي دولة، ولا أي دولة، أن تحصل على مساعدات منا ما دامت تواصل إيقاع مثل هذا الظلم".
وقالت في مقابلة مع شبكة "إيه بي سي" في آب/ أغسطس الماضي: "أنا مرشحة بسبب الظلم ولأن أبنائي يتساءلون حول هويتهم كمسلمين".
طليب فازت بمقعد تاريخي في " الكونغرس" ظل حكرا على النائب "الديمقراطي" جون كونيرز منذ عام 1965 حتى تاريخ استقالته العام الماضي بسبب اتهامات بـالتحرش الجنسي.
زميلتها الأخرى إلهان عمر أخذت مقعد الأمريكي المسلم كيث إليسون في "الكونغرس" ليرتفع عدد المسلمين في مجلس النواب الأمريكي الى ثلاثة، الى جانب عضو "الكونغرس" أندريه كارسون، المسلم من أصول إفريقية والذي أعيد انتخابه بسهولة في ولاية إنديانا التي تميل إلى الديمقراطيين أساسا.
أتت إلهان عمر، المولودة في عام 1981، في مدينة مقديشو، إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين كلاجئة فهي نشأت في بيدوا بدولة الصومال، وهي فرد من عائلة مكونة من سبعة أشقاء إلى جانب والدتها ووالدها الذي كان يعمل مدرسا في بعض الأوقات.
ومع بدء الحرب الأهلية الصومالية في عام 1991؛ فرت إلهان وعائلتها من البلاد ثم قضوا أربع سنوات في مخيم للاجئين في كينيا، وبحلول عام 1995 هاجرت العائلة إلى الولايات المتحدة.
تخرجت إلهان من جامعة "نورث داكوتا" في العلوم السياسية والدراسات الدولية في عام 2011.
وفي مينيسوتا الصناعية التي تعيش فيها جالية صومالية كبيرة، دخلت إلهان عالم السياسة، وفازت قبل عامين بمقعد في المجلس التشريعي المحلي، وكانت حينها ناشطة ضمن منظمة للدفاع عن الحقوق المدنية.
وعلى مدى سنوات، بنت إلهان صورة السياسية التقدمية، فهي تؤيد مجانية التعليم الجامعي وتوفير مساكن للجميع وإصلاح القضاء الجنائي، وهذه السيدة، مثل طليب، تعارض بشدة سياسة ترامب المتشددة في ما يخص الهجرة.
بدأت إلهان حياتها المهنية بوصفها ناشطة في الجامعة، وبحلول عام 2012، شغلت إلهان منصب مديرة حملة كاري دزايدزيك لإعادة انتخاب ممثلا عن ولاية مينيسوتا في "مجلس الشيوخ" الأمريكي، ثم شغلت منصب منسقة عامة في وزارة التعليم.
كما عملت إلهان في عام 2013 لصالح حملة أندرو جونسون في مجلس المدينة وبعد انتخاب الأخير، عملت كمساعدة شخصية له .
وفيما بعد ستتعرض إلهان للضرب من قبل 7 – 8 أشخاص في تجمع حزبي في عام 2014، بسبب حجابها وبشرتها السمراء، إلا أن ذلك لم يمنحها سوى المزيد من الإصرار على الاستمرار، كما قالت ذات يوم.
ومنذ عام 2015، تدير قسم السياسات والمبادرات في مؤسسة "WOW" (النساء ينظمن النساء) التي تقوم بالدفاع عن النساء المنحدرات من شرق إفريقيا، ودعمهن لتولي مناصب قيادية على المستويات المجتمعية والسياسية.
ومثل زميلتها طليب، لطالما انتقدت عمر سياسات دولة الاحتلال، مشيرة إلى أنها عبارة عن "نظام فصلٍ عنصري" ومؤكدة كذلك على "أن إسرائيل هي منوّمة العالم" داعية جموع الشعب الأمريكي والعالمي إلى عدم إغفال القصف الجوي الإسرائيلي على المدنيين والذي وصفته "بفعل الأشرار".
كما توصي إلهان جامعة مينيسوتا بسحب الاستثمارات والسندات من "إسرائيل" منتقدة القانون الذي يهدف إلى منع حركة المقاطعة " BDS" بسببِ نشاطها الملحوظ في هذا المجال.
وكثيرا ما أتهمت ب"معاداة السامية" من قبلِ بعض اليمينيين لكنها كانت ترد بالقول "إن انتقاد الحكومة الإسرائيلية لا يعني بأي حال كراهية الشعب اليهودي" ثم واصلت "هذه الاتهامات دون جدوى، فهي متجذرة بسبب نمطية الاعتقاد الغربي بخصوص المسلمين".
كلتاهما ستصبحان في كانون الثاني/ يناير المقبل عضوتان في "الكونغرس" بشكل رسمي، مع فارق أن الصومالية إلهان ستدخل بوصفها أول امرأة محجبة في "الكونغرس".
وفي وقت سابق قالت إلهان إن ارتداءها الحجاب قد يصبح "مشكلة تعيق طموحها السياسي" لكن "عندما يقوم شخص واحد بكسر تلك الحواجز، سيسمح ذلك لأشخاص آخرين بالحلم أيضا" وفقا لتعبيرها.
ووفقا لتحليلات سياسية متقاربة فإنه ليس بالضرورة أن يحسن انتخاب امرأتين مسلمتين الصورة النمطية عن المسلمين، أو أن يوقف الدعم عن " إسرائيل".
وتجد مجلة " فورن بولسي" أن الدفاع عن المسلمين الأمريكيين من مقعد في "الكونغرس" سيكون تحديا، لكن إصلاح المجتمعات ذاتها من الداخل، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة المسلمة سيكون بالمستوى ذاته من الصعوبة.
فقد كشف استطلاع لشركة "بيو" عن أن الهجمات ضد المسلمين في عام 2016 تجاوزت الذروة التي وصلتها في عام 2001، وقال نصف المسلمين المستطلعة آراؤهم بأن الحياة، كونك مسلما في أمريكا، أصبحت أكثر صعوبة مما كانت عليه، فيما قال ثلاثة من كل أربعة بأن التمييز ضد المسلمين واسع الانتشار، وهو الرأي الذي أكده 70% من العامة، وليس فقط التمييز: فكثير من المسلمين أبلغوا عن مواجهة تخويف وتهديد بالأذى الجسدي، ورأوا مساجد وغيرها من الممتلكات يتم تخريبها.
من جانبه أفاد "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية " عن تزايد جرائم الحقد ضد المسلمين بنسبة 21% في أول ستة أشهر من عام 2018.
وفي هذا المناخ تقول " فورن بولسي" إن "تحويل عمر وطليب إلى مجرد رمز للتعددية الأمريكية، سيكون إضاعة لمواهبهما وإمكانيتهما للقيام بعمل فعلي نحو التحول السياسي والنسوي".
نجاهما، إلهان وطليب، يتوقف عليهما وحدهما. بعد فوزها كتبت إلهان عمر في تغريدة: "انتصرنا معا. شكرا"، قبل أن توجه رسالة إلى رشيدة طليب قائلة: "أهنئ شقيقتي رشيدة طليب على انتصارها، أتطلع إلى الجلوس معك في مجلس النواب إن شاء الله".
السيدتان تعرفان أن المهمة صعبة ومضنية، لكن ليست مستحيلة في مواجهة إدارة ترامب اليمينية المتطرفة والمتعجرفة، وكذلك اللوبي الإسرائيلي الذي يستأثر بالمناصب الرئيسة في الإدراة الأمريكية الذي ينظر إلى السيدتين بوصفهما شوكة في الخاصرة.
وحين تجلس السيدتان معا سيكون موقفهما أقوى، وستوصلان رسالة قوية إلى المؤسسة الأمريكية بأن العالم يوشك أن يتغير وبأن على البيت الأبيض أن يعدل من سلوكه في التعامل مع الواقع الجديد، وبأن قواعد اللعبة الداخلية تحتاج إلى تعديل في انتظار الانتخابات الرئاسية في عام 2020.
"ترامب اللاتيني".. هل ينقل سفارة البرازيل للقدس المحتلة؟