شكك سياسيون واقتصاديون في جدوى مبادرة "نور حياة" التي أعلن رئيس الإنقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي تبنيها مع صندوق "تحيا مصر".
وحسب الخبراء فإن الغموض الذي يحيط بـ "تحيا مصر"، يجعل كل المشروعات التي يطلقها السيسي من خلاله محل شك، خاصة وأن الصندوق الذي يُتم عامه الرابع لا يخضع لأية رقابة من الأجهزة المعنية، سواء الجهاز المركزي للمحاسبات أو هيئة الرقابة الإدارية.
وحسب المتحدث باسم السيسي بسام راضي، فإن المبادرة التي يطلقها السيسي باسم "نور حياة" تهدف لمكافحة أمراض ضعف وفقدان الإبصار التي سينفذها صندوق تحيا مصر في جميع المحافظات المصرية.
من جانبه يؤكد الخبير السياسي سالم الجريدي لـ "عربي21" أن السيسي أطلق خلال فترتي رئاسته العديد من المبادرات التي لم تجد لها موضع قدم على أرض الواقع، وحتى مبادرة "100 مليون صحة"، تبين أنها قرض بتمويل من البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، وليس من الموازنة المصرية كما صرحت الحكومة المصرية في البداية.
شكوك وغموض
وحسب الجريدي، فإن فكرة إطلاق المبادرات تعكس فشل حكومات السيسي، باعتبار أن الحكومة من شأنها تمويل المشروعات وتقديم الخدمات لمواطنيها، مقابل ما يتم تحصيله من ضرائب، ولأن الحكومة لا تقم بواجبها، فإن السيسي يلجأ لمثل هذه المبادرات.
ويضيف الجريدي أن المشكلة الثانية المتعلقة بهذه المبادرات هو جهات تنفيذها، ولأنها مبادرات اجتماعية، فإن المجتمع المدني كان من المفترض أن يقوم بالدور الفاعل في تنفيذها، ولكن لأن السيسي دمر المجتمع المدني سواء بالسيطرة على النقابات المهنية، أو الجمعيات الخيرية، فلم يعد هناك جهة لتنفيذ مبادراته إلا من خلال الصناديق التي ينشئها.
ويضيف الخبير السياسي أن صندوق تحيا مصر، يمثل حالة غريبة في الهيئات المُمَوَلَة بمصر، فهو صندوق تم إنشاؤه بقانون رسمي، بما يعني أنه صندوق يخضع لموازنة ورقابة الدولة، ولكنه في الواقع لا يخضع لأي سلطة رقابية بعد التعديلات التي أدخلها السيسي على القانون في تموز/ يوليو 2015، باستبدال صندوق دعم مصر بصندوق تحيا مصر، ومنحه الشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري.
اقرأ أيضا: ماذا وراء مهلة السيسي لإصلاح شركات القطاع العام في 3 أشهر؟
ويؤكد الجريدي أن السيسي منح نفسه في هذا التعديل، صلاحيات كاملة بالإشراف على أموال الصندوق رغم وجود مجلس أمناء برئاسة رئيس الوزراء، أما الأهم من ذلك فقد ألغى رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات على أعمال الصندوق، بعد محاولات رئيس الجهاز السابق المستشار هشام جنينة معرفة طرق صرف أموال الصندوق باعتباره مؤسسة رسمية.
رشاو مقننة
من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي سمير أبو الخير لـ "عربي21" أن صندوق تحيا مصر، يتم معاملته باعتباره صندوقا سياديا، لا يجب أن يخضع لأية رقابة، وحتى أعمال المحاسبة المالية الخاصة به، تم إسنادها للإدارة المالية للقوات المسلحة، كما تم إسناد منصب المدير التنفيذي الحالي للصندوق لأحد قيادات الجيش، ما جعل أموال الصندوق والتبرعات والنفقات التي ينفقها، بعيدة عن أية محاسبة، وهو ما يخالف النظام المحاسبي المعمول للدولة المصرية.
ويضيف أبو الخير أن جزءا من الأموال والممتلكات التي تم الاستيلاء عليها من قيادات الإخوان المسلمين والقوى المعارضة للسيسي، تم إسناد الإشراف عليها وإدارتها لجمعية "مصر الخير" التي يرأسها مفتي الديار السابق علي جمعة، مثل المدارس التي تم التحفظ عليها، والمستشفيات التابعة للجمعية الطبية الإسلامية.
ويشير الخبير الاقتصادي أن هناك دعوات متصاعدة داخل البرلمان المصري ووسائل الإعلام التابعة للسيسي، بأن يتم إسناد الشركات والمؤسسات والأموال التي تم مصادرتها مؤخرا، لإشراف صندوق تحيا مصر، وفي حال تم إقرار ذلك فإن السيسي يتخذ من الصندوق بوابة خلفية للسيطرة على أموال الإخوان المصادرة، التي طبقا للقانون تخضع لإشراف خزانة الدولة.
وفيما يتعلق بأموال الصندوق التي حصل عليها من خلال التبرعات، يؤكد أبو الخير أن هناك عدة أرقام حول هذه التبرعات، حيث صرح المدير التنفيذي السابق للصندوق، قبل إقالته مباشرة في آيار/ مايو 2015، بأنها بلغت 10 مليارات جنيه، ليعلن السيسي بعدها أن أموال الصندوق بلغت 7 مليارات جنيه، إلا أن وزيرة الاستثمار سحر نصر أعلنت بعده بيومين فقط أن أموال الصندوق تبلغ 7.4 مليارات جنيه.
ويرى أبو الخير أن هذا التضارب في الأرقام يثير الشكوك حول ما تم الحصول عليه من تبرعات، وكذلك ما تم إنفاقه من أموال على المشروعات التي يتبناها الصندوق، برعاية السيسي، والتي لا تتجاوز طبقا للأرقام المعلنة 2 مليار جنيه، ما يدفع التساؤلات عن مصير باقي التبرعات ولماذا لم يتم استخدامها في المشروعات التي تتبع الصندوق حتى الآن.
اقرأ أيضا: على غرار "تحيا مصر".. صندوق سيادي غامض جديد يقره البرلمان
ويوضح أبو الخير أن السيسي يحاول علاج فشل الخطط المجتمعية والاقتصادية لحكومته بالتوسع في اقتصاد التبرعات، التي يعتمد فيها على إجبار المواطنين على دعم الحكومة من خلال ضرائب غير مباشرة، بعد أن أصبح التبرع لصندوق تحيا مصر بمثابة الرشوة المقننة، التي يقدمها رجال الأعمال والسياسيين للحصول على رضا ودعم نظام السيسي.
لهذه الأسباب يخشى السيسي من إذاعة حواره مع CBS (شاهد)
كيف فضح "صنبور" العصار وفاة الصناعات الحربية في مصر؟
ما حقيقة صفقة قادة اليسار المصري مع النظام؟