بعد ساعات من اعتذاره عن المشاركة في المجلس
العسكري الانتقالي بقيادة وزير الدفاع
السوداني، عوض محمد أحمد بن عوف، الذي أعلن
الإطاحة بالرئيس عمر
البشير، تصدر اسم "
حميدتي" قائمة الأكثر بحثا في
"غوغل"، وأصبح الجنرال الشاب بمواقفه وتصريحاته اللافتة محط أنظار
الجميع محليا وإقليميا وعالميا.. فمن هو "حميدتي"؟
"حميدتي" هو اللقب الذي يشتهر به
ابن قبيلة المهرية في إقليم دارفور، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد
حمدان دقلو (43 عاما)، الذي تم تعيينه نائبا لرئيس المجلس العسكري الانتقالي
بقيادة عبد الفتاح البرهان بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير، ويعتبره مراقبون
الحاكم الفعلي الحالي للسودان.
"جنرال لم يكمل تعليمه"
يقول عنه القيادي في الحزب الاتحادي السوداني غالب طيفور، إنه شخصية
نبعت من عدم، وتحول من مجرد راعي غنم وقاطع طريق ثم تاجر إبل وأقمشة مغمور إلى
رتبة عسكرية رفيعة بعد أن التحق بمليشيات الجنجويد المسؤولة عن الجرائم
والانتهاكات الواسعة النطاق ضد المتمردين على النظام السوداني بإقليم دارفور خلال
عامي 2003 و2004.
تم اختيار "حميدتي" لقيادة مليشيات
الجنجويد لقدرته على تنفيذ أوامر القتل والتعذيب دون سؤال عن الأسباب، وارتكب
جرائم دموية مثل اغتيال طلبة انتفاضة سبتمبر 2013، وجريمة مركز اليوناميد في خور
أبشي عام 2014، بحسب طيفور.
كان "حميدتي" قبل أسابيع، من أخلص
حلفاء الرئيس عمر البشير، بل إن البشير كان يلوّح به -في إطار توازن القوى- لكل من
تسوّل له نفسه التمرد على السلطان، بحسب رأي الكاتب والصحفي السوداني عبد الباقي
الظافر.
تمكن "حميدتي"، وفقا للظافر، من
قراءة مشهد نهاية عهد البشير بسرعة، فأصبح جزءا من آليات التغيير في محيط دائرة
كبار الجنرالات، وفي صباح الثورة تمكن من إعادة فرز مواقفه بالتقرب إلى مركز القوة
الجديد المتمثل في الشارع الغاضب، عبر تبني مطالب تقليل الفترة الانتقالية، وهذا
التقدير وضع على كتفه نجمة إضافية مع موقع الرجل الثاني، وبعدها لم يتحدث عن أمد
الفترة الانتقالية.
ويصف الصحفي السوداني بهاء الدين عيسى، قائد
قوات الدعم السريع قائلا: "رجل مثير للجدل، ينحدر من قبيلة الرزيقات، لم ينجح في إكمال تعليمه، أصبح ذائع الصيت،
تتناوله وسائل الإعلام كثيراً في الآونة الأخيرة، وضجت به الأسافير، وتباينت حوله
الآراء، وكثرت حوله الاستفهامات".
لماذا تدعمه السعودية والإمارات؟
يقول الكاتب الأمريكي الخبير في الشأن
السوداني، إريك ريفز، إن "حميدتي" أصبح بالفعل سيّد اللعبة الآن في
السودان، وإنه الشخص الذي فرض صديقه العميد عبد الفتاح البرهان على المجلس العسكري
[الذي يترأسه البرهان الآن].
ووفقا للكاتب الأمريكي، يقف وراء
"حميدتي" كبار القادة العسكريين والسياسيين العرب في دارفور. كانوا
نشطين حتى قبل الحرب في دارفور، إنهم المخترعون الحقيقيون للجنجويد. والتصور (الذي
يتبناه هؤلاء القادة السياسيون والعسكريون) هو وجود نظام عسكري مؤيد للعرب ولكن
غير إسلامي، وهم يعتقدون أن هذا مقبول بالنسبة للسعودية والإمارات، وربما للولايات
المتحدة.
ولعب حميدتي دورا بارزا في مشاركة القوات
السودانية في التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات في حرب اليمن، وهو ما
مكنه من التقارب مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وولي العهد السعودي محمد بن
سلمان.
وكانت مصر والسعودية والإمارات من أوائل الدول
التي أعلنت تأييدها للمجلس العسكري السوداني، وعرضت تقديم المساعدات له، وهو الأمر
الذي قابله محتجون معتصمون في الخرطوم برفع لافتات مكتوب عليها "لا للتدخل
الإماراتي والسعودي والمصري".
وكان سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد مختار
الخطيب، قد حذر، خلال مؤتمر صحفي له الثلاثاء الماضي من المحاولات التي تبذلها دول
إقليمية، لم يسمها، لتحويل مسار الثورة السودانية، وتوجيهها لخدمة أجندتها الخاصة
المعادية لدول أخرى صديقة للسودان.
وزار الخرطوم مؤخرا وفد سعودي إماراتي مشترك
عقد لقاء مغلقا مع قادة المجلس العسكري، تعهد خلالها بتقديم مساعدات اقتصادية
للسودان.
وقد التقى المجلس العسكري عمداً مع المسؤولين
البريطانيين والهولنديين والأوروبيين والأمريكيين، ولكن ليس مع الجنرال عبد الفتاح
البرهان، رئيس المجلس، وإنما اجتمع إليهم "حميدتي"، وسط تساؤلات: "لماذا يلتقونه هو ولا يلتقيهم رئيس المجلس: الجنرال عبد الفتاح البرهان؟".
ويسعى حميدتي المعين حديثا في المجلس العسكري
لما بعد الانقلاب، إلى طمأنة السفراء والبعثات الدبلوماسية في البلاد، بعد الأزمة
التي شهدتها البلاد وأفضت إلى رحيل رأس النظام السوداني.
"روايته عن نفسه"
وفي لقاء قديم له مع صحيفة "الوطن"
السودانية، عرف "حميدتي" نفسه قائلا: "أنا محمد حمدان دقلو من
مواليد كتم بشمال دارفور، درست المرحلة الابتدائية في (قريت) بالقرب من منطقتنا
الأصلية، ثم انتقلنا لمنطقة جنوب دارفور، وهنالك تلقيت تعليمي بخلاوي تحفيظ القرآن
على يد الشيخ السنوسي ضو البيت لمدة خمس سنوات".
وعن طبيعة عمله قبل الالتحاق بقوات الدعم
السريع، أجاب: "كنت أعمل تاجراً، بدأت مهنة التجارة في العام 1989م في مدينة
مليط، حيث كنت أنقل البضائع من نيالا لميط لمدة ثلاث سنوات، ثم توسعت تجارتي وصرت
أُتاجر عبر الحدود أو ما يعرف بـ(تجارة الحدود) من السودان - ليبيا - تشاد حتى
العام 2003".
وتابع: "عندما قامت ثورة الإنقاذ في 2003
كنت في مليط أُتاجر بالمواشي والإبل بين ليبيا والسودان، وعندما اندلع التمرد في
منطقة شمال دارفور وتوسع حتى جنوب دارفور كان أبناؤنا من المقاتلين الذين يستنفرون
في القتال بقوات الدفاع الشعبي ضد التمرد، وهو ما أدخلني في هذه القضية".
وأردف: "تفاكرنا حول دورنا الذي كان ينتهي
بنهاية العمليات، مستندين على تجربتنا في منطقة الضعين، وقلنا إن من الأفضل أن نقنن
أوضاعنا ونصبح عسكرا نظاميين بملفاتنا ورواتبنا وحقوقنا إن استشهد أحدنا أو جُرح،
ورأينا أن نصل إلى الدولة في الخرطوم ونجلس معها لنصل لصيغة تحفظ حقوقنا كمقاتلين".
واستطرد: "جئت للخرطوم والتقيت بالفريق
عوض بن عوف وكان وقتها برتبة لواء، وطرحت عليه فكرة أن نأتي بـ"ناس"
أكفاء وعندهم خبرة في القتال وفوق ذاك منضبطين وعندهم خلق ودين والكثير من صفات
أهل البادية ونجندهم في الجيش ويصبحوا نظاميين في القوات المسلحة، وبالفعل تمت الموافقة على طلبنا بعد اختبار هؤلاء
الأفراد وإخضاعهم للتدريب وأخذ جرعات كافية من قوانين الالتزام العسكري وأصبحوا من
بعد جنودا للوطن".
وذكر حميدتي في فيلم وثائقي أعدته نعمة الباقر،
الصحفية البريطانية ذات الأصل السوداني في عام 2008، أن عمر البشير طلب منه مساعدة
النظام في حربه ضد ( المتمردين).. و أنه قد تلقى مالاً من البشير وتلقى وعدا
بالصرف على مليشيا الجنجويد بسخاء".
ومنذ 2007 احتفظت مليشيا الجنجويد بخصوصيتها،
وأطلق عليها اسم "قوات الدعم السريع" التي كانت تتبع قبل كانون الثاني/
يناير 2017 جهاز الأمن والمخابرات، ثم أُلحقت بعد ذلك بالجيش.
وتقول بعض التقارير المحلية إن قوة الدعم
السريع تتألف من أكثر من 30 ألف عنصر، وجرى تسليحها بشكل جيد على نحو ينافس قوات
الجيش البرية كما أن البشير عزز من نفوذها خلال الفترة الأخيرة في خلق مركز قوة
موازٍ للجيش حتى يتفادى إمكانية حدوث انقلاب عسكري.. لكن المفاجأة الكبرى، أن هذه
القوات كانت في مقدمة المنقلبين على البشير، بل ويميل معلقون سودانيون إلى الحديث
عن أن حميدتي كان له دور هام في كواليس الإطاحة بالبشير، وأنه رفض رفضا قاطعا
استخدام البشير للأدوات والقوات الأمنية في قمع المحتجين.
وأعلنت قيادة الجيش السوداني، الخميس الماضي،
عزل واعتقال الرئيس عمر البشير، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت في 19 كانون الأول/
ديسمبر الماضي، تنديدا بالغلاء ثم طالبت بإسقاط النظام الحاكم منذ ثلاثين عاما.