حادث إرهابي جديد يقع في العالم، هذه المرة في إحدى أهدأ بقاع
العالم، في نيوزيلندا، والضحايا مسلمون يؤدون الصلاة في مساجدهم، والمتهم إرهابي
من اليمين المتطرف الأصولي. وهذه ليست الحادثة الإرهابية الأولى ضد المسلمين، ولا
هي الحادثة الأولى من إرهاب اليمين المتطرف. آن الأوان لأن يتبنى العالم خطا جديا
وحقيقيا للتعامل مع ومواجهة خطر إرهاب اليمين المتطرف الأصولي، وعدم اعتباره مجرد
«اعتداءات من أفراد وجماعات شاذة».
اليمين
المتطرف الذي نشهده حاليا له جذور، فقد ارتبط بحراك ديني مسيحي بروتستانتي في
الأساس، وهو الذي أفرز حركات متطرفة مثل جماعة «الكوكلاكس كلان» وصولا إلى الرايخ
الثالث الذي أفرز أدولف هتلر والنازية. وبعد اختفاء النازية ظهرت «مليشيات» مسلحة
في الغرب تنادي بحرية الرجل الأبيض وحقوقه المهددة ومعاداة اليهود والمسلمين،
وتنقية الدم والعرق الأسمى، وأن الرجل الأبيض عرقه أنقى، وغير ذلك من الشعارات
المريضة والمجرمة. وبدأت هذه الميليشيات تقوم عن طريق أفراد منها بعمليات بسيطة،
حتى قام تيم ماكفي في عام 1995 بتفجير المبنى الفيدرالي في ولاية أوكلاهوما الذي
أدى إلى مقتل 168 شخصا، وأعلن وقتها أنه ينتمي إلى إحدى الجماعات الأصولية
اليمينية المتطرفة.
ثم كان عام 2011 الذي شهد قيام أندروس بريفيك بقتل 77 شخصا في مذبحة
مروعة نسبت هي الأخرى لليمين الأصولي المتطرف. كما شهد عام 2015 قيام ديلان روف
بمذبحة للمصلين بكنيسة في ولاية ساوث كارولينا، التي أدت إلى وفاة تسعة أشخاص
ونسبت لليمين الأصولي المتطرف، وصولا إلى عام 2018 الذي شهد قيام روبرت باورز بقتل
أحد عشر مصليا بكنيس يهودي في ولاية ساوث كارولينا في مدينة بتسبيرغ بولاية بنسلفانيا
ونسبت هي الأخرى لليمين الأصولي المتطرف، وبين كل تلك الأحداث كان هناك الحادث
الإرهابي، إطلاق النار على المصلين في مسجد بمدينة كيبك الكندية، والأمر نفسه حصل
في اعتداء على المصلين بمسجد بمانشستر بإنجلترا.
والحراك اليميني المتطرف الأصولي المتعاظم في أستراليا وأميركا
وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والمجر والنمسا وألمانيا والسويد، والأدبيات الموجودة
على وسائل التواصل الاجتماعي، كلها تؤكد أن هناك فكرا جماعيا وتنظيما له أصول
إرهابية وأعمال تؤكد ذلك. الغرب مطالب وبشكل فوري بالتعامل مع الفكر اليميني
الأصولي المتطرف بالقدر نفسه الذي عامل به الفكر «الجهادي» التقليدي ومجموعة عصبة
الدفاع اليهودية. الأولى أفرزت أناسا مثل الظواهري وحسن نصر الله والبغدادي،
وجماعات مثل «القاعدة» و«حزب الله» و«داعش» نتاج فكر «الخوارج» و«الحشاشين».
والثانية مجموعة عصبة الدفاع اليهودية التي جاءت بالمجرم مائير كاهانا والإرهابي
باروخ غولدشتاين، الذي قتل المصلين في الخليل.
اليوم العالم مطالب بوقفة موحدة ضد الإرهاب الذي تثبت لنا الأيام أنه
لا دين له، وأن الكراهية هي المحرك الأول لذلك. المسلمون عليهم عدم الدخول في
مقارنة إرهابكم وإرهابنا، وهذا الحراك العقيم، وعليهم العمل على تطهير مجتمعاتهم
من الأفكار العنصرية التي تخلق التمييز الكريه بفكر تكافؤ النسب وتكفير الآخر
وازدراء الأديان المخالفة، وليسوا بحاجة للتذكير بأن عمليات اغتيال المصلين في
المساجد قام بها عشرات المسلمين بدءا من جهيمان وجريمته في الحرم المكي الشريف،
مرورا بمجازر أخرى بمساجد في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن والكويت
والسعودية والبحرين قام بها إرهابيون في «داعش» و«القاعدة» و«حزب الله»، دون أن
نستثني من ذلك الأمر الأحداث الإرهابية بحق الكنائس في الشرق الأوسط هي الأخرى.
الحراك القانوني مطلوب أن يحصل، واستغلال هذه اللحظة قضائيا وحقوقيا
والعمل المؤسساتي على رفع درجة «الإسلاموفوبيا» (معاداة المسلمين) لتصبح جريمة
قانونية تماما مثلما فعل اليهود مع جرم «معاداة السامية» بدلا من البكاء وادعاء
المظلومية التي لا تجدي.
حادثة نيوزيلندا إرهاب كامل فكرا وجرما. العالم كله مسؤول عن العمل
الدؤوب على الاستفادة مما حصل ومنع تكراره مجددا. إنها فرصة. بعد أن وصل الإرهاب
إلى نيوزيلندا أدركت فعلا أنه لا يوجد مكان آمن لا يصل إليه الإرهاب.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية