أكد خبراء ومختصون في
الشؤون السياسية، أن إصرار رئيس نظام الانقلاب العسكري بمصر، عبد الفتاح
السيسي،
على تمرير
التعديلات الدستورية خلال شهر نيسان/ أبريل الجاري من عام 2019، رغم
الأحداث الساخنة التي تشهدها المنطقة العربية، نتيجة خطة مسبقة، ارتبطت بترتيبات
داخلية وأخرى خارجية.
ويرى المختصون، الذين تحدثوا
لـ"
عربي21"، أنه رغم التحذيرات التي تلقاها السيسي من بعض الأجهزة
الأمنية عن خطورة إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية خلال الوقت الراهن،
نتيجة الأزمات السياسية التي تشهدها عدد من الدول العربية مثل الجزائر والسودان،
إلا أن الفريق الأكثر نفوذا وجد أن المرحلة الحالية مناسبة لإنهاء ملف الدستور
قبل الانتخابات البرلمانية في 2020.
ويشير المختصون إلى أن
التركيز على المواد المتعلقة بمدد الرئاسة، وبقاء السيسي في الحكم حتى 2034، جعل
الرأي العام يغفل أسباب أخرى لهذه التعديلات تعكس تصور نظام السيسي لحكم
مصر خلال
المرحلة المقبلة، سواء فيما يتعلق بفرض المزيد من نفوذ وسيطرة القوات المسلحة، أو
من خلال الإجهاز بشكل دستوري على ما تبقى من استقلال السلطة القضائية، بالإضافة
للعودة بمصر لفكرة التنظيمات الناصرية، بعيدا عن التجربة الحزبية.
تصنيع نظام السيسي
وحسب تحليل الخبير السياسي
أحمد الشافعي لـ"
عربي21"، فإن النية كانت مبيتة لهذه التعديلات حتى قبل
الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر عام 2018، وكانت تقديرات المسؤولين في نظام
السيسي أن تكون التعديلات خلال عام 2019، باعتباره الأنسب للنظام لعدة أمور، منها
المتعلق بالشأن الداخلي، وأخرى مرتبطة بالأوضاع الدولية.
ويضيف الشافعي قائلا: "بالنسبة للظروف
الداخلية، فإن السيسي كان يريد استباق الانتخابات البرلمانية، المقرر عقدها في 2020،
ما جعل الأمور أشبه بصفقة انتخابية مشتركة بين الرئاسة ونواب البرلمان، بما يعني
أن تمرير التعديلات الدستورية سيكون مرتبطا برضا النظام على النواب، ودعمهم في
الانتخابات البرلمانية التي ستجري بعد عام من التعديلات".
ويشير الخبير السياسي إلى
أن "نظام السيسي أراد كذلك استغلال القبضة الأمنية التي فرضها على المجتمع
المصري، قبل وفي أثناء وبعد الانتخابات الرئاسية في 2018، ليستكمل مخططه بترسيخ
أقدامه في الحكم دون منازع، وهي الحالة التي توضحها ردود فعل الأحزاب المعارضة
للتعديلات، وكذلك الرموز السياسية المعارضة التي اكتفت بالتعبير عن رفضها من خلال
وسائل التواصل الاجتماعي".
ويؤكد الشافعي أن من بين
الأسباب الداخلية التي دفعت السيسي للإسراع بالتعديلات هو "تحويل منظومة
الحكم من فكرة حكم شخص السيسي لحكم نظام السيسي، وهو تصور يريد من خلاله السيسي
صناعة نظام سياسي وقضائي وعسكري وإعلامي يمكّنه من مواجهة أي صدامات يمكن أن تحدث
من داخل المؤسسة العسكرية، أو من خلال التحركات الشعبية، في استنساخ للتجربة
الناصرية، مع بعض التغييرات الطفيفة".
وفيما يتعلق بالأحداث
المحيطة بمصر وتأثيرها على تمرير التعديلات، يؤكد الشافعي أن هناك أصواتا داخل
النظام "حذرت بالفعل من استكمال خطة التعديلات، نتيجة الأحداث الساخنة
بالجزائر والسودان، وقبلها أزمة الصحفي جمال خاشقجي في السعودية، ولكن في النهاية
فإن السيسي نفسه اعتبر أن التراجع عن التعديلات انتقاصا من قوته وقبضته الأمنية،
وبالتالي سار بالتعديلات وفق الجدول الزمني الذي سبق أن وضعه لها".
"رشاوي دولية"
ويضيف وكيل لجنة العلاقات
الخارجية بالبرلمان المصري سابقا، محمد جمال حشمت، لـ"
عربي21"، أن السيسي "لديه
قناعة بأن وجود الرئيس الأمريكي ترامب بالبيت الأبيض سوف يساعده في تمرير هذه
التعديلات، وهو ما اتضح بشكل كبير في إعلان ترامب الصريح بعدم اعتراضه عليها خلال
زيارة السيسي الحالية لواشنطن، وهو ما يشير إلى أن الأهم عند السيسي هو مدى القبول
الأمريكي بالتعديلات، وليست القناعة الشعبية بها".
ويوضح حشمت أن "الحكومات
الغربية لا ترغب في رحيل السيسي، على عكس موقف منظمات المجتمع المدني بهذه الدول،
باعتبار أن السيسي يقدم لهذه الحكومات خدمات جليلة دون أن يكلفها شيء سوى غض الطرف
عن جرائمه في ملف حقوق الإنسان، كما أنه في مقابل دعمها لوجوده يقدم لها رشاو مفضوحة".
ويحدد البرلماني السابق هذه
الرشاوي، "بصفقات السلاح التي توسع فيها السيسي خلال السنوات الماضية رغم
الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر، أو بمنحها حقوق التنقيب عن الغاز والبترول
بامتيازات تمثل نهبا للثروات الطبيعية، أو بالقروض التي لجأ إليها بشكل دمر
الموازنة العامة، بالإضافة لدوره في محاربة حركات الإسلام السياسي بحجة محاربة
الإرهاب نيابة عن العالم، كما يزعم في خطاباته".
ويرى حشمت أن "أخطر ما
قدمه السيسي لصالح أمريكا وإسرائيل مقابل تمرير التعديلات كان الجيش المصري نفسه، الذي تحول لخط دفاع لصالح إسرائيل في سيناء، وهي الخطة القديمة التي لم تستطع
الإدارات الأمريكية تنفيذها خلال الأعوام التي سبقت الانقلاب العسكري للسيسي في
تموز/ يوليو 2013، وهو ما يبرر الدعم الكبير الذي تقدمه القيادات الإسرائيلية
للسيسي لدى الإدارة الأمريكية على وجه التحديد".
اقرأ أيضا: استنفار مصري لوقف انتشار حملة "باطل" ضد تعديلات الدستور