لم يعد خافيا، أن الدول الغربية شريكة لأنظمة
الاستبداد العربية في مسلسل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ومنذ اندلاع شرارة ما عُرف بالربيع العربي، أصبحت الصورة واضحة أمام شعوب المنطقة العربية، وتبين بالملموس أن الغرب لا يتحرك إلا لتأمين مصالحه الاستراتيجية، والدفاع عن مناطق نفوذه وهيمنته على مصادر الطاقة. أما القيم الإنسانية التي كان يرفع شعار الدفاع عنها في العالم، فقد أثبتت التجارب والأحداث، أنها لا تعنيه في شيء، وأن بقاء أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية، مرتهن بإرادة الدول الغربية الكبرى.
وإذا كانت هذه الحقيقة معروفة، فإن ما لا يعرفه الكثير، هو أن الأنظمة العربية المستبدة، بسبب هذه الرعاية الغربية، لم تعد تلتفت إلى ما تصدره المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية والأممية من تقارير وتحقيقات عن الأوضاع الحقوقية والإنسانية الكارثية في بلدانها، وهذا ما جعلها تتمادى في خروقاتها وانتهاكاتها الجسيمة لحريات وحقوق الشعوب، لأنها تعلم أن الدول الغربية لن تتدخل لوقف هذه الانتهاكات أو تحاسبها أو حتى تندد بها.
كلنا يتابع ما يقع في
مصر من جرائم همجية باسم القانون على يد العسكر، بقيادة قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، الذي استولى على الحكم بانقلاب عسكري على رئيسه المنتخب محمد مرسي، وما نتج عن ذلك من مجازر بشعة ارتكبها هو وجنوده، بدعوى محاربة الإرهاب، وذلك حتى يغطي على جرائمه، وطلب من الشعب المصري منحه تفويضا لكي يقتل ويسجن كل مواطن مصري يرفض الانقلاب أو يعارض حكمه أو ينتقده.
وكان الكل ينتظر موقفا واضحا وحازما للدول الغربية من الانقلاب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين أُشيع أنهما يدعمان وصول الإسلاميين إلى السلطة في المنطقة العربية، بعد تصدُّرهم الانتخابات في عدد من الدول. لكن الوقائع على الأرض أكدت أن هذه الإشاعة تم الترويج لها لتضليل الرأي العام العربي، وأن وقوع الانقلاب العسكري في مصر لم يكن لينجح لولا الضوء الأخضر الغربي. وما يؤكد ذلك، هو امتناع الدول الغربية عن إبداء موقفها الصريح من استيلاء وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي على السلطة، بدعم من قادة الجيش.
ومنذ اغتصابه للحكم في مصر، وقائد الانقلاب يخوض حربا ضروسا ضد الأصوات المعارضة، بدأها بحرب دموية على قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ثم نقل الحرب إلى نشطاء وشخصيات في أحزاب وتيارات سياسية يسارية وليبرالية. وكانت أكثر المذابح دموية ارتكبها السيسي؛ مذبحتي النهضة ورابعة العدوية، اللتي سقط فيهما عدد كبير من القتلى والجرحى من المصريين المعارضين لحكمه. ومع ذلك، لم نسمع لا إدانات ولا شجبا ولا انتقادات من طرف قادة الدول الغربية للانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي يرتكبها قائد الانقلاب، وهو ما زاد من طغيانه وتماديه في استخدام كل أساليب الترهيب والقمع والترويع في حق الشعب المصري، وخاصة ضد المعارضين والرافضين لقراراته وسياساته، ولم يسلم من بطشه حتى الشخصيات والنشطاء الذين أيدوا الانقلاب، وقدموا له الدعم في البداية، آخرهم مخرج الانقلاب خالد يوسف، الذي قام بإخراج سينمائي خادع، وضخّم حجم المتظاهرين الذين خرجوا في 30 حزيران/ يونيو 2013، للتمويه على الانقلاب، وتقديمه في صورة ثورة شعبية على حكم الرئيس السابق محمد مرسي.
فقد عارض المخرج المذكور مشروع التعديلات الدستورية المقترحة من أجل تأبيد بقاء السيسي في السلطة، وهو ما دفع أجهزته إلى نشر أشرطة إباحية له مع عدد من الممثلات المصريات انتقاما منه، فاضطر إلى الهروب خارج مصر، خشية اعتقاله ومحاكمته.
وإذا كانت جميع أجهزة الدولة المصرية أصبحت تحت سيطرة العسكر بعد الانقلاب، بما فيها الإعلام والقضاء، فإن جهاز القضاء يعيش أسوأ مرحلة في تاريخه، بعدما حوّله السيسي إلى أداة لتصفية معارضيه ومنتقديه والانتقام منهم.
وإن ما شهدته مصر منذ الانقلاب، من محاكمات صورية، لقادة وأعضاء "الإخوان" والنشطاء الحقوقيين والمدنيين والسياسيين، والإعدامات الجائرة التي صدرت في حق بعضهم، آخرهم تسعة شباب أُعدموا بناء على اتهامات باطلة بالقتل، ما هي إلا تعبير عن توحّش هذا النظام المستبد وتغوّله، بسبب صمت وتواطؤ الدول الغربية، التي أكدت الأحداث والتجارب السابقة، أنها لا تريد أن يكون هناك انتقال ديمقراطي في الدول العربية.