أكد خبراء اقتصاديون أن إفراج صندوق النقد الدولي عن الشريحة الخامسة من القرض الممنوح لمصر والتي تقدر بـ 2 مليار دولار، لن يتم خلال كانون الثاني/ يناير الجاري، رغم إعلان محافظ البنك المركزي طارق عامر عن هذا الموعد خلال اجتماعه برئيس نظام الإنقلاب عبد الفتاح السيسي قبل أيام.
ويري الخبراء أن هناك أزمة شديدة بين الصندوق والحكومة المصرية، بعد المؤشرات السلبية عن زيادة معدلات التضخم السنوي وتراجع معدلات النمو بالمخالفة لتوقعات الصندوق والمسئوليين المصريين، أثناء المفاوضات التي جرت بينهما قبل عامين حول القرض، وهي المؤشرات التي كشفت في النهاية أن إجراءات الصندوق أثرت سلبا على المواطن المصري الذي أصبحت معاناته المعيشية في زيادة مضطردة منذ تنفيذ البرنامج الإصلاحي للصندوق بمصر.
واستند الخبراء الذين تحدثوا لـ "عربي21" على التقارير الدولية والمحلية الصادرة عن معدلات الفقر بمصر خلال عام 2018، حيث كشف البنك الدولي أن الأرقام التي تقدمها مصر حول نسب الفقر وقياس معدلاته، لا تتوافق مع المعدلات التي وضعها البنك لقياس معدلات الفقر، وفي حال التزام مصر بهذه المعايير فإنها تكون في مقدمة الدول التي تشهد زيادة سريعة في معدلات الإفقار.
وعلى الصعيد المحلي كشف التقرير الأولي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء انضمام 5 ملايين مواطن لقائمة الفقراء ليصل الرقم لـ 30 مليون مواطن بنهاية 2018، بعد أن كان الرقم 25 مليونا بنهاية 2016، ووفقا للخبراء فإن الجهاز لم يعلن حتى كتابة هذه السطور عن نسبة الجوعى أو من يطلق عليها نسبة الفقر المدقع، والتي يمكن ان تقفز برقم الفقراء في مصر لأكثر من 60% من عدد السكان.
من جانبه يؤكد الباحث الاقتصادي المتابع لنشاط صندوق النقد الدولي وليد مسعود لـ "عربي21" أن المكتب التنفيذي للصندوق بات على قناعة بأن الحكومة المصرية لم تلتزم معه بالشفافية، ولم تقدم الأرقام والتقديرات والتوقعات الحقيقة لتأثيرات البرنامج الإصلاحي الذي بدأ قبل عامين لاقتراض مصر 12 مليار دولار على 6 دفعات.
ويضيف مسعود أن هناك دراسات أعدها خبراء بالصندوق عن تفاقم المشكلات الاقتصادية بالنسبة للمواطن المصري الذي وجد نفسه يدفع منفردا تكلفة البرنامج المشترك بين الصندوق والحكومة، وأن المسؤولين بالصندوق شعروا بأن تقديراته حول التأثيرات السلبية للبرنامج على المواطن المصري كانت خاطئة، وأن الآثار السلبية كانت أكثر من المتوقع، وهو ما أرجعه خبراء الصندوق في تقديراتهم لعدم التزام الحكومة المصرية بما تم الإتفاق عليه في بداية عمل البرنامج الإصلاحي.
وحول تقديرات الصندوق لمعدلات الفقر بمصر، يؤكد الخبير الاقتصادي أن هذه المعدلات من عمل البنك الدولي وليس الصندوق، وهي تقديرات تعتمد في الأساس على ما تقدمه مصر من معلومات وأرقام، ومدى التزامها بالمؤشرات التي وضعها البنك لقياس معدلات الفقر، وهو ما خالفته الحكومة المصرية التي اعتمدت على قياس معدلات الفقر طبقا للمعيار القديم المتعلق بنسب الدخل.
ويضيف مسعود أن المعايير التي وضعها البنك حول الفقر حددت الدخل اليومي للفرد بألا يزيد عن 5 دولارات، ووضعت معه نسب التهرب من التعليم، للأطفال والبالغين، ومدى توفر خدمات البنية الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي، بالإضافة للمنشآت الصحية والخدمات التي يحصل عليها المواطن، وأخيرا تراجع معدلات الجريمة بما يساعد على شعور المواطنين بالآمان.
ويتفق الخبير الاقتصادي طارق أبو الفتوح، مع الرأي السابق، موضحا أن الصندوق يمارس ضغوطا على الحكومة المصرية لتعديل الخطوات التي قامت بالتلاعب فيها، وأثرت بالسلب على المواطن المصري.
ويضيف أبو الفتوح لـ "عربي21" أن الصندوق ليس حريصا على المصريين، ولكنه في النهاية لا يريد أن تفشل التجربة المصرية مع الصندوق لما لها من آثار سيئة على باقي مشروعاته الأخرى، ولذلك فإنه يستخدم ورقة شهادة الثقة التي يمنحها للحكومة المصرية، في دفعها لتنفيذ مطالبه المتعلقة بأمرين أساسيين الأول هو تحرير سعر الوقود، والثاني هو إلغاء الدعم الذي تقدمه الحكومة المصرية للمستثمرين فيما يتعلق بالغاز الطبيعي.
ويؤكد أبو الفتوح أن زيادة أعداد الفقراء بمصر طبقا للتقارير الرسمية بمعدل مليوني ونصف المليون سنويا، مؤشرا خطيرا، ويضع مصر بمقدمة قائمة الدول من حيث معدلات الإفقار ، وهو ما يعني فشل خطط الإصلاح الإقتصادي التي تتحدث عنها الحكومة المصرية، بما ينذر بكارثة حقيقية على الأجلين المتوسط والطويل، بعد أن فشلت المسكنات الاقتصادية في فرملة الارتفاع الجنوني للأسعار.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن أزمة مصر ليست مع صندوق النقد فقط، وإنما مع زيادة الاقتراض بشكل جنوني، ما جعل الجهات الدائنة تحصل على 10% من الناتج القومي دون عناء، بالإضافة لـ 15 % يحصل عليها الموردون الأجانب للسلع التي يتم استيرادها، أي أن ربع دخل المصريين يذهب للأجانب، وهو ما يقضي على أي خطط للتنمية والنهضة الاقتصادية.
ما حقيقة الخلاف بين مصر والإمارات حول عاصمة السيسي؟
مرصد مغربي للتنمية البشرية: الفقر والهشاشة تراجعا بالمملكة
ما هي خيارات السيسي لمواجهة ضغط صندوق النقد لإلغاء الدعم؟