- أبو ظبي أنفقت عشرات المليارات من الدولارات لدعم الثورات المضادة في 5 دول عربية
- الإمارات قدمت مساعدات لمصر في 3 أعوام ثلاثة أضعاف ما قدمته لها خلال42 عاما
- ظهور مشاريع منافسة لـ "جبل علي" أثر سلبا على إيرادات أكبر ميناء من صنع الإنسان
- مؤشر بورصة دبي كان الأسوأ أداء في الشرق الأوسط خلال عام 2018.. والأسواق تتراجع
- دبي احتلت ثاني أسوأ المراكز بين الأسواق العقارية عالميا في عام 2017.. ونصف الأبراج خاوية
- قطاع الخدمات الإماراتي أصيب بعدة ضربات موجعة ستزداد سوءا خلال العامين 2019 و2020
روجت دولة الإمارات على مدار سنوات طويلة، خاصة قبل ثورات الربيع العربي، إلى أنها عاصمة الاقتصاد الإسلامي، ونجحت تلك الدعاية في جذب شريحة كبيرة من مستثمرين ورجال أعمال مسلمين من عدة دول عربية وإسلامية، ساهمت بشكل كبير في تأسيس نهضة الإمارات ودعم اقتصادها.
لكن هذه الدعاية "الزائفة"، بحسب خبراء اقتصاد ومستشارين في مجال التطوير المؤسسي تحدثوا لـ "عربي21"، سقطت في وحل التدخل الإماراتي الواسع والعلني لدعم الثورات المضادة ماليا ولوجوستيا، وكذلك العمليات المشبوهة التي قادتها أبو ظبي لتخريب اقتصاديات بعض الدول التي ساندت ثورات الربيع العربي، والانقلاب على أنظمة الحكم بها.
وكان من أثر السياسيات العدائية التي انتهجتها أبو ظبي ضد ثورات الربيع العربي، امتناع العرب عن الذهاب للاستثمار في الإمارات، والتعجيل بغلق أنشطتهم داخل البلاد، وهو ما أدى إلى تراجع أسعار العقارات، وتراجع النشاط الاستثماري في البورصة، وفي القطاع المالي والمصرفي.
وبعد بداية ما يسمى بالحرب على الإرهاب داخل المنطقة العربية، وبعض القلاقل التي تعرضت لها المنطقة، شددت الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الاتحاد الأوروبي على مصادر الأموال وحركة تنقلاتها خاصة فيما يتعلق بتجارة السلاح، وهو ما أصاب الاقتصاد الإماراتي بجزء كبير من الركود نتيجة لاعتماده بشكل كبير على إيرادات تلك العمليات المشبوهه، بحسب الخبراء.
ومن أعراض هذا الركود التراجع الكبير في البورصة الإماراتية خلال عام 2018، والذي مثل التراجع الأسوأ في تاريخ سوق المال الإماراتي، العالم العربي، وكذلك إعلان وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، منذ أيام، تأجيل تشغيل المفاعل الأول في محطة "براكة" للطاقة النووية السلمية، الذي كان مخططا افتتاحه في 2017 ثم تم تأجيله لـ 2019.
مؤشرات مقلقة
وقالت مجلة إيكونوميست البريطانية، إن الأرقام والإحصائيات الاقتصادية "الوردية" التي تعلنها الإمارات تخفي بداخلها مؤشرات مقلقة، مشيرة إلى أن مؤشر بورصة دبي كان الأسوأ أداء في الشرق الأوسط خلال عام 2018.
وأضافت: "الثقة في السوق الإماراتي اهتزت جراء انهيار مجموعة "أبراج" في الآونة الأخيرة، وهي أكبر شركة في سوق دبي المالي العالمي، فضلا عن التراجع الملحوظ في تراخيص الشركات الجديدة، وانكماش حركة التوظيف.
وأوضحت المجلة البريطانية أن بعض مدارس الأجانب في الإمارة أغلقت أبوابها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأجانب يشكلون أكثر من 90% من سكان دبي.
وأعلنت شركة مطارات دبي المشغلة للمطار الدولي للإمارة، الأحد، أن عدد المسافرين عبر المطار انخفض 0.8% على أساس سنوي إلى نحو 6.9 ملايين مسافر في نوفمبر الماضي.
وتقول شركات نقل الأثاث، وفقا لـ إيكونوميست، إن أعداد الأجانب الذين غادروا الإمارات تفوق أعداد القادمين، كما تشكو مكاتب الوساطة العقارية من شغور الشقق، في الوقت الذي تبني فيه الشركات العقارية المزيد من تلك الشقق.
ومع تراجع أسعار الإيجارات احتلت دبي ثاني أسوأ المراكز بين الأسواق العقارية عالميا في 2017، وهبطت أسهم "إعمار العقارية" أكبر شركة تطوير عقاري في دبي بنسبة 38% في عام واحد.
وتساءلت قناة "فيجوال بوليتكس" المتخصصة بالاقتصاد على موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب"، في تحليل قدمه سايمون ويسلر،هل بدأ نجم دبي بالأفول؟
وقال ويسلر إن المؤشرات الاقتصادية في دبي انخفضت بشكل كبير، وأن البنايات الكبيرة والأبراج لا تجد من يشغلها، والزبائن ليسوا كالسابق، مؤكدا أن نصف هذه البنايات "فارغة"، وبعض الشركات أضحت مدينة، خصوصا تلك التي تعمل في مجال المدن الترفيهية".
ضربات اقتصادية
وبحسب ما رصدته "عربي21"، سعت الإمارات، على مدار سنوات عديدة، لتنويع مصادر دخلها بخلاف إيرادات النفط، وحاولت أن تخطو مجموعة من الخطوات تجاه الحفاظ على مكاسب استراتيجية لقطاع الخدمات واللوجستيات في جبل علي وغيره. إلا أن ظهور منافسين لها في هذا القطاع مؤخرا دفع الإمارات لضرب تلك المشاريع المنافسة من المنبع بطرق غير مشروعة ومنها إحداث اضطرابات سياسية في بعض الدول مثل مصر وغيرها للحفاظ على مكاسب جبل علي.
وشكل الإعلان عن مشاريع منافسة كمحور تنمية قناة السويس في مصر، وتطوير ميناء غوادر الباكستاني المطل على خليج عُمان، تهديدا مباشرا وضربة قوية لمصالح الإمارت التي تمتلك ميناء "جبل علي" أحد أكبر الموانئ العالمية، والذي يمثل أحد أبرز المصادر الرئيسية لإيرادات الاقتصاد الإماراتي بعد النفط، كونه يمثل موطنا لأكثر من 5000 شركة من 120 دولة.
وتطوير ميناء غوادر يأتي ضمن "مشروع حزام واحد وطريق واحد" الذي أعلنت عنه الصين في عام 2013، ويعد الميناء موقعا إستراتيجيا يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط، ورصدت بكين نحو 4.5 مليار دولار للبدء في تطوير المشروع، الذي تقدر إجمالي تكلفته الاستثمارية بنحو 150 مليار دولار، وهو ما اعتبره السفير الإماراتي لدى الهند، أحمد البنا، تهديدا لمصالح دولته.
كما أن "مشروع البحر الأحمر السياحي"، الذي أعلنت عنه السعودية ويستهدف تحويل 50 جزيرة في البحر الأحمر إلى منتجعات سياحية فاخرة، سوف يخصم أيضا من رصيد الإيرادات السياحية للإمارات، ويسحب من امتيازات دبي السياحية، بعد نحو عشر سنوات من الآن.
وفي سياق الضربات التي تلقاها الاقتصاد الإماراتي، مؤخرا، تشديد التدقيق الأمريكي والأوروبي على حركة تنقل الأموال بالمنطقة العربية، للحد من عمليات غسيل الأموال التي كانت تعتمد عليها أبو ظبي بشكل كبير في دعم القطاع المالي بالبلاد.
وقال تقرير نشره مركز دراسات الدفاع المتقدمة في واشنطن، إن سوق العقارات في دبي الذي شهد بناء أعلى مبنى في العالم وعجائب معمارية أخرى، منذ 2002 وحتى الآن، يعد ملاذا آمنا لغسيل أموال المستفيدين من الحروب وممولي الإرهاب ومهربي المخدرات الذين فرضت عليهم عقوبات أمريكية في السنوات الأخيرة.
وأكد التقرير أن دبي كانت دائما وجهة مفضلة للالتفاف على القانون، لافتا إلى أن دبي كانت مركزا رئيسيا لصفقات تهريب الذهب وتجارة السلاح والمخدرات وغيرها من البضائع غير المشروعة.
"التمويل الأسود"
ومع تزايد عبء الإنفاق الإماراتي على عمليات مشبوهة خارج حدودها، أو ما يسميه بعض خبراء الاقتصاد بـ"التمويل الأسود" (كونه غير خاضع للرقابة، ولا يعرف أحد الحجم الحقيقي لهذا التمويل )، وكذلك مع تعرض بعض القطاعات التي تشكل الروافد الأساسية لإيرادات الإمارة الخليجية، كقطاعات الخدمات والنفط وكذلك العقارات، توقع اقتصاديون في حديثهم لـ "عربي21" أن يتعرض الاقتصاد الإماراتي لزلزال مالي عنيف خلال العامين القادمين.
وعلى مدار العقد الأخير، أنفقت الإمارات عشرات المليارات من الدولارات إما لتحسين الصورة الذهنية لكف يد الغرب عامة وأمريكا بصفه خاصة عنهم، أو للتدخل المباشر لإحداث اضطرابات سياسية في بعض البلدان العربية والإسلامية بل والاستيلاء على أراضي ومناطق حيوية واسترتتيجية بتلك البلدان، وفقا لما رصدته "عربي21".. وذلك على النحو التالي:
دعم الانقلاب في مصر
ففي مصر، ساهمت الإمارات بشكل كبير في دعم الثورة المضادة ضد ثورة 25 يناير 2011، وتحدثت تقارير مصرية غير رسمية عن قيام الإمارات بدعم حملة "تمرد" والتي انتهت في 3 يوليو 2013 بالانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب محمد مرسي، الذي أعلن عن مشروع تنمية محور قناة السويس، والذي كان يستهدف تحويل منطقة القناة إلى مركز عالمي في الخدمات اللوجستية والصناعية.
وخلال عام 2013 فقط، قدمت الإمارات لمصر مساعدات ومنح بلغت 16.99 مليار درهم إماراتي (أكثر من 4 مليارات دولار)، تمثل 78.57 بالمئة، بحسب تصريحات لوزيرة التنمية والتعاون الدولي بالإمارات، لبنى بنت خالد القاسمي، التي أشارت إلى أن حجم المساعدات الإماراتية لمصر منذ عام 1971 وحتى عام 2013 بلغ نحو 35.5 مليار درهم إماراتي( 9.7 مليار دولار).
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، أعلن نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، أن الإمارات قدمت 14 مليار دولار لمصر منذ يوليو 2013 وحتى مارس 2015. هذا إلى جانب المساعدات النفطية المستمرة التي قدمتها الإمارات لمصر لتخطي أزمة نقص الوقود.
وفي إبريل/ نيسان 2016، قدمت الإمارات لمصر مبلغ 4 مليارات دولار؛ ملياران منها توجه للاستثمار في عدد من المجالات التنموية في مصر وملياران وديعة في البنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي النقدي المصري.
ووفقا لحسابات "عربي21"، فإن المساعدات المالية والنفطية الإماراتية لمصر، في ثلاثة أعوام فقط (التي تلت الانقلاب العسكري ) بلغت نحو ثلاثة أضعاف المساعدات التي قدمتها أبو ظبي للقاهرة على مدار 42 عاما.
وقدر خبراء اقتصاد حجم المساعدات الإماراتية لمصر منذ 2013 وحتى 2018 بنحو 66 مليار درهم (نحو 18 مليار دولار / 133 مليار جنيه).
محاولة إفشال الثورة بتونس
وكشف الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، في حوار مع إذاعة "ديوان إف إم" عن أموال ضختها الإمارات لإفشال الثورة في تونس، كما حدث أن أفشلت ثورة مصر، داعيا الشعب التونسي إلى اليقظة لحماية المسار الديمقراطي.
وقال "المرزوقي"، في تصريحات صحفية وتليفزيونية متفرقة، إن الثورات المضادة بالوطن العربي المناهضة لحرية الشعوب تم التخطيط والتدبير لها في (إسرائيل) ومولتها الإمارات.
وأشار إلى أن "الثورات المضادة التي قامت بعقل وتفكير إسرائيلي ومال إماراتي وتنفيذ محلي، كان لديها غرفة عمليات موازية لغرف عمليات الثورات، وحرفت الثورات عبر المال والإعلام الفاسد، الذي نفذ أجندة الثورات المضادة".
وقال الكاتب محمد هنيد في مقال لـ "عربي21"، إن الإمارات قامت بتنسيق خطة محكمة للقضاء على ثورة تونس ومنعها من بلوغ الأهداف التي انطلقت من أجلها، مؤكدا أن أبو ظبي استقطبت رؤوس الدولة الأمنية التونسية الهاربة من الجماهير الهادرة خلال الفترة التي تلت هروب الجنرال وموّلت بعد ذلك شبكات كثيفة من الإعلاميين والسياسيين والأمنيين من أجل توجيه المشهد التونسي والتحكم في مساره انتقالي.
وأضاف هنيد: "لم يكتف الهجوم الإماراتي على تونس بتوجيه المنظمات والجمعيات والأحزاب والمنصات الإعلامية فقط بل تأسس هذا الهجوم أيضا على ضرب كل خطوط الإمداد التي مكنت الثورة التونسية من تجاوز أكثر الفترات خطرا خاصة خلال صيف 2013 وما عرف باعتصام باردو الذي مولته قوى الثورة المضادة وعلى رأسهم دولة الإمارات".
صناعة جيش في ليبيا بقيادة حفتر
أنفقت أبو ظبي أموالا كثيرة في ليبيا لصناعة جيش بقيادة اللواء خليفة حفتر، الذي يخوض صراعا مع الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة.
وكشفت تقارير إعلامية أن قوات حفتر تلقت من الإمارات 93 حاملة جند مدرعة و549 عربة مدرعة وغير مدرعة في أبريل (نيسان) 2016، وكذلك حاملات جنود من الطراز (بانثر تي6) و(تيجرا)، كما وصلت في يناير (كانون الثاني) وأبريل 2017 شحنات كبيرة من شاحنات (تويوتا) الخفيفة ومركبات مدرعة رباعية الدفع على متن سفينة مرت بميناء بورسعيد.
وكشفت مجلة "تايم" الأمريكية أن: "أبو ظبي نشرت ست طائرات على الأقل، ظهرت على صور فضائية في قاعدة عسكرية، يسيطر عليها حفتر".
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن الدعم العسكري لحفتر، واستمرار تدفق السلاح من شأنه إطالة أمد الحرب، وإبقاء ليبيا فريسة لحالة الفوضى والانقسام بين ثلاث حكومات منافسة".
وفي سبتمبر (أيلول) 2017، زار حفتر تونس، عبر طائرة إماراتية خاصة من طراز (فالكون 900)، واصطحب معه فريقا مدججا بالأسلحة، يحمل نحو 30 بندقية ذاتية التعبئة، وبندقيتي رماية دقيقتين، وقاذفتين للقنابل اليدوية، وأكثر من 30 مسدسا من عيار 9 ملم، وكذلك منظومة واحدة مضادة للأجهزة المتفجرة يدوية الصنع.
تشكيل وتمويل قوات عسكرية باليمن
منذ العام 2015، انخرطت الإمارات في حرب اليمن، ضمن "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية، وقامت بتشكيل وتمويل قوات موالية لها للقيام بأعمال عسكرية داخل الأراضي اليمنية والاستيلاء على الموانئ الاستراتيجية وبعض المناطق خاصة الحدودية والقريبة من البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وبحسب إحصاءات لمركز الإمارات للدراسات والإعلام (ايماسك )، فإن الامارات تنفق على الحرب في اليمن 3.1 مليار دولار شهريا، ما يعني أنها تنفق ما يزيد عن 36 مليار دولار سنويا في اليمن فقط. عدا عن نفقات مالية أخرى لتحسين السمعة عبر شركات دولية متخصصة، وأخرى مرافقة للحرب.
تعزيز الانفصال في الصومال
وفي نيسان/ إبريل الماضي، نشرت مجلة إيكنوميست البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن نشاطات الإمارات في جمهورية أرض الصومال، أو "صومالي لاند"، مستنكرة إنفاقها ملايين الدولارات لبناء ميناء جديد وقاعدة عسكرية بالولاية الصومالية الانفصالية الغير معترف بها دوليا.
وقال التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن ميناء بربرة، الذي يكلف 450 مليون دولار، يعد أكبر استثمار في "صومالي لاند"، منذ أن أعلنت استقلالها عن بقية الصومال عام 1991، لافتة إلى أن الميناء في الوقت الحالي صغير، إلا أنه على مدار عقد من الزمان، قد يتحول إلى أكبر ميناء في القرن الإفريقي.
ويعتمد الوجود الإماراتي في القرن الأفريقي على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة، كما في حالتي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية؛ كما في "بربرة" شمال غربي الصومال.
هل يتعرض بالفعل الاقتصاد الإماراتي لمشكلة حقيقية؟
والسؤال الأبرز الذي يطرح نفسه بقوة خلال هذه الأيام: هل يتعرض بالفعل الاقتصاد الإماراتي لمشكلة حقيقية؟ وهل تعاني الإمارات من عجز حقيقي.. أم أنها أزمة سيولة عابرة كما يحدث في الكثير من الاقتصاديات الأخرى؟
وزير الطاقة والصناعة الإماراتي سهيل المزروعي، أجاب على هذا السؤال خلال منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي في أبوظبي قائلا: "بالتأكيد هناك مشكلة سيولة قادمة في المستقبل، فنحن الآن في بداية هذه الأزمة المالية التي قد تحدث خلال عامين إن لم نخطط من الآن لمعالجتها وتجنبها".
ومن ناحيته، أكد أستاذ الاقتصاد بأكاديمية العلاقات الدولية في إسطنبول أحمد ذكر الله، في حديث خاص لـ "عربي21"، أن هناك مشكلة حقيقية في الاقتصاد الإماراتي خاصة ومجمل الاقتصاديات الخليجية عامة.
وأضاف: "ظهرت هذه المشكلة بحدة بعد انهيار أسعار النفط عام 2014 التي أثرت سلبيا على الإيرادات الأساسية لهذه الدول ومن بينها الإمارات، والتي تعتمد اعتمادا ريعيا كبيرا على ما تحصله من الإيرادات النفطية".
وأوضح ذكر الله، أن "الإمارات كانت الأقل تضررا خلال فترة انهيار أسعار النفط، نتيجة أنها حاولت منذ فترة ليست بالقصيرة تنويع شكل الإيرادات العامة التي ترد إليها بخلاف إيرادات النفط. لكن كمجمل الدول العربية التي تحاول الخروج من شرنقة الاعتماد على النفط إلى أفق اقتصادي أوسع، اعتمدت الإمارات على ما يسمى بقطاع الخدمات ( خاصة التحويلات المصرفية، والخدمات اللوجستية للسفن، وغير ذلك من الأمور )".
وتابع: "للأسف خلال الفترة الماضية أصيب قطاع الخدمات في الإمارات بمجموعة من الضربات أدت مع الموجة الجديدة لانخفاض أسعار النفط لأزمة كبرى ضربت الاقتصاد الإماراتي في الوقت الحالي، وسيظهر أثرها جليا خلال العامين 2019 و2020".
وأشار إلى أن "أهم الأزمات التي تعرض لها قطاع الخدمات في الإمارات خلال الفترة الماضية، كانت في القطاع المالي، حيث كانت الإمارات تعتمد بصورة كبيرة جدا على الأموال المستثمرة لديها، والتي كانت إلى حد كبير تعتمد على غسيل الأموال الغير مشروعة داخل البلاد ( المحصلة من تجارة السلاح، والمخدرات، والدعارة وخلافه )، والتي لم تدقق الإمارات جيدا في مصادر هذه الأموال، وكانت تركز على ما يأت إليها فقط".
وأردف: "القطاع العقاري في الإمارات هو الآخر يعاني بشدة ما أدى إلى ركود ضخم في هذا القطاع وتراجع مستمر في أسعار العقارات بنسبة تراوحت بين 25 و 40 بالمئة"، قائلا إن "وقوف الإمارات مع الثورات المضادرة ضد ثورات الربيع العربي أدى إلى اتخاذ رجال أعمال كثر من الذين ينتمون إلى التيارات الإسلامية ومن غيرهم مواقف مضادة من الاستثمار في الإمارات، وبالتالي توقف تمويل كبير من الذي كان يأتي إلى الإمارات عبر هذه الدول المختلفة".
وأوضح ذكر الله، أن عدم الشفافية وعدم الوضوح والتدخل الأمني في الكثير من القرارات الاقتصادية وغيرها، أثار مخاوف المستثمرين الأجانب، وهو ما أثر بشدة على القطاع المالي والقطاع العقاري، مستطردا: " إضافة إلى أن الموجة الجديدة من تراجع أسعار النفط التي حدثت في الربع الأخير من 2018 والمتوقع استمرارها لما بعد منتصف 2019، وضع الاقتصاد الإماراتي في أزمة أخرى بعد التحسن الذي حدث لمدة أشهر معدودة في أسعار النفط".
عجز متوقع
وبناء على ماسبق يمكن القول أن الاقتصاد الإماراتي يعاني من أزمة ليست شكلية وإنما أزمة هيكلية، لأنه اقتصاد ريعي "نفطي" في الأساس، ويعتمد في جزء منه على الخدمات، وهذين القطاعين يرتبطان إلى حد كبير بظروف وأحوال العالم الخارجي والعوامل الاقتصادية الدولية، إلى جانب أن الإمارات لم تستطع أن تتحول إلى اقتصاد صناعي لظروف الوضع الجغرافي والمكانة السياسية، بحسب ذكر الله.
وتوقع أستاذ الاقتصاد أن تستمر الأزمة المالية في الإمارات مستمرة، وأن تزداد سوءا خلال الفترة القادمة، قائلا: "هذا ما لا نتمناه لأي دولة عربية على الإطلاق، ولكن ستضطر الإمارات إلى إصدار سندات دولارية والاستدانة من الخارج لسد العجز المحتمل الناتج عن استمرار هذه الأزمة".
وقال ذكر الله: "الاقتصاد الإماراتي ليس اقتصادا قويا، ولا يصنف من الاقتصاديات المتقدمة، ولا حتى من الاقتصاديات الناشئة، وهو يعد من الاقتصاديات النامية"، مضيفا: "صحيح أنها تمتلك ثروة كبيرة وصناديق سيادية بمئات المليارات من الدولارات، لكن الثروة والدخل شيء والتصنيف الاقتصادي شيء آخر".
وتابع: "التدخل الإماراتي أسقط من ذاكرة الشعوب العربية عامة وشعوب دول الربيع العربي خاصة النظرية الموروثة بأن الشيخ زايد كان له فضل على هذه الدول وأنه كان دائما صاحب أيادي بيضاء، وأصبح الولاء القلبي للإمارات ضعيف للغاية، هذا الولاء القلبي كان يترتب عليه ولاء اقتصادي بمعنى أن الإمارات كانت طوال حقبة العشر سنوات الماضية كانت الأقرب إلى المستثمرين العرب من كل الدول، حتى الصومال لديها الآن مشكلة مع الإمارات".
"عبد المأمور"
وحول أسباب الأزمة المالية في الإمارات من منظور مؤسسي، اعتبر استشاري التطوير المؤسسي، أحمد صقر، أن أحد أهم أسباب التراجع الذي تعاني منه الإمارات حاليا يعود إلى إهمالها لإدارة المخاطر.
وقال في تصريحات خاصة لـ "عربي21": "جزء كبير من المشاريع الإماراتية تلهث حول الربح السريع دون النظر إلى المخاطر المستقبلية المتعلقة بالفقاعات الوهمية التي تنفجر بعد وقت ليس بالبعيد، وتتعرض تلك المشاريع لأزمات كبيرة، وهو ما حدث مؤخرا على سبيل المثال في القطاع العقاري".
وحول مدى قدرة المراكز البحثية العربية والأجنبية التي تنفق عليها الإمارات أموالا طائلة في التنبوء بتلك الأزمات أو طرح حلول لتجنبها، قال صقر: "معظم العاملين بهذه المراكز البحثية ليسوا أمناء بحثيا أومهنيا، فهم يكتبون الأبحاث وفقا لهوى وتوجهات صاحب القرار (الريس )، وليس بما يقتنع به الباحث كفني وفقا للتقديرات والمؤشرات الحقيقية للواقع، وهو ما يجعل الاستفادة من هذه المراكز ضعيفة".
وأكد صقر أن "معظم القرارات التي تتخذها الإمارات سواء كانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية تفرض عليها فرضا على شاكلة نظرية "عبد المأمور"، وليس وفقا لتقديرات موقف حقيقية أو دراسات جدوى واقعية"، مستطردا: "يقوم الآمر في هذه الحالة بتمرير ما يريد اتخاذه من قرارات إما بالإقناع الوهمي، أو بخلق فزاعات، كالإرهاب، وحماس، والإخوان، ومحور الشر.. وخلافه".