تم اعتقال المرشح السابق للانتخابات الرئاسية
المصرية عبد المنعم أبو الفتوح في 14 شباط/ فبراير الماضي، وطوال هذه المدة كان رهين الحبس وحيدا في زنزانته، لا يخالط أحدا ولا يُسمح له بالتجول في فناء السجن (التريّض)، وهو حق مكفول لكل سجين، وأقصى ما يُسمح به أن يتجول في ردهات العنبر المحبوس فيه. وكل من جرّب قسوة
السجون المصرية ومرارتها يدرك أن الحبس الانفرادي، يحطُّم نفوس الشباب، فماذا يصنع مع شيخ قارب السبعين من عمره؟
ما يتم تداوله في الأوساط السياسية أن رأس النظام المصري يتابع بنفسه أوضاع بعض
المعتقلين، وأغلبهم من الذين دخلوا معه في خصومة مباشرة قبل انقضاضه الدموي على السلطة. وبات معروفا أن هناك تعليمات بألا يتم التصرف في حالة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إلا بعد الرجوع للمؤسسة التابعة مباشرة لضئيل الحجم والقدرات والمكانة هذا. فإذا كان الوضع كذلك، فمن المناسب إيضاح الوضع المعيشي والصحي له منذ اعتقاله.
أُودع الدكتور أبو الفتوح الزنزانة الانفرادية منذ ذهابه إلى السجن، ومُنعت عنه أدويته، والطعام الذي تحضره أسرته له، والملابس كذلك، وإذا حانت لحظة التريّض بالنسبة له، يتم إدخال كل المساجين إلى زنازينهم ليخرج في ردهة العنبر المعتقل فيه يمشي دون أن تلامس الشمس بشرته. وكانت غرفة السجن شديدة الحرارة في الصيف، ويلتصق فيها موضع الحمّام بالسرير، ليبتلّ الفراش إذا أراد الاستحمام، فضلا عن الحشرات التي تزيد من صعوبة المعيشة.
جراء ذلك الوضع الضاغط، أصيب الدكتور أبو الفتوح بعدة ذبحات صدرية، ولم يستجب أحد لنداءاته في الزنزانة، وربما تسبب الضغط الإعلامي في السماح بدخول بعض الأدوية الأساسية له، ثم تسببت سيارة الترحيلات غير المجهّزة وسوء حالة الفراش في إصابته بانزلاق غضروفي منذ سبعة أشهر تقريبا، ولم يعد بمقدوره التحرك سوى بمُسكّن للآلام ومعاونة غيره له. ولا يزال حتى الآن دون علاج له، أو مجرد الكشف عليه وإجراء الأشعات اللازمة، رغم صدور قرار منذ أشهر بالسماح له بعمل أشعة، إلا أن إدارة السجن اكتفت بكشف ظاهري وتعنّتت في علاجه؛ وهو يقارب السبعين من عمره.
أثناء التجديد الأخير لأبو الفتوح في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ظهر للمرة الأولى أمام الكاميرات، ليبدو عليه الإعياء الشديد، والفقدان الملحوظ للوزن، والحاجة للمعاونة أثناء الحركة، وهو الرجل الذي كان يجوب محافظتين أو ثلاث في يوم واحد؛ أثناء حملته الانتخابية.. ظهر أبو الفتوح لا ليشكف عن إعيائه، بل ليكشف عن إعياء العقول التي تدير البلد، والتي صنعت العنف والإرهاب والفوضى بسلوكها وممارساتها، بدءا من الانقلاب الذي يقطع الطريق أمام الحركات السليمة برسالته السلبية، وألّا مكان للديمقراطية والحكم الشعبي إذا لم يكن على هوى راكبي الدبابات، ثم بالدموية "التي لم تتوقف" في التعامل مع المعارضين؛ لكنها اختلفت من مجازر جماعية إلى عمليات تصفية وقتل خارج إطار القانون، وأخيرا بسحق المجتمع اقتصاديا بصورة تدفع المحتاجين إلى الجرائم بغرض إشباع حاجاتهم المالية أو الجنسية، في ظل تغييب عمدي للقيم والأخلاق التي تكبح جماح السلوك الشاذ بالمجتمع.
إن الهدف الذي ينشده راغبو الحرية بمصر؛ أن ينزاح الكابوس الجاثم على صدور المصريين منذ تموز/ يوليو 2013، لكن حتى تحقق هذا الهدف الأساسي، يأتي خروج المعتقلين على رأس أولويات ذويهم ومحبّيهم.
إن الإفراج الصحي عن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح صار مطلبا مُلحّا مراعاة لحالته، ولم يعد الانتظار ممكنا حتى نراه رقما من أرقام الراحلين؛ بسبب تعمد القتل عبر الإهمال الطبي والتضييق في السجون. وهو سياسي معروف وله مكانته الاجتماعية، ولا يُتصوّر هروبه إذا ارتأت المحكمة استدعاءه في أي وقت، أو حتى لو ارتأت وضعه تحت تدابير احترازية معينة تناسب سنّه ووضعه. كما أنه رجع إلى مصر في ظرف كان اعتقاله محتّما، ولم يهرب من مواجهة مصيره الذي ربطه بحبه لوطنه وبقائه فيه، وربما يكون الإفراج الصحي فرصة لإثبات أن هناك بقية استقلال قضائي، يقف بمعزل عن سيف الحاكم وذهبه.
إن تجربة المعارضين مع النظام تشير إلى أنه لن يستجيب لتلك النداءات، والمثال الأبرز على ذلك حالة المرشد السابق للإخوان الأستاذ محمد مهدي عاكف، الذي بلغ التسعين من عمره وهاجم السرطان جسده؛ لكنهم أبوا أن يُخرجوه ليعيش أيامه الأخيرة بين أبنائه. لذا أرجو أن تكون هناك حملة من المهتمين بالوضع المصري على اختلاف توجهاتهم واهتماماتهم لتدشين تلك الدعوة وتنظيمها.
فرّج الله عن مصر وسجنائها وأراحها من سجانيها، وفرّج بفضله عن المظلومين في كل مكان.