خبر طريف تناولته الصحافة الوطنية أمس يتمثل في بيع وثائق خاصة بالأمير عبد القادر الجزائري في مزاد بفرنسا، والأطرف في القضية أن وزير الثقافة عز الدين ميهوبي أعلن أن الجزائر معنية بهذا المزاد، وستدفع الكثير للحصول على هذه الوثائق، لأنها جزء من تاريخنا!
فرنسا وبعد أن نهبت أرضنا وخيراتنا، وجثمت على صدر الشعب الجزائري لمدة قرن واثنين وثلاثين سنة، وارتكبت خلال هذه الفترة الطويلة كل الموبقات، بدءا من مصادرة الأملاك من أصحابها ووهبها للمعمّرين، مرورا بالمجازر الجماعية في حق الشّعب الجزائري، ووصولا إلى التفجيرات النووية… بعد أن فعلت كل هذا، ما زالت فرنسا تحاول الاستفادة ولو بأثر رجعي وبيع ما نهبته من وثائق تاريخية لا تقدر بثمن.
وفي الواقع، فإن فرنسا من حقها استنزافنا بالطريقة التي تريدها ما دمنا نقبل بهذا الأمر، بل إننا نعرض بأنفسنا خيرات البلاد أمام الفرنسيين ليواصلوا نهبهم، ولو بطرق غير مباشرة، وذلك يحدث بشكل جلي في كل القطاعات.
ففي قطاع الصحة مثلا، لا يحصل المريض على تكفل الدولة بالعلاج في أي بلد عدا المستشفيات الفرنسية، وفي قطاع التعليم لا زالت وزارة التربية الوطنية تنسق سرا وعلانية مع الفرنسيين لاستيراد الطرائق والمناهج وحتى اللغة مع أن المدرسة الفرنسية متخلفة إذا ما قارناها بغيرها من الدول الأوربية، ولا زال الكثير يبدي مقاومة شرسة للانتشار الواسع للغة الإنجليزية التي بدأت تأخذ مساحات أكبر مقارنة مع اللغة الفرنسية، كما أن مصالح فرنسا محفوظة جدا وتحظى بالرعاية السّامية في كل القطاعات الاقتصادية، ولا زالت الجزائر سوقا كبيرة للمنتجات الفرنسية.
هذه المعاملة التفضيلية للفرنسيين على الصعيد الرسمي يقابلها كذلك انقياد إرادي للكثير من الجزائريين عندما يتعلق الأمر بفرنسا من خلال ارتباط عاطفي لا يمكن فهمه إلا في سياق ما قاله ابن خلدون بأن المغلوب مولع بتقليد الغالب.
وإلى أن يستفيق الجزائريون من حالة الاستلاب الطوعي، تبقى أكبر الإهانات تأتينا من فرنسا، سواء بعرض تاريخنا للبيع في المزاد العلني، أو بعرض جماجم الشهداء من قادة المقاومة الشعبية للاستعمار في المتاحف، أو من خلال التنكر للمطالب بالاعتراف بالماضي الاستعماري.
عن صحيفة الشروق الجزائرية