نشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن الغليان الشعبي الذي تشهده الشوارع الجزائرية، والذي يتزامن مع تداعي نظام بوتفليقة، نتيجة المشاورات السرية وحرب العشائر.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إنه في خريف سنة 2018، جمع مقر زرالدة الرئاسي عدة أسماء بارزة، بما في ذلك الوزير الأول، أحمد أويحيى، ووزير العدل، الطيب اللوح، ورئيس المؤسسة العسكرية، أحمد قايد صلاح، ومستشار الرئيس، الطيب بلعيز، فضلا عن وزير الشؤون الخارجية، عبد القادر مساهل، وسعيد بوتفليقة، بهدف خوض نقاشات.
مع ذلك، لم يكن القرار بشأن ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة من عدمه قد اتّخذ بعد.
وذكرت المجلة أنه في العاشر من شباط/ فبراير، ترشح بوتفليقة لخلافة "نفسه"، من خلال رسالة وجهها إلى الجزائريين.
لكن، لا أحد قادر على الجزم بهوية مؤلفي هذه الرسالة، التي كُشف فيما بعد عن بصمة رئيس الوزراء، أحمد أويحيى، في صياغتها.
وكان نص الرسالة واضحا، حيث جاء فيه: "لم أعد أتمتع بالقوة الجسدية ذاتها، وهو الأمر الذي لم أخفه أبدا عن شعبنا. لكن الرغبة الثابتة في خدمة الوطن لم تفارقني أبدا".
وأشارت المجلة إلى أن المحيط الرئاسي يعلق على هذا الوضع بالقول إن "السؤال الحقيقي هو: ماذا سيحدث في اليوم التالي للانتخابات، أي في 19 نيسان/ أبريل؟".
في الحقيقة، يتعين ملء فراغ منصب الرئاسة دون رئيس قادر على أداء مهامه، وخلق رواية خيالية جديدة والتظاهر بسير الأمور على ما يرام. تجدر الإشارة إلى أنه في زرالدة، يدور حديث حول عقد "مؤتمر وطني" بعد الانتخابات الرئاسية.
ونوهت المجلة إلى أنه في 16 شباط/ فبراير، أوضح عبد المالك سلال، المدير السابق للحملة الانتخابية للمرشح بوتفليقة ورئيس الوزراء السابق، أنه "سيكون مؤتمرا توافقيا وطنيا يشارك فيه الجميع.
وسنتوصل إلى استراتيجية جديدة لاستكمال بناء الجزائر". وتصر أطراف من قصر زرالدة الرئاسي على أن المعارضة ستكون مدعوة، ولكن هناك فرص ضئيلة لحضور الأحزاب المنشقة عن خط بوتفليقة.
اقرأ أيضا: فايننشال تايمز: هذه الدلالات المهمة لمسيرات الجزائريين
وأضافت المجلة أن مشروع هذا المؤتمر الوطني الشامل يهدف إلى إجراء تعديلات جديدة على الدستور، علاوة على تنشيط المشهد السياسي، و"تخدير" المعارضة، قبل تمرير الولاية الخامسة بالقوة في نهاية المطاف، لا سيما وأن المعارضة فشلت في تشكيل جبهة مشتركة وأُبطلت فكرة تقديم مرشح واحد لمواجهة بوتفليقة.
وأوردت المجلة أنه في 22 شباط/ فبراير، مُنيت خطط زرالدة بفشل ذريع، حيث خرج عشرات الآلاف من الجزائريين إلى الشوارع للاحتجاج ضد الولاية الخامسة.
وبالتالي، قلب الشعب الموازين. ويفسر ضابط مخابرات ذلك قائلا: "لقد تلقينا إشارات حول أهمية التعبئة منذ الدعوات الأولى مجهولة الهوية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أُعلم القصر الرئاسي بذلك. لقد كان هناك ذعر لا يمكن إنكاره".
الجدير بالذكر أن عاصفة 22 شباط / فبراير سبقتها موجات غضب أخرى. ففي برج بوعريريج، شرق البلاد، استمرت المظاهرات الليلية لمدة أسبوع.
وفي خنشلة، تجمّع مئات الشباب أمام مبنى البلدية وطالبوا العمدة بإزالة ملصق بوتفليقة العملاق. كما انتشرت صور شباب يدوسون على صورة الرئيس في مناطق أخرى على غرار عنابة.
وأفادت المجلة أن التوتر داخل المعسكر الرئاسي لا زال قائما. في هذا الصدد، قال ضابط المخابرات: "لم يكن الجهاز الأمني راضيا عن التطورات التي يشهدها الوضع الراهن، وقد حثّ السياسيين على محاولة العثور على حل من أجل تهدئة الأمور من جهة، وإقصاء الشخصيات التي لا تحظى بشعبية على غرار أحمد أويحيى من جهة ثانية".
وقد جاء في مكالمة هاتفية دارت بين مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة، عبد المالك سلال، وعلي حداد، رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، في 27 فبراير/ شباط الماضي، أن "هذه هي الرؤوس الأخرى التي ستسقط". وقد سرّبت هذه المحادثة عن قصد ووقع تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبينت المجلة أن حداد شنّ هجوما مضادا مشيرا إلى أنهم يخافون من توسّع رقعة المظاهرات في جميع أرجاء البلاد.
ويعتقد بعض المعلقين أن حداد كان يشير إلى الأجهزة الأمنية في حديثه، في المقابل يزعم آخرون بأنه كان يتحدث عن أطراف مقربة من بوتفليقة.
اقرأ أيضا: FT: هذا ما كشفته احتجاجات الجزائر.. من يدير البلاد؟
وأبرزت المجلة أن علي حداد قد شهد بعض الانتكاسات أيضا، حيث نأى ثلاثة أعضاء مؤثرين في منتدى رؤساء المؤسسات بأنفسهم عن هذه النقابة.
وقد قام رئيس مجلس إدارة شركة أليانس للتأمينات، حسن خليفاتي، بتجميد عضويته، كما نسج محمد العيد بن عمر، رئيس إحدى أهم الشركات المتخصصة في الصناعات الغذائية في البلاد، على منوال خليفاتي واستقال من منصبه كنائب رئيس لمنظمة رؤساء المؤسسات.
وأوضحت المجلة أن المرحلة القادمة تتمثل في التفاوض حول رحيل بوتفليقة، بعبارة أخرى، "كيف يمكن طمأنة الشارع دون الإخلال بالتوازن داخل النظام؟ وكثيرا ما تم تداول هذا السؤال في صفوف صناع القرار في الأيام الأخيرة، الذي تتجسد إجابته في الإعلان المنسوب إلى بوتفليقة، عند تقديم ملف ترشحه للانتخابات في الثالث من آذار/ مارس من قبل المدير الجديد لحملته.
وأكدت المجلة أن الاقتراحات المتعلقة بولاية "انتقالية" لمدة سنة واحدة، "ومؤتمرا وطنيا" وانتخابات رئاسية مبكرة، لن تكون كافية لتهدئة غضب الشارع أو لعلاج الشعور بالإذلال الذي يثقل كاهل المجتمع الجزائري بأكمله.
ويلخص أحد المصادر في قصر زرالدة الوضع قائلا: "هذه التسوية القصوى التي توصل إليها المحيط الرئاسي والجيش ومختلف أقسام الدولة".
وفي الختام، أفادت الصحيفة أنه يمكن لبوتفليقة أن يغادر السلطة مثلما استلمها، من خلال انتخابات رئاسية مبكرة كما حدث مع الرئيس السابق زروال في سنة 1998.
وقد علّق وزير سابق قائلا: "ما يمكن استخلاصه هو أن النظام يستمر من خلال الحفاظ على الركائز الأساسية وهي الأمن والنفط، وبالتالي، يعتبر خط أنابيب للغاز ومجموعة من الثكنات كافيان".
فايننشال تايمز: لماذا تبتعد النخبة الاقتصادية عن بوتفليقة ؟
فايننشال تايمز: هذه الدلالات المهمة لمسيرات الجزائريين
البايس: هذه 5 شخصيات محورية لفهم ما يحدث بالجزائر