يرتفع منسوب
"القلق" في لبنان من اتجاه البلاد بشكل متسارع نحو أزمة عميقة مالية
واقتصادية وضياع فرص التحسين والتطوير الاقتصادي عبر مؤتمر سيدر الداعم للبنان.
ويتفق مراقبون
وسياسيون على أنّ غياب تشكيل الحكومة يعدّ الضربة الموجعة التي ربما تقصم ظهر
الاقتصاد اللبناني، مع استمرار ما يسمى بالعقدة السنية من خلال مطالبة النواب
السنّة في 8 آذار بالحصول على مقعد وزاري مدعومين بطلبهم
هذا من حزب الله.
وأطلق البنك
الدولي تحذيرات من خطورة ما يمرّ به لبنان، في حين أشارت تقارير اقتصادية إلى
اقتراب لبنان من تضييع قروض وهبات حصل عليها من مؤتمر سيدر و الذي اشترط في الوقت
عينه على الحكومة اللبنانية إجراء إصلاحات إدارية ومعالجات لقضايا الفساد، غير أن
حكومة تصريف الأعمال الحالية لا تستطيع التصدي لهذه الاستحاقات لأن الدستور حدّد
عملها بالنطاق الضيق لتصريف الأعمال.
الطبقة السياسية
وحمّل عضو اللقاء
الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن الطبقة السياسية مسؤولية تردي الأوضاع، وقال في
تصريحات لـ"عربي21": "البلد وصل إلى مأزق اقتصادي كبير بسبب
الممارسات السابقة وغياب الرؤية الواضحة، بالإضافة إلى تلهي جزء من الطبقة
السياسية في متاهات البحث للحصول على مكتسبات آنية وظرفية غير آبهين بالمصلحة
الوطنية العليا".
و أشار إلى أن "التراكمات
المتواصلة على الصعيد الاقتصادي جاءت نتيجة غياب سياسة إصلاح حقيقية، وفي ظلال الفساد
المستشري، وعدم وجود نظام سياسي يحاسب الطبقة الحاكمة"، منتقدا ما أسماه
"النظام الطائفي" لما سببه من تداعيات سلبية على الواقع اللبناني.
ورأى ابو الحسن أنّ
سعي أطراف سياسية إلى تحقيق مكتسبات محدودة جاء على حساب المواطن اللبناني، وقال:
"لا يأخذون حجم الهواجس التي يعبر عنها اللبنانيون ولا التحذيرات من توجه
البلاد نحو وضع كارثي"، محمّلا "كل من يعطّل ولادة الحكومة" مسؤولية الأوضاع المتدهورة والمخاطر التي تحدق
بالبلاد.
وعن تحديد الجهات
المتسببة بمرحلة الجمود السياسي في لبنان، قال: "الأمر متعلّق بقصر نظر بعض
الجهات"، مستبعدا أن يكون التعطيل الحكومي ناتج عن غايات تستخدم ضد لبنان،
وقال: "لا أعتقد أن هناك لبنانيا يعمد إلى تصويب النيران تجاه نفسه، فما يجري
ينحصر في بحث قوى معينة عن حصد مكتسبات بعيدا عن المكسب الوطني الكبير".
وحول إمكانية حدوث
خرق باتجاه حلّ وسطي، قال: "الحلول تحضر في حال حَسنت النوايا عبر إعلاء
المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار"، لافتا إلى أن هامش الخلاف حول التشكيلة
الحكومية "انحصر إلى حدود الخلاف على مقعد وزاري واحد"، داعيا إلى
العودة "خطوة إلى الوراء كي تتقدم مسيرة الدولة خطوات إلى الأمام".
وشدد على أهمية
إرساء المعادلة الوطنية في المرحلة المقبلة لما فيه مصلحة لبنان وجميع القوى في
البلاد.
مصلحة لبنان
وبينما تتوإلى
الدعوات لتغليب مصلحة الوطن، رأى اللقاء التشاوري لنواب السنة (8آذار) أنّ مطلبه
في الحصول على مقعد وزاري غير مرتبط بأي استراتيجية تعطيل، وتحدّت عضو اللقاء
التشاوري وليد سكرية عن أنّ الأمور لا تزال في مرحلة المراوحة، غير أنّه أشار إلى
مساعب الحل عبر رئيس الجمهورية ميشال عون من خلال وزير الخارجية جبران باسيل، وكشف
في تصريحات لـ"عربي21" عن لقاء "سيجمع اللقاء التشاوري، الإثنين،
مع باسيل بعد سلسلة لقاءات عقدها الأخير في الأيام الماضية بهدف صناعة حلّ للعقدة
من خلال المقترحات التي يقدمها".
وأكد سكرية رفض
اللقاء التشاوري طروحات تسمى بالوسطية من خلال تسمية وزير حيادي من خارج اللقاء،
قائلا: "نحن الذين انتخبنا ولنا صفتنا التمثيلية، فلا يمكن القبول بوزير يمثل
خمسين بالمئة من أفكار ورؤية تيار المستقبل وخمسين بالمئة لتوجهاتنا
السياسية".
وعن الجهة التي
تتحمل مسؤولية التقهقر الحياتي للبنانيين، لفت إلى أنّ "الوضع الاقتصادي يرزح
تحت وطأة المعاناة منذ زمن بعيد وليست الأزمة الحالية هي المتسبب في ذلك"، مضيفا: "تعايش لبنان سابقا
مع أوضاعه الاقتصادية بمعزل عن المسارات السياسية".
ورفض سكرية الحديث
عن انهيار ينتظر لبنان بسبب عدم تشكيل الحكومة، متسائلا: "لماذا أخّر رئيس
الحكومة المكلّف حلحلة العقد لمدّة ستة أشهر في إطار بحثه عن منح القوات اللبنانية
الوزارات التي ترضيهم؟"، مردفا: "يمارسون علينا تهويلا من خلال الحديث
عن خراب لبنان بسبب ما نطلبه من حق لنا بالحصول على مقعد وزاري".
وردّا على ما شدّد
عليه الرئيسان عون والحريري بأنّ اللقاء التشاوري لا يمثل كتلة بدليل توجهه إلى
الاستشارات النيابية عبر كتل أخرى، أكد أنّ "اللقاء التشاوري تكوّن قبل
النتخابات النيابية"، مبينا:"لا مانع أن يتمّ التوافق على رؤية مشتركة
بعد الانتخابات"، وأردف: "لسنا حزبا عقائديا ملتزما، ولا يمكن التعويل
على مسألة خوض الانتخابات بصفة مشتركة لأنّ القانون الانتخابي حدّدها ضمن دوائر
معينة، فبعضنا خاض المعركة الانتخابية في الشمال أو الجنوب وفي البقاع و
بيروت"، وأشار إلى أن "الاستشارات النيابية جرت بسرعة، قبل التوافق بين أعضاء
اللقاء على رؤية واستراتيجية مشتركة".
واعتبر أن
"الحكومة اللبنانية تتشكل وفق محاصصة مذهبية عبر المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وعلى قاعدة تعيين كل مذهب للوزارء الذين يتبعون إليه"، متهما
الحريري "بالمناورة السياسية لعدم منح اللقاء التشاوري مقعد وزاري لإبقاء
احتكار تيار المستقبل على المقاعد الوزارية للطائفة السنية".
اقرأ أيضا: الحريري يحمل حزب الله مسؤولية تعطّل تشكيل الحكومة