وُلدت المشاورات التي أطلقتها الرئاسة الجزائرية ميتة، بعد إعلان كبرى الأحزاب السياسية المعارضة والشخصيات الوطنية والمنظمات الحقوقية مُقاطعتها لها "انسجاما مع الرفض الشعبي".
ويضع هذا الموقف، رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، في مأزق سياسي كون الخيارات المتاحة أمامه شبه معدومة.
ومن أجل فكّ العزلة السياسية التي يعاني منها، بادر بن صالح بالإعلان عن تنظيم "اجتماع تشاوري" يوم الاثنين المقبل، دعا إليه الأحزاب السياسية والمنظمات والشخصيات الفاعلة في الساحة.
وينظر هذا الاجتماع، وفق ما أُعلن عنه، في بحث شروط تنظيم الانتخابات الرئاسية التي تصر السلطة مُنفردة على تنظيمها في 4 تموز/ يوليو المقبل.
وفور وصول الدعوة إليهم، أعلنت أحزاب حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية واتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية وباقي التشكيلات التي كانت منضوية في تكتل المعارضة، مقاطعتها لهذا الاجتماع، بداعي أن مشاورات بن صالح المرفوض شعبيا ستزيد من عمق الأزمة السياسية وتمثل استفزازا خطيرا للشعب.
ومن جانب نشطاء الحراك، أبرز مصطفى بوشاشي المحامي والحقوقي في تسجيل صوتي له، أن النظام بهذه المشاورات يعبر عن استهتاره بالشعب، مُطالبا الشخصيات الوطنية برفض التوجه إلى قصر المرادية.
اقرأ أيضا : تظاهرات ضخمة بالجزائر بجمعة "تنفيذ المطالب" (شاهد)
كما أعلنت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، تحفظها عن المشاركة، وقالت إن هذه العملية هي بمثابة إدارة ظهر للجزائريين.
وعبّر المحتجون في مسيرات اليوم، عن رفضهم المُطلق لهذه المشاورات، واعتبروا من يشارك فيها "خائنا" للحراك الشعبي.
وصبّ المتظاهرون جامّ غضبهم على المرشح الرئاسي السابق عبد العزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل الذي ظهر أمس في صور مع رئيس الدولة المؤقت في رئاسة الجمهورية.
وذهب بعض المتظاهرين إلى غاية الدعوة إلى ما سموه "الزحف نحو العاصمة" يوم الاثنين من أجل إفشال هذه المشاورات.
انسجام مع الشارع
وفي تقدير أستاذ الإعلام بجامعة تيبازة حمزة هواري، فإن موقف المعارضة الرافض لهذه المشاورات، يأتي "تماهيا مع مطالب الجماهير الرافضة لابن صالح كرئيس للدولة".
ويوضح هواري في تصريح لـ"عربي 21" أن "خطاب المعارضة منذ 22 تبنى مطالب الشارع ولا يمكن لها الآن أن تتراجع أو تقترب من السلطة، فكل من اقترب من السلطة اكتوى من نار الجماهير الغاضبة والمصرة على رفض كل رموز النظام".
ويضع هذا الرفض العارم لكل ما يصدر عن السلطة، رئيس الدولة المؤقت في وضع لا يُحسد عليه، إذ كان يراهن على تحقيق اختراق في صفوف المعارض من أجل التخفيف من دعوات رحيله في الشارع.
ويحدّ هذا الواقع، كثيرا من هامش المناورة لدى رئاسة الجمهورية التي ما تزال تصر على تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها، مما يجعل بدائلها محدودة جدا.
ويرى بوحنية قوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة، أن "خيارات السلطة اليوم محدودة إن لم نقل شبه منعدمة، في ظل الرفض المبرر للتواصل معها من شخصيات ورموز المعارضة".
ويبرز قوي في تصريح لـ"عربي 21"، أن السلطة "إن رغبت في المشاورات فعليها وضع سقف دقيق، يحدد المخرج من المأزق الدستوري والقانوني الحالي، بالإضافة إلى توسعة الاستشارة للشخصيات الوطنية التي يمكنها تقديم البدائل وليس الشخصيات التي كانت جزءا من المشهد الأزماتي السابق".
ويصل العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، في تحليله إلى الجزم بأن "إجراء الانتخابات في الظروف الحالية، عملية مستحيلة لاعتبارات كثيرة، أولها الرفض المطلق للمعارضة وللحراك الاشتراك في هذه العملية، وثانيها رفض أكثر من ثلث البلديات في عديد الولايات الانخراط في عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية، وثالثها غياب هيئة للمراقبة والإشراف على العملية بسبب إنهاء مهام أعضائها".
خيارات المعارضة
لكن ما هي الخيارات البديلة للمعارضة بعد رفضها التشاور مع بن صالح؟ يبقى هذا السؤال مطروحا بإلحاح في ظل عدم توحد الأحزاب السياسية على خريطة طريق بديلة واضحة.
ويقول الكاتب الصحفي عثمان لحياني، أن المعارضة برفضها التشاور مع بن صالح كانت منسجمة مع مواقفها، ومتفطنة لأن الرئيس المؤقت لا يستهدف إجراء مشاورات بقدر ما هو يحاول الحصول على اعتراف سياسي لشخصه ولصفته كرئيس دولة والحصول على شرعية نسبية.
ويوضح لحياني في تصريح لـ"عربي 21"، أن "المعارضة تدرك بوضوح أن الجيش هو من يعرقل الحل السياسي لكنها لا تريد التسرع باستدعاء مواجهة سياسية مع الجيش".
وتطرح أحزاب في المعارضة تعويض رئيس الدولة الحالي بشخصيات توافقية تسير الدولة في المرحلة الانتقالية، في إطار حل سياسي يبتعد عن إكراهات الدستور الحالي.
ويقول إسماعيل سعداني مائب رئيس حزب جيل جديد المعارض، إن الحل يكمن في رحيل رؤوس الأزمة وتعيين رئيس أو هيئة رئاسية توافقية، تعيد النظر في قانون الانتخابات وقانون الاعلام وتنشئ هيئة مستقلة تقوم بتحضير وتنظيم وتسيير الانتخابات المقبلة.
ويرى سعداني في تصريح لـ"عربي 21" أن الشخصيات التوافقية التي تحظى بثقة الشارع موجودة، على الرئيس السابق اليامين زروال أو رئيسي الحكومة السابقين مولود حمروش وأحمد بن بيتور أو وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي.
محاربة الفساد بالجزائر.. مسار حقيقي أم تصفية للحسابات؟
جلسة مرتقبة لبرلمان الجزائر ومخاوف من إعادة انتاج النظام
ربوح: هكذا استطاع بوتفليقة توريط بعض المعارضة الجزائرية