مثلت الثورة المصرية عام 1919 دافعا كبيرا للشعب الفلسطيني في تفجير ثوراته والقيام بهباته ضد الاحتلال الإسرائيلي ومن قبله الانتداب البريطاني.
وكانت ثورة 1919 نموذجا اتبعه الشعب الفلسطيني في نضاله على مدار قرن من الزمان مرورا بعدة أجيال لطالما هتفت لزعيم هذه الثورة سعد زغلول.
واستلهم الفلسطينيون من هذه الثورة معاني التضحية والفداء والتخطيط لمطالبهم المتمثلة بإنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وكانت الهبات تلو الهبات والثورات تلو الثورات في فلسطين سواء ضد الانتداب البريطاني أو الاحتلال الإسرائيلي؛ بدءا من ثورة عام 1920م والتي عرفت باسم "ثورة النبي موسى" ومن ثم ثورة "البراق" عام 1929م، فثورة القسام عام 1935م، والهبات المتلاحقة وانتفاضة الحجارة ومن ثم انتفاضة الأقصى والقدس؛ وليس أخيرا بمسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار عن غزة والتي تنهي عامها الأول في الثلاثين من آذار/مارس الجاري بعدما قدمت 270 شهيدا و30 ألف جريحا؛ سارت على نهج ثورة 1919م وتعلمت من قادتها قبل قرن من الزمان.
الاحتلال حاول طمس الثورة
وأكد وكيل وزارة الثقافة الفلسطينية في غزة الدكتور أنور البرعاوي أن لمصر علاقة وثيقة بفلسطين عامة وقطاع غزة على وجه التحديد بحكم الجغرافيا، مشيرًا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي حاول طمس ثورة عام 1919 من المناهج الفلسطينية حينما كان يسيطر عليها قبل عام 1994م، كي لا يكون ذلك دافعا للفلسطينيين للقيام بأي ثورة أو حتى مجرد احتجاج.
دولة الاحتلال حذفت من المناهج الفلسطينية حينما كانت تسيطر عليها قبل عام 1994 التاريخ المصري الذي كان يتحدث عن ثورة عام 1919
الثورة ليست حركة شعبية في شوارع فحسب وإنما تقوم في الأعماق وهي كالنار تحت الرماد والتي كانت فكرا وقيما وأدبا وفنا
وشدد على أن المحتل لم يكتف بتزوير المقدسات بل ذهب لتزوير الأكلات الشعبية مثل طبق الحمص وقرص الفلافل (الطعمية) كي يثبت أنه صاحب هذه الأرض.
وأشار البرعاوي إلى أن هذه الحرب تكاد تكون أقسى من الحرب العسكرية التي لها بداية ولها نهاية، لكن الحرب الثقافية تترك أثرا على أجيال متلاحقة على مدار التاريخ.
الشخصية المصرية
من جهته اعتبر مدير معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية إبراهيم المدهون أن ثورة 1919م من أهم الثورات التي انطلق بها الشعب المصري في العصر الحديث، مشيرًا إلى أنها أول ثورة شعبية جماهيرية تخرج بمطالب واضحة وتشكل سمات الشخصية المصرية القادرة على الحضور والمدافعة على تحقيق الإنجاز.
وأكد المدهون في حديثه لـ "عربي21" أن ثورة 1919م والتي قادها سعد زغلول أسست للشخصية المصرية بعد ذلك، مشيرًا إلى أنه تم الانقضاض على هذه الثورة عبر الانقلاب العسكري الذي تم عام 1952م.
ويرى أن أحداث 23 تموز (يوليو) 1952 فرغت مطالب الشعب المصري من مضمونها "واحتكرت السلطة وحولتها من احتكار الملك إلى احتكار الضباط"، وفق قوله.
تقرير المصير
وقال المدهون: "النظم العسكرية لا تحب ولا تحتفي كثيرا بثورة 1919، لكن النخب المصرية والجمهور المصري والشخصية المصرية تعتبر أن هذه الثورة أسست لمرحلة استطاع من خلالها الشعب المصري أن يقرر مصيره وعلى الأقل أن يتحدث عن معادلاته الخاصة".
وشدد على أن ثورة 1919 أثرت على الشعب الفلسطيني بشكل كبير ومن بعدها كانت هناك ثورة القسام، وثورة عام 1936، وغيرها من الثورات الفلسطينية المتلاحقة.
وقال الباحث الفلسطيني: "إن الثورات الفلسطينية والانتفاضات الشعبية الجماهيرية ما هي إلا انعكاس لثورة 1919 التي استطاعت من خلال نخبة مثلها سعد زغلول ورفاقه أن يجمع تواقيع وأن يلتفت حولها الشعب المصري بكل مكوناته".
وأضاف: "ما حدث في انتفاضة الحجارة عام 1987م يشابه ما حدث في ثورة 1919، حينما قاد بعد النخب الأكاديمية والحركية والطلابية هذه الانتفاضة وحركوا الجمهور فكانت هناك استجابة كبيرة من قبل الجماهير الفلسطينية، حيث أن هناك نظرة فلسطينية تحمل الكثير من التقدير لثورة 1919م".
صدى الثورة في فلسطين
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي سمير حتمو لـ "عربي21": "تعتبر الثورة المصرية عام 1919م ثورة كبيرة، حيث لقيت صدى في كل الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتأثر بها كل العرب والمسلمين آنذاك، ولا يزال صداها إلى يومنا هذا بعد مرور قرن من الزمن على اندلاعها".
وأضاف: "إن الشعب الفلسطيني كان أكثر هذه الشعوب تأثرًا بثورة 1919م بحكم الجغرافيا والتاريخ، فكان سعد زغلول زعيما عربيا له صداه في القدس وغزة والناصرة ويافا وفي كل مكان من أرض فلسطين".
الثورات الفلسطينية والانتفاضات الشعبية الجماهيرية ما هي إلا انعكاس لثورة 1919
وأشار إلى أن الشعارات التي كان يهتف بها المتظاهرون الفلسطينيون في مظاهراتهم وثوراتهم كانت مستوحاة من تلك الهتافات التي كان يهتفها المتظاهرون في ثورة عام 1919م مع بعض التعديلات الطفيفة التي تتناسب مع الوضع الفلسطيني وخصوصيته.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني على أن الكثير من الفلسطينيين منحوا مواليدهم الجدد اسم (سعد) تيمنا بقائد الثورة سعد زغلول.
وقال حمتو: "مصر هي مهد الثورة والحضارة والثقافة في العالم الغربي والإسلامي، إذا نهضت مصر نهضت الشعوب العربية والإسلامية وإذا غابت مصر غابت هذه الشعوب".
وأضاف: "الشعب الفلسطيني أكثر الشعوب وفاء لثورة عام 1919م فهو لا يزال يعيش الثورة تلو الثورة التي سارت على نهج ثورة 1919م وتعلم القائمون عليها من قائدها سعد زغلول".
وأشار حمتو إلى أن الكثير من المحال التجارية لا يزال أصحابها يضع صور الزعيم سعد زغلول.
وطالب الكاتب والمحلل السياسي وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بإدراج ثورة 1919 في المناهج الفلسطينية في مادة التاريخ لأهمية هذه الثورة وقيمتها للأجيال القادمة.
تاريخ الثورة
واندلعت في آذار/ مارس من عام 1919م الثورة المصرية التي عرفت باسم "ثورة 19" وذلك احتجاجا على نفي عدد من القادة المصرين على رأسهم سعد زغلول إلى جزيرة مالطا، حيث أضرب طلبة المدارس العليا، وعمال الترام والحوذية (العربجية)، والمحامين، وأصبحت الدكاكين مغلقة، وأصبح الشارع المصري في حالة غليان.
وقوبلت الاحتجاجات بعنف، وتم إطلاق النار على المتظاهرين، وتناقلت أخبار القتل والتظاهرات إلى باقي القُطْر المصري، لتندلع المظاهرات في أرجائه، وتم قطع خطوط السكك الحديدية وتخريبها، وتخريب أسلاك التلغراف والتلفون، مما دفع الانجليز إلى إعادة زغلول ورفاقه إلى البلاد وإنهاء نفيهم.
واضطر الإنجليز إلى رفع حمايتهم عن مصر بمقتضى تصريح 28 شباط/ فبراير 1922 الذي اعترفت بموجبه إنجلترا بمصر دولة مستقلة ذات سيادة مع تحفظات، حيث أصدر الدستور في نيسان/ إبريل من نفس العام، ثم افتتح البرلمان الجديد، وتم تشكيل أول وزارة شعبية برئاسة سعد زغلول.
لماذا استمرت ديمقراطية ثورة 1919 ونحرت ديمقراطية 2011؟
لماذا تم الانقلاب على ثورتي 1919 و2011 في مصر؟
مصر.. الاستقلال والحرية مطلبان لثورتي 1919 ويناير 2011