لا تمثل حادثة اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي، رغم وحشيتها، حالة معزولة من حالات القمع الممنهج الذي تمارسه السلطة السياسية العربية منذ عقود طويلة. لكنها نجحت في التحول إلى ظاهرة دولية وإلى كرة الثلج المتدحرجة التي توشك على الإطاحة بمنظومة سياسية كاملة في منطقة الخليج وفي جوارها الإقليمي.
ولا شك أن ارتباط الجريمة بالسلطة السياسية الاستبدادية في السعودية ساهم بشكل كبير في هذا الزخم الذي عرفته الجريمة ولا تزال بشكل لن يكون ما بعدها مشابها لما قبلها.
يعيش العالم العربي اليوم حالة غير مسبوقة من الإحتقان والترقب بعد وصول المسار السياسي والإجتماعي إلى طريق مسدود،
إقرأ أيضا: رئيس "علماء المسلمين" الجزائرية: خاشقجي هو البوعزيزي السعودي
أما السجون والمعتقلات سواء في منطقة الخليج أو في مصر وليبيا وسوريا فقد تحولت إلى مقرات ثابتة للتنكيل بالخصوم السياسيين والمعارضين وحتى المنتقدين لأتفه الأسباب ولو كان السبب متمثلا في تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا الوضع المخيف يمثل أوج مرحلة القمع التي تعرفها المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة ولا تضاهيها قمعا إلا فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما عمل النظام القمعي العربي على تصفية خصومه من الإسلاميين واليساريين في السجون والمعتقلات السرية.
تستغل السلطة السياسية كل الذرائع والأسباب من أجل التشريع للممارسة القمعية سواء بحجة الحفاظ على الدولة والمؤسسات التي تهيمن عليها أو تحت غطاء الحرب على الإرهاب بما يتناسق مع مشاريع القوى الدولية المتمددة في المنطقة.
آثار القمع وتداعياته
لا شك أن من أهم دوافع وأساب الثورات الشعبية التي عرفتها المنطقة إنما تتمثل في التمرد والرفض المعلن لممارسات السلطة السياسية القمعية القائمة على سلب الحريات والتنكيل بالرأي المعارض.
إن استقراء الشعارات التي رفعها الثوار في كافة الحواضر والساحات والميادين يؤكد على أنها كانت للتنديد بالقمع ورفض الظلم والمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية للفرد والمجموعة. لقد كانت ممارسات النظام الاستبدادية محرك الثورات ووقودها، حيث تحول الوعي بالظلم إلى المطالبة بإسقاط النظام وفرض التغيير السياسي بالقوة السلمية لملايين المتظاهرين.
لكن ردّ فعل النظام لم يتأخر طويلا، فقد قابل مطالب المتظاهرين بالرصاص والقتل والتنكيل الذي وصل إلى مرحلة إحراق المتظاهرين في الشوارع في مصر وإلى استعمال الغازات والأسلحة الكيمائية ضد المدنيين والأطفال في سوريا. استعمل النظام نفس الذرائع القديمة من محاربة الإرهاب والحفاظ على الدولة والمؤامرة الخارجية وغيرها من السرديات القديمة التي يلجأ إليها لتبرير حالة القمع الممنهج والقتل المنظم.
بناء على ما تقدم فإن السلطة السياسية العربية لم تكتف بالإبقاء على شروط الاحتجاجات والثورات قائمة بل زادت من تعميقها وغذتها بممارسات جديدة تفوق سابقاتها وحشية ودموية. بل إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي اليوم جعل هذه الممارسات مفضوحة للعلن ولم تعد كما كانت من قبل حبيسة زنازين التعذيب وأقبية التحقيق والمعتقلات السرية.
السلطة السياسية العربية لم تكتف بالإبقاء على شروط الإحتجاجات والثورات قائمة بل زادت من تعميقها وغذتها بممارسات جديدة