(يلجأ الرئيس
المصري إلى إسكات الغرب من خلال الزعم بأنه يحارب الإرهاب على الرغم من أن اقتصاد بلاده في حالة انهيار والمجتمع المدني فيها في حالة تشرذم، والعنف آخذ في الانتشار).
كان قرار مصر استضافة أول معرض دولي للسلاح، والذي افتتح في وقت مبكر من هذا الشهر، خطوة محسوبة. كان الحدث، الذي استمر لثلاثة أيام، محاولة من قبل الحكومة لتعرض على العالم الأمن والاستقرار بعد سنوات من الفوضى.
وهذا ما عبر عنه وزير الدفاع المصري اللواء محمد زكي عندما تحدث في خطابه الافتتاحي موجهاً كلامه للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها واصفاً الدفاع بأنه "عمود السلام". ويقال إنه بعد المحاكمات الجماعية وأحكام الإعدام التي صدرت في سبتمبر، مضى الرئيس عبد الفتاح
السيسي يمارس مهامه وكأن كل شيء على ما يرام.
إلا أن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. فالحياة في عهد السيسي حالت إلى جنون عظمة وقمع وعنف شديدين. منذ انقلاب عام 2013، عندما قاد السيسي ائتلافاً للإطاحة بالرئيس محمد مرسي، تحولت مصر إلى سجن مفتوح، حسبما وصفتها منظمة العفو الدولية. ووصلت محاولة استئصال جميع أنواع الاختلاف مستويات لم تشهدها مصر من قبل في العصر الحديث.
يوجد في السجون المصرية الآن ما يزيد عن ستين آلف سجين سياسي، وتم في البلاد فرض حظر شامل على المظاهرات والاحتجاجات دون إذن مسبق من الشرطة. وبات التعذيب والقتل والاختفاء القسري أدوات يومية للدولة، بينما تهدد "الحرب الخفية" في شبه جزيرة سيناء بالدفع بالأزمة الإنسانية هناك إلى مستوى مروع. في هذه الأثناء يتعرض المجتمع المصري إلى السحق، حسبما عبرت عنه داليا فهمي، المختصة في العلوم السياسية.
لا تقل الحكايات التي ترد من مصر رعباً وعاراً عن تفاصيل جرية قتل جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في إسطنبول. في عام 2017، وصفت منظمة هيومان رايتس واتش ما يجري بأنه وباء من التعذيب، يستخدم فيه الضرب والصعقات الكهربائية وفي بعض الأحيان الاغتصاب. خذ على سبيل المثال جوليو ريجيني، الطالب الإيطالي الذي وجد ميتاً في القاهرة بعد أيام من الذكرى الخامسة للثورة التي انطلقت في عام 2011، والذي تعرض للضرب وللحرق والتعذيب على مدى أيام، ثم ألقي بجثته المشوهة في حفرة، ومع ذلك ماتزال السلطات المصرية ترفض القبول بقائمة المتهمين التي قدمها الإيطاليون.
منذ أواخر أكتوبر / تشرين الأول، ألقي القبض على العشرات من نشطاء حقوق الإنسان، بما في ذلك تسعة عشر في يوم واحد في شهر نوفمبر / تشرين الثاني. أما ضحايا التحرش الجنسي، مثل أمال فتحي، فهؤلاء يلقى القبض عليهم ويرمى بهم في السجن لمجرد أنهم تكلموا عما جرى لهم في بلد بات العنف الجنسي فيه مستشرياً.
قليلون هم الذين ينجون من قبضة السيسي، وذلك بفضل نظام قضائي مصري فاسد حتى النخاع، صدرت عنه آلاف الأحكام بالسجن والإعدام منذ أن وصل الجنرال السابق إلى السلطة. كل الألوان السياسية ممثلة الآن داخل سجون مصر المكتظة والقذرة، حيث يحرم المعتقلون في أحيان كثيرة من الرعاية الطبية. في تقرير لها عن ذلك، قالت منظمة الكرامة السويسرية لحقوق الإنسان إنه ما بين عام 2013 وشهر سبتمبر / أيلول من عام 2015، مات داخل السجون المصرية 323 شخصاً. بات من الصعب الآن الحصول على معلومات حديثة من داخل السجون، لكن المؤكد أن الأوضاع فيها تسوء عاماً بعد عام.
حتى بعض الشخصيات البارزة، مثل البرلماني السابق والكاتب مصطفى النجار، لم يعد يسمع عنهم أحد ويفترض كثير من الناس أنه تعرض للإخفاء بالرغم من الإنكار المتواصل من قبل الدولة المصرية، والادعاء بإصرار بأن شيئاً من ذلك لم يحصل. ألقي القبض مؤخراً على وزير العدل السابق أحمد سليمان لانتقاده انتهاكات النظام لحقوق الإنسان وتحيزات النظام القضائي. بالنسبة للسيسي، كل من شارك، بشكل مباشر أو غير مباشر، في انتفاضة عام 2011 فهو عدو للدولة، وليس لديه أدنى مانع في أن يقول للإعلام الأجنبي إن أولئك الذين يقبعون في السجون لأسباب سياسية إنما هم مجرمون.
على الرغم من كل ذلك يلتزم الغرب الصمت. مثله في ذلك مثل قادة الدول العربية الأخرى التي تحكمها أنظمة دكتاتورية متحالفة مع الولايات المتحدة، بات السيسي يدرك كيف يسكت الغرب. فمن خلال الادعاء بأنه إنما يحارب الإرهاب ويجلب الاستقرار للمنطقة فقد وجد لنفسه صديقاً في دونالد ترامب، الذي ما فتئ يُستغل بسبب سذاجته وتقلب مزاجه من قبل أسوأ الزعماء في العالم بما في ذلك فلاديمير بوتين. وطوال هذا الوقت يستمر الاقتصاد في التراجع، ويتفتت المجتمع المدني ويتعرض للانعزال والتهميش، ويتزايد احتمال انتشار العنف في المستقبل.
لم يحصل حتى الآن أن قُدم ضابط شرطة واحد للمحاكمة على ما وقع منذ عام 2011 من أعمال ضرب وقتل. ولم يحاسَب أحد على قتل ما يزيد من ألف شخص في تظاهرات القاهرة عام 2013. تستمر القوى الغربية في الإشاحة بوجهها بعيداً، أو - كما في حالة دونالد ترامب - تشيد بأساليب العنف التي يلجأ إليها السيسي في سبيل تعزيز سلطته بذريعة مكافحة الإرهاب. وحتى إيطاليا، التي أزعجها جداً مقتل ريجيني في عام 2016، قامت بإرسال سفير جديد إلى القاهرة بعد عام واحد سعياً لتطبيع العلاقات بين البلدين.
ولكن يتوجب على الغرب معرفة الأوضاع على حقيقتها في مصر، والتي باتت أسوأ من أي وقت مضى، ولا يرتجى أن تتحسن من تلقاء ذاتها. سوف تستمر الأوضاع في التدهور ما لم يتخذ إجراء بحقها. ومثله مثل قادة الأنظمة الدكتاتورية الأخرى في العالم العربي، سوف يستمر السيسي في عدوانه على حرية النطق وحرية التعبير، وسوف يستمر في تفسير صمت الغرب على أنه إقرار ضمني بأن بإمكانه أن يفعل ما يروق له.
إن المطلوب اليوم هو بذل جهود متضافرة لوضع حد لانتهاكات السيسي السافرة لحقوق الإنسان ولاعتداءاته المستمرة على الديمقراطية واستهدافه خصومه السياسيين بالإسكات. حينها فقط بإمكاننا البدء في إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.
(مترجم خصيصا لـ"عربي21"، صحيفة "إندبندنت" البريطانية)