نشرت صحيفة "ميدل ايست آي" البريطانية تقريرا موسعا حول تفاصيل صفقات الأسلحة التي تمت بين واشنطن وكل من الرياض وأبو ظبي منذ انطلاق ما يعرف بعاصفة الحزم (حرب اليمن) قبل ثلاث سنوات.
فمنذ اندلاع حرب اليمن، أبرمت الولايات المتحدة
الأمريكية صفقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لا تقل
قيمتها عن 68.2 مليار دولار، شملت الأسلحة النارية والقنابل وأنظمة الأسلحة
والتدريب العسكري. وحسب البيانات المجمعة من قبل إحدى خلايا التفكير الأمريكية،
تتجاوز قيمة الصفقات الرقم المذكور آنفا بالمليارات.
ويشمل هذا المبلغ الهائل، المصرح عنه للمرة
الأولى، كلا من صفقات الأسلحة التجارية والحكومية ما يشير إلى أن تورط الولايات
المتحدة في الحرب الكارثية في اليمن قد يكون أعمق مما كان متوقعا. وفي الواقع، إن
نفقات الأسلحة الأمريكية تتجاوز المبلغ المخصص لتمويل خطة الأمم المتحدة للاستجابة
الإنسانية لليمن لسنة 2019 الذي لا يتجاوز أربعة مليارات دولار، بـ 17 ضعفا.
ووفقا للبيانات التي جمعتها منظمة "سام"
(مراقبة المساعدة الأمينة) لمراقبة صفقات بيع الأسلحة، التي أفصح عنها هنا لأول
مرة، فإن الشركات الأمريكية عقدت صفقات بقيمة 14 مليار دولار مع الإمارات
والسعودية منذ سنة 2015، أي عندما تدخل التحالف في الصراع اليمني.
عادة ما تركز المبيعات الحكومية على الأنظمة
الرئيسية مثل المقاتلات والدبابات والقنابل والسفن، التي يستخدم بعضها أكثر من
غيرها في اليمن، ويعزى ذلك جزئيا إلى أن إتمام مثل هذه الصفقات يتطلب سنوات والتي
في الكثير من الأحيان تتصدر العناوين الرئيسية. لكن حسب الخبراء، إن الأسلحة
الصغيرة مثل الأسلحة النارية والقنابل التي تباع في إطار صفقات تجارية، تستخدم
بشكل غير متناسب في الصراع اليمني وتتسبب في أضرار جسيمة.
حيال هذا الشأن، قال ويليام هارتانغ، مدير مشروع
الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية، الذي يعتبر خلية تفكير تقدمية في واشنطن
والذي يحتضن منظمة "سام"، إن البيانات التجارية تظهر أن بصمة الولايات
المتحدة في اليمن "غير واضحة" لأن المبيعات التجارية "نادرا ما
تناقش، مقارنة بالصفقات الكبرى مثل تلك الخاصة بالمقاتلات".
إن تقديرات منظمة "سام" تم تأكيدها
تقريبا من قبل مسؤول في وزارة الخارجية، رفض الإفصاح عن هويته، الذي قال إن القيمة
الإجمالية لصفقات الأسلحة الأمريكية مع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ
آذار/ مارس 2015 يقارب 67.4 مليار دولار.
وتُكشف تفاصيل جديدة بشأن صفقات الأسلحة في الوقت
الذي يواصل فيه الكونغرس الأمريكي الدفع نحو إنهاء تدخل واشنطن في حرب اليمن، التي
تسببت في نزوح الملايين وتفشي الأمراض وانتشار المجاعة.
في شهر شباط/ فبراير، مرر مجلس الشيوخ مشروع قانون
لإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتحالف، وقد صوت مجلس النواب ذي الأغلبية
الديمقراطية بواقع 247 صوتا مقابل 175 صوتا لصالح هذا القرار يوم الخميس. ولكن
الرئيس دونالد ترامب هدد باستخدام حق النقض لإلغائه.
وفي تصريح له لموقع "ميدل إيست آي"،
أفاد السيناتور كريس ميرفي، الذي يعد واحدا من بين المشرعين الثلاثة وراء مشروع
القانون الذي حظي بتأييد الحزبين، بأنه "يتعين على الرئيس ترامب أن يقرر ما
إذا كنا سنواصل تقديم المساعدة العسكرية للجيش السعودي لقتل آلاف المدنيين ومنع
المساعدات الإنسانية من الوصول إلى اليمن".
لقد أبرمت بعض الصفقات بعد أيام فقط من تبين أن
الأسلحة الأمريكية قد استخدمت خلال الغارات الجوية التي نفذها التحالف الذي تقوده
السعودية التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، بما في ذلك التلاميذ الذين لقوا
مصرعهم أثناء رحلة ميدانية، أو الضيوف الحاضرين خلال حفل زفاف، أو العائلة التي
مات جميع أفرادها وابنتهم الصغيرة البالغة من العمر خمس سنوات في منزلهم بصنعاء.
حيال هذا الشأن، قال هارتانغ إنه "من الصعب
تخيل أمثلة أخرى عن المآسي التي تسببت فيها صفقات بيع الأسلحة الأمريكية".
وأضاف هارتانغ "إنهم يدعمون أنظمة تقتل المدنيين وتتسبب في كارثة إنسانية...
إنها وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة".
تتراوح الأسلحة التي بيعت
في إطار هذه الصفقات بين أنظمة الدفاع الصاروخية وقاذفات القنابل والأسلحة
النارية، التي بيعت معظمها في إطار صفقات مقدمة من صانعي الأسلحة الأمريكيين إلى
الحكومتين السعودية والإماراتية.
لهذا السبب، لا تزال الأرقام المعتمدة من قبل
الصحفيين والباحثين بشأن الصفقات الأمريكية المعتمدة منخفضة إلى حد الآن. وعلى عكس
الصفقات الحكومية، فإنه من الصعب الحصول على البيانات المتعلقة بالصفقات التجارية
مع نشر تفاصيل قليلة للعموم فقط بعد مدة من إعلام الكونغرس عنها، وأحيانا يكون ذلك
بعد 18 شهرا، حسب ما صرحت به كريستينا آرابيا مديرة منظمة "سام"، التي
جمعت البيانات الواردة في هذا التقرير، والتي تعد المنظمة الوحيدة التي تتابع كلا
النوعين من المبيعات.
يقول الخبراء إنه من دون الأسلحة الأمريكية لكان
التحالف الذي تقوده السعودية ويضم الإمارات غير قادر على شن الحرب في اليمن. وحسب
البيانات الصادرة سنة 2017، فإن ثلاثة من أصل كل خمسة أسلحة مستوردة من قبل
التحالف مصنعة في الولايات المتحدة، وذلك وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث
السلام. وقد استخدمت بعض هذه الأسلحة في أكثر من مئة غارة جوية شنها التحالف،
وهجمات القنابل العنقودية التي أسفرت عن مقتل المدنيين أو استهدفت المستشفيات
والقرى منذ آذار/ مارس 2015، وذلك وفقا للمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام.
إن التحالف الذي تقوده
السعودية مسؤول عن مقتل 4764 مدنيا حسب ما توثقه التقارير منذ سنة 2016، وذلك وفقا
لمشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها. ومع ذلك، استمرت الصفقات خلال
السنوات الأربع الأخيرة دون انقطاع. وحسب هارتانغ فإن "أغلب الصفقات التي أبرمت
مع السعودية والإمارات أو مع أي دولة أخرى قد بيعت عن طريق الكونغرس دون أي اعتراض
أو حتى تصويت".
متابعة الكابوس
إن السبب الرئيسي الذي يفسر التقليل العلني من شأن
القيمة الجملية لمبيعات الأسلحة الأمريكية للتحالف الذي تقوده السعودية، حسب
آرابيا، هو الطريقة المعقدة والتي تقوم على التعتيم التي يتم بها متابعة الصفقات
التجارية والإعلان عنها.
تنشر الحكومة الأمريكية تفاصيل مقتضبة عن صفقات
الأسلحة التي تبرم مع الحكومات الأخرى، من خلال برنامج "المبيعات العسكرية
الأجنبية"، عند موافقة الإدارة الأمريكية على ذلك. ولكن متابعة الصفقات التي
تُعقد بين شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية التجارية والحكومات الأجنبية في إطار ما
يعرف بـ "مبيعات الأسلحة المباشرة"، صعبة.
يتم إدراج بعض الصفقات
على أنها موجهة إلى أكثر من دولة، مع إخفاء الطرف المتلقي الحقيقي لهذه الأسلحة
والمبلغ بالدولار. أما بعض الاتفاقيات الأخرى فلا تذكر أصناف الأسلحة وتكتفي
باعتماد فئات عامة مثل "الأسلحة النارية والذخيرة". وهناك أيضا الحد
الأدنى الذي يعني أنه لا يتم إعلام الكونغرس بصفقات معنية تكون قيمتها منخفضة، مثل
أي صفقة لبيع الأسلحة النارية تقل قيمتها عن مليون دولار، كما أن بعض الصفقات تصنف
ضمن الحد الأدنى حتى عندما تكون قيمتها أكثر بكثير.
مؤخرا، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية صادرات
أسلحة موجهة للسعودية، فيما يتعلق بالعمل على نظام الدفاع الجوي باتريوت، بأن
قيمتها تبلغ أو تفوق 50 مليون دولار. ولكن منظمة "سام" تظهر أن هذه
الصفقة تبلغ قيمتها في الحقيقة 195.5 مليون دولار.
وقد تساءلت آرابيا عن نتيجة هذا الإعلان الغامض،
مشيرة إلى أن العامة يجهلون إلى أين وكم ولمن بيعت الأسلحة الأمريكية. وقالت
آرابيا إن "بعض المعلومات حول نوعية السلاح الذي بيع قد ترد في تقرير تابع
لإحدى اللجان، وقد يرد في تقرير لجنة أخرى اسم الدولة، من ثم يتحتم علي الاتصال
بلجنة أخرى لمعرفة مبلغ المبيعات بالدولار".
أفادت آرابيا بأنها أحيانا تتمكن من الحصول على
الأرقام لأنه فقط تجمعها علاقات مع موظفين معينين في بعض اللجان. ومنذ الانتخابات
النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما فاز الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس
النواب، كانت آرابيا قادرة على تلقي دفق من المعلومات. وشيئا فشيئا، تمكنت آرابيا
من تجميع قاعدة بيانات عن الصفقات التجارية التي أبرمت مع السعودية والإمارات.
من خلال الجمع بين الأرقام المتعلقة بالصفقات
الحكومية والتجارية التي تتبعتها، توصلت آرابيا إلى أن الولايات المتحدة وافقت على
بيع ما يربو عن 54.1 مليار دولار من الأسلحة والتدريب للسعودية وأكثر من 14 مليار
دولار للإمارات، منذ تدخل التحالف في الحرب اليمنية.
وتعود هذه البيانات فقط
إلى سنة 2015، ما يجعل معرفة كم من الأسلحة باعت الولايات المتحدة في إطار صفقات
تجارية إلى التحالف قبل الحرب ممكنا. وتجدر الإشارة إلى أن برنامج مبيعات الأسلحة
في إطار الصفقات التجارية والحكومية بدأ سنة 1976. وفي حين تؤكد وزارة الخارجية
دقة أرقامها، فإن آرابيا تشك في أنها أقل بمليارات الدولارات عن الرقم الحقيقي.
هجمات تتبعها صفقات
وفقا للبيانات التي جمعتها منظمة "سام"
لمراقبة صفقات الأسلحة، بات من الواضح أن الولايات المتحدة وافقت على صفقات أسلحة
مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد أيام قليلة فقط من
استخدام قوات التحالف للقنابل الأمريكية لقتل المدنيين في اليمن. وتكرر الأمر ذاته
بعد عملية القتل الوحشية التي راح ضحيتها كاتب المقالات في موقع ميدل إيست آي
وصحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي.
في السادس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أي بعد
شهرين من تقطيع خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وافقت إدارة ترامب على
صفقة تجارية بقيمة تتجاوز 195.5 مليون دولار لتحديث نظام باتريوت للدفاع الصاروخي
في السعودية. والجدير بالذكر أن السعوديين اعتمدوا باتريوت للدفاع عن أنفسهم ضد
هجمات الحوثيين الصاروخية. وإن لم يكن ذلك كافيًا، تشمل الصفقات التي تمت بعد وقت
قصير من هجمات التحالف باستخدام الأسلحة الأمريكية ما يلي:
ـ في التاسع من آب/ أغسطس 2018، ضربت قنبلة تابعة
لقوات التحالف الذي تقوده السعودي حافلة مدرسية كانت تقل بعض الأطفال في رحلة
ميدانية شمال اليمن. أسفرت هذه الهجمة عن مقتل 54 شخص، ومن بينهم 44 طفل. وبعد
مرور أسبوع، علم المسئولون في الكونغرس الأمريكي بشأن صفقة تجارية مع الإمارات بقيمة
344.8 مليون دولار، والتي تتضمن بيع قطع غيار لنظام باتريوت.
ـ ذكرت قناة سي إن إن في 17 آب/ أغسطس 2018 أن
القنبلة المستخدمة في الهجوم على الحافلة المدرسية صُنِعت من طرف شركة لوكهيد
مارتن الأمريكية، أكبر صانع للأسلحة في العالم. وبعد ثلاثة أيام فقط من بث تقرير
القناة الأمريكية، أبرمت إدارة دونالد ترامب صفقة مع الإمارات مقابل 10.4
مليون دولار لبيعها قطع غيار البنادق.
ـ في 22 نيسان/ أبريل 2018، قصف طيارو التحالف
بقيادة السعودية حفل زفاف شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء، وهو ما أودى بحياة 33
شخص، بما في ذلك العروس. وبعد مرور عدة أيام فقط، أعلن موقع بيلينغ كات عن ضلوع
شركة رايثيون الأمريكية في صنع قطع من القنبلة التي عُثر عليها في مكان الحادثة.
وفي المقابل، لم يثن ذلك إدارة ترامب عن الموافقة على صفقة بيع مجموعة من البنادق
وقاذفات القنابل للسعوديين مقابل 2.1 مليون دولار بتاريخ 21 حزيران/ يونيو من
السنة ذاتها.
ـ في 25 آب/ أغسطس 2017، انفجرت قنبلة موجهة
بالليزر في منطقة سكنية في صنعاء وقتلت زوجين وخمسة من أطفالهم الستة. وعقب نجاتها
من الهجوم، انتشرت صورة الطفلة بثينة ذات الخمس سنوات على مواقع الانترنت مثل
النار في الهشيم، حيث تظهر فيها وقد اعتلى وجهها انتفاخ شديد وكدمات كثيرة، مما
يدفعها لشد جفونها حتى يتسنى لها الرؤية. وبعد مرور شهر، أثبتت منظمة العفو
الدولية أن قطعة من قنبلة عثر عليها وسط الأنقاض هي من صنع رايثيون، لكن ذلك لم
يمنع الولايات المتحدة من السماح بعقد صفقة لإرسال نظام ثاد الصاروخي إلى الرياض
في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر من السنة ذاتها، حيث بلغت قيمة الصفقة 15 مليار
دولار.
في واقع الأمر، شهدت سنوات 2015 و2016 هجمات
مماثلة بقيادة التحالف السعودي واتفاقات أسلحة أمريكية كثيرة، وذلك خلال فترة
تواجد الرئيس السابق باراك أوباما في البيت الأبيض. وتجدر الإشارة إلى أن الإمارات
والسعودية قادتا تحالفا للدول العربية في الحرب الأهلية اليمنية لقمع الحوثيين في
شهر آذار/ مارس 2015. ومن جهتهم، يزعم السعوديون أن الحوثيين وكلاء لإيران، في حين
يقول المحللون إن الإمارات تحاول على ما يبدو سحق جماعات المعارضة وكسب الأراضي في
اليمن، خاصة على طول البحر الأحمر.
قبل مغادرة أوباما لمنصبه بصفة مباشرة، أوقفت
إدارته عمليات بيع الذخائر الموجهة بدقة إلى السعودية بسبب مخاوف تتعلق بانتهاك
السعوديين لحقوق الإنسان في هجماتهم على اليمن. ولا ينفي هذا القرار حقيقة سماح
إدارة أوباما بإجراء عمليات بيع أسلحة بقيمة 117 مليار دولار خلال سنواته الثمانية
التي قضاها كرئيس للولايات المتحدة.
خلال فترة تواجده في المملكة العربية السعودية في
أول زيارة خارجية له كرئيس في أيار/مايو 2017، أعلن الرئيس الحالي دونالد ترامب
أنه سيلغي تعليق بيع الذخائر الذي أقره أوباما. وكنتيجة للصراع الذي تدور رحاه في
اليمن، أحد أفقر بلدان الشرق الأوسط، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن البلد
الآسيوي سيمحى من الوجود، وبأنه يواجه خطر أسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان في
العصر الحديث.
قنوات غير رسمية
في الوقت الذي تصل فيه قيمة صفقات الأسلحة
الأمريكية والحكومية التجارية لبلدان التحالف الذي تقوده السعودية إلى عشرات
المليارات من الدولارات، تشق العديد من الأسلحة الأمريكية الصنع طريقها إلى أيدي
جميع الأطراف المتحاربة في اليمن من خلال قنوات غير رسمية. حيال هذا الشأن، سبق
لمراسل صحفي تابع لشبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" التنكر
في هيئة مشتر للأسلحة ومقابلة تاجر أسلحة في شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون،
والذي عرض عليه شراء بندقية من طراز إم4 مقابل 4500 دولار أمريكي.
أفاد الصحفي، الذي رفض الإفصاح عن هويته لأغراض
أمنية، أنه من الشائع رؤية الأسلحة النارية والقنابل الأمريكية في أسواق الأسلحة
اليمنية، كما أنها متوفرة في الجنوب والشمال. وأضاف الصحفي أن الحوثيين غالبًا ما
يأخذون الأسلحة الأمريكية عندما يهاجمون مواقع قوات التحالف، ناهيك عن تواجد شبكة
تجار مختصة في بيع وشراء الأسلحة في السوق السوداء.
وصرحت ندوى الدوسري، مديرة مركز اليمن للمدنيين في
الصراع التابع لمنظمة سيفيك الدولية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، أنه:" من
الطبيعي جدا أن نجد أسلحة أمريكية في اليمن. في الواقع، لا تعتبر حقيقة وجود
الأسلحة الأمريكية في كامل ربوع البلاد مفاجئة لأي مواطن يمني".
وفقًا لتصريحات الدوسري، يرجع تواجد الأسلحة
الأمريكية في اليمن بشكل جزئي إلى حقيقة أن الولايات المتحدة دعمت الرئيس اليمني
السابق علي عبد الله صالح في ما يسمى بالحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول/
سبتمبر. قال سفير أمريكي سابق في اليمن سنة 2018 إن بلاده انفقت أكثر من 115 مليون
دولار لتجهيز قوات صالح بين سنتي 2002 و2009.
في سنة 2015، فقد البنتاغون الأمريكي أثر الأسلحة
النارية والطائرات وغيرها من المعدات العسكرية التي أرسلتها الولايات المتحدة
لليمن، والتي تبلغ قيمتها أكثر من 500 مليون دولار. وفي الوقت الحالي، يبدو أن
التحالف الذي تقوده السعودية يعمد إلى منح المركبات المدرعة الأمريكية الصنع إلى
الجماعات المسلحة المحلية، وهو ما يمثل انتهاكا لاتفاقيات الأسلحة حسب التقرير
الذي نشرته شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية".
أظهر الوثائقي أن "كتائب أبو العباس"
السلفية المدعومة من طرف الإماراتيين وتنشط في مدينة تعز، استلمت ثلاث سيارات
مصفحة من طراز أوشكوش إمـأي تي في أمريكية الصنع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
والجدير بالذكر أن هذه زعيم هذه الجماعة مدرج على قائمة الإرهاب الأمريكية. علاوة
على ذلك، شُوهد العلم اليمني وهو يرفرف على مركبة بي آي إي كايمان المدرعة التي
عادة ما تستخدمها الجماعات اليمنية المسلحة المدعومة من الإمارات العربية المتحدة.
ومن جهتها، تزعم أبو ظبي أنها قد دربت حوالي 25 ألف جندي يمني.
تورّط لا نهاية له
باستثناء مبيعات الأسلحة والتدريب والمساعدة
التقنية، من المستحيل قياس المدى الكامل لضلوع الولايات المتحدة في اليمن، سواء
كان ذلك فيما يتعلق بالحرب السعودية أو جهود مكافحة الإرهاب. ووفقا لتقرير دائرة
أبحاث الكونغرس، قدمت الولايات المتحدة الدعم الاستخباراتي والمشورة العسكرية
للتحالف الذي تقوده السعودية، كما سبق لواشنطن مساعدة الطائرات السعودية عن طريق
تزويدها بالوقود في الجو. وفي المقابل، قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها أوقفت
هذا البرنامج في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وسط الضغوط المستمرة لإنهاء كل المساعدات المقدمة
للتحالف الذي تقوده السعودية، أصرت إدارة ترامب على أن اليمنيين سيكونون في وضع
أسوأ وأن عدد الضحايا في صفوف المدنيين سيزداد في حال انسحابه وعدم تدخله في
اليمن. وتجادل الإدارة الأمريكية بأن التهديد الإيراني يبرر استمرار مبيعات
الأسلحة الأمريكية للتحالف.
في مؤتمر صحفي عقده مؤخرًا، أفاد وزير الخارجية
الأمريكي مايك بومبيو أن: "دعم الجهود التي تقودها السعودية يهدف لمنع اليمن
من التحول إلى دولة عميلة لجمهورية إيران الإسلامية الفاسدة والوحشية". ومن
جهتهم، عمد كبار مسؤولي إدارة ترامب على أنهم يتأكدون من عدم استخدام الأسلحة
لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وفي مؤتمر عقدته السنة الماضية، صرحت تينا
كايدانو، والتي سبق لها العمل في مجال مبيعات الأسلحة لوزارة الخارجية الأمريكية،
أن الولايات المتحدة لن توفر أسلحة يُعتقد أنها ستُستخدم في انتهاك صارخ لحقوق
الإنسان.
علاوة على ذلك، صرح مسؤول بوزارة الخارجية
الأمريكية أن مبيعات بلاده للأسلحة جزء التزامها بالاستقرار الإقليمي، وبأنه من
المرجح أن عدد القتلى كان ليزداد بين صفوف المدنيين لولا الضغط الأمريكي على
السعوديين. وأفادت وزارة الدفاع أنها لا تتعقب طائرات التحالف أو أهدافها أو مدى
نجاح مهماتها بعد تزويدها بالوقود.
خلال مقابلته مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية،
أفاد مستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية سبق له العمل مع قوات التحالف حتى
سنة 2017، أن المسؤولين الأمريكيين كانوا قادرين على الولوج إلى قاعدة بيانات
تتضمن تفاصيل كل غارة جوية. وصرح هارتانغ قائلا:" يما يتعلق بالغارات الجوية،
كان البنتاغون يكذب بشأن مقدار المعلومات التي يعرفها".
وفي الوقت ذاته، تشجع سياسة نقل الأسلحة الجديدة،
التي يشرف عليها ترامب، تجار الأسلحة على أن يكونوا أكثر استباقية، فضلا عن
تخفيفها للقيود على المصَنِّعين. وتهدف إدارة ترامب بذلك إلى زيادة القدرة
التنافسية للولايات المتحدة في سوق الأسلحة العالمي وخلق المزيد من فرص العمل.
وأضافت كايدانو أنه: "في ظل هذه الإدارة، لن يكون هناك داعم أكثر فاعلية
للمبيعات الأمريكية من الحكومة الأمريكية نفسها".
ترى كريستينا آرابيا أنه من المرجح أن تتم صفقات
الأسلحة المستقبلية الموجهة للتحالف الذي تقوده السعودية على الصعيد التجاري دون
وساطة حكومية، حيث تتزايد الضغوط على الولايات المتحدة لإنهاء دورها في الحرب.
وأضافت آرابيا قائلة:" كانت صفقة نظام باتريوت الصاروخي التي بلغت قيمتها
195.5 مليون دولار بين الولايات المتحدة والسعودية لتُرفَض من قبل الكونغرس لو
كانت صفقة حكومية".
في السياق ذاته، رفض ممثلو شركة رايثيون للأسلحة
الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بضلوعهم في انتهاكات حقوق الإنسان ومسؤوليتهم تجاه
مقتل اليمنيين في اليمن، حيث قال المتحدث الرسمي للشركة في مكالمة هاتفية
أن:" لا أعتقد أننا سنقول لك أي شيء حيال هذا الأمر". والأمر سيان
بالنسبة لشركة لوكهيد مارتن، والتي رفضت الإجابة عن هذه الأسئلة.
تحالف ضَمني
تشير الأسلحة والتدريب التي توفرها الولايات
المتحدة للتحالف أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تعتمدان
اعتمادًا كبيرًا على الولايات المتحدة في حربها على اليمن، وهو ما ينطبق على
السعوديين بشكل خاص. وفي تقرير حديث، كتب هارتانغ: "سيستغرق الأمر عقودًا لكي
تنأى السعودية بنفسها عن الاعتماد على المعدات والتدريب والدعم الأمريكي".
وفقًا لما ورد في التقرير ذاته، ذُكر أن الولايات
المتحدة تمثل مصدر ثلثي الأسطول السعودي الجاهز للقتال. وفي تشرين الثاني/نوفمبر
2015، أبرمت الولايات المتحدة صفقات بيع قنابل ورؤوس حربية وقنابل موجهة بالليزر
بقيمة 1.29 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية نظرا لنفاذ إمداداتها.
ويضيف
هارتانغ أن الولايات المتحدة توفر نصيب الأسد من الأسلحة التي تستخدمها الإمارات
العربية المتحدة، فضلا عن تدريبها للآلاف من جنودها، كما أن 78 من أصل 138 طائرة
مقاتلة في دولة الإمارات العربية المتحدة تأتي من الولايات المتحدة.
يرى هارتانغ أن انسحاب جميع قنوات الدعم العسكري
للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة "من شأنه أن يشل قدرتهم
على شن حرب في اليمن، خاصة الحرب الجوية العشوائية". وبدلًا من ذلك، اتهم
ويليام هارتانغ الإدارة الأمريكية بالموافقة على الانتهاكات التي تقترفها هذه
البلدان في اليمن، والتي يتواجد على أراضيها 24 مليون مواطن بحاجة ماسة إلى
المساعدات الإنسانية، فضلا عن موت الآلاف نظير سوء التغذية المرتبط بالحرب ومصرع
أكثر من 67 ألف مدني ومقاتل، وهو ما دفعه للقول إن ما يجمع الولايات المتحدة بالسعودية
والإمارات هو "اتفاق ضمني".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
تساؤلات عن دور مصري وإماراتي في تحركات حفتر نحو طرابلس
لماذا "تستثمر" الإمارات والسعودية بـ"الصحة" في مصر؟
الكونغرس سيصوت على قرار لإنهاء دعم السعودية بحرب اليمن