وصف خبراء اقتصاد قرار شركة المعمار الصينية "CFLD"، إلغاء خططها الاستثمارية بالعاصمة الإدارية في مصر، والتي كانت تقدر بـ 20 مليار دولار، بالضربة الموجعة لرئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي كان يعول على التمويل الصيني لتنشيط العمل بالمشروع الذي يواجه أزمات مختلفة.
وكانت وكالة بولمبورغ الأمريكية أكدت في تقرير لها أن المفاوضات بين الحكومة المصرية والشركة الصينية العملاقة، لضخ 20 مليار دولار بمشروع العاصمة الإدارية لإنشاء مدينة صينية متكاملة، توقفت بعد فشل الطرفين التوصل لاتفاق نهائي.
ووفقا للوكالة فإن المفاوضات حول قيام الشركة الصينية، بتطوير 15 ألف فدانٍ بالعاصمة الإدارية، قد بدأت منذ عامين، وشهدت تقدما في آذار/ مارس الماضي، إلا أنها توقفت بعد الخلاف على مدة الامتياز الذي طلبته الشركة الصينية بأن يكون 35 عاما، مع منح الحكومة المصرية 33% من الأرباح، وهو ما رفضته شركة العاصمة الإدارية، التي أصرت على 40% من العوائد، بالإضافة لتقليل سنوات الامتياز الممنوح للشركة الصينية لـ 25 عاما.
وتوقعت الوكالة المختصة بالاقتصاد أن يكون لقرار الشركة الصينية تأثيرات سلبية على فرص الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمصر، والتي تعاني منذ عدة سنوات من عزوف وهروب للاستثمارات الاجنبية.
ضربة موجعة
من جانبه يؤكد الباحث الاقتصادي وليد مسعود لـ "عربي 21" أن قرار الشركة الصينية يمثل ضربة موجعة لخطط وطموحات السيسي في الترويج للعاصمة الإدارية، محليا وعالميا.
ويضيف: "القرار الصيني كشف أيضا خداع النظام للشعب المصري، عندما أعلن أن مشروع العاصمة الجديدة لم يكلف الدولة أية أموال، في حين أن القرض الصيني لتمويل مشروعات بالعاصمة الإداية كان سيتم بضمان البنك المركزي، وسيكون الطرف الثاني فيه الحكومة ممثلا في وزارة الإسكان.
اقرأ أيضا: هكذا تخدع الحكومة المصريين في تمويل العاصمة الجديدة
ويؤكد مسعود أن مشكلة النظام المصري أنه تعامل في مفاوضاته مع الشركة الصينية، باعتبار أن المشروع أصبح أمرا واقعا، معتمدا على مذكرات التفاهم التي وقعها الجانبان المصري والصيني بأيلول/ سبتمبر الماضي بقيمة 18 مليار دولار، رغم أن هذه المذكرات لا تعني أي إلتزام للأطراف الموقعة عليها، كما حدث بالمؤتمر الاقتصادي الذي استهل به السيسي ولايته الأولي وحصل من خلاله على مذكرات تفاهم بقيمة 200 مليار دولار، لم تر النور حتى الآن.
وحسب مسعود فإن إعلان شركة CFLD الصينية وقف خططها المقدرة بـ 20 مليار دولار، لن يعطل الأعمال الموجودة بالعاصمة الإدارية، ولكنها في الوقت نفسه، تبعث برسالة سلبية لباقي المستثمرين الصينيين والأجانب عن عدم جدية الحكومة المصرية في تقديم ضمانات عن مخاطر الاستثمار بمشروعات لم تلق قبولا لدي الشعب المصري أو العرب والأجانب حتى الآن.
ويضيف الخبير الاقتصادي عاطف أبو العينين لـ "عربي 21" أنه بالرغم من التواجد الصيني القوي في السوق المصرية إلا أن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الصناعة والتجارة المصرية، تشير إلى أن حجم الاستثمارات الصينية المباشرة تقدر بـ 600 مليون دولار حتى بداية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بينما تؤكد التقارير غير الرسمية أن الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة تبلغ 7 مليارات دولار، نتيجة الشراكة التي يجريها المستثمرون الصينييون مع نظرائهم المصريين في أكثر من 567 مصنعا بمصر.
المصالح الصينية
وفيما يتعلق بانسحاب الشركات الصينية من مشروع العاصمة، يؤكد أبو العينين أن مصر تمثل سوقا هامة للصين، ولكن بما يخدم المصالح الصينية التي أصبحت تحتل رقما متقدما في الاستثمار العالمي، وخاصة في القارة الإفريقية التي تعد الصين المستثمر الأول فيها، موضحا أن سوء المناخ الاقتصادي بمصر يدفع الشركات الصينية لعدم المجازفة إلا بعد الحصول على كل الضمانات التي تضمن عدم خسارة استثمارتهم، وفي حال عدم الحصول على ذلك فإنها تتجه لأسواق أخرى أكثر أمنا.
اقرأ أيضا: لماذا سمّى جيش مصر مبنى وزارته الجديد بـ"الاوكتاغون"؟
ويشير أبو العينين إلى أن ملف العاصمة الإدارية بشكل عام لم يعد جاذبا لكثير من المستثمرين، نتيجة سيطرة الجيش على المشروع، ووجود دور شرفي للحكومة المصرية، رغم أنها تعد الضامن الأساسي للاستثمارات الأجنبية والمحلية، وهو ما يترجم تراجع معدلات الاستثمار الأجنبي والمحلي بشكل كبير خلال السنوات التي أعقبت الإنقلاب العسكري في 2013.
ووفقا للخبير الاقتصادي فإن عدم التزام الحكومة المصرية بمواعيد افتتاح العاصمة الإدارية وفقا للجدول المعلن، يمثل رسالة سلبية للمستثمرين، بعدم قدرة الحكومة الوفاء بالتزماتها، خاصة وأن المرحلة الأولي من المشروع تغير موعد الإنتهاء منها أكثر من مرة، ووصلت لعام 2023 طبقا لتصريحات رئيس شركة العاصمة الإدارية، على أن يتم البدء في المراحل الثانية ثم الثالثة بعد ذلك.
ويضيف أبو العينين أن غياب وجود أي رقابة من أي نوع على أعمال العاصمة، لا يمثل مناخا جيدا للمستثمرين، الذين يجدون أنفسهم أمام المؤسسة العسكرية، وهو ما يدفعهم للتردد قبل أن يتقدموا للعمل بالمشروع، كما حدث مع أكثر من مستثمر مصري وعربي وأجنبي.
بعد الإرهاب.. "الهجرة غير الشرعية" ورقة السيسي الجديدة للغرب
كيف انتصر شيخ الأزهر على السيسي في صدامات 2018؟
الكنيسة المصرية في 2018 .. مكاسب وأزمات وحقول ألغام