نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا بينت فيه أن عملية انتقال السلطة في السودان إلى قيادات مدنية لا تزال رهينة الصراعات والنفوذ الداخلي والإقليمي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في 23 نيسان/ أبريل الماضي، أعلن الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي عبد الفتاح السيسي أن رؤساء الدول الأفريقية المشاركين في قمة القاهرة أطلقوا خطابا مشتركا منحوا من خلاله ثلاثة أشهر للجيش قبل صياغة نظام دستوري يضمن انتقالا سياسيا يقوده السودانيون أنفسهم.
وأكدت الصحيفة أن المحتجين في السودان تساورهم الشكوك إزاء النوايا الحسنة لهذا التصريح الأفريقي المشترك.
ويعد ممثلو الحراك السوداني أن هذا التصريح حيلة لكسب الوقت من أجل ترسيخ المجلس العسكري الانتقالي تدريجيا في السلطة، خاصة أن الجنرالات الذين يحضّرون لهذا المجلس يحظون بدعم إقليمي، وتحديدا من السعودية والإمارات ومصر.
خدعة مهلة الاتحاد الأفريقي
وفي 15 نيسان/ أبريل، أي بعد مضي أربعة أيام على الانقلاب في السودان، وجه الاتحاد الأفريقي إنذارا لأعضاء المجلس العسكري الانتقالي الذي يترأسه الجنرال عبد الفتاح البرهان، مطالبا إياه بتنظيم عملية نقل الحكم إلى السلطات المدنية خلال الأسبوعين المقبلين. كما أنه هدد الاتحاد الأفريقي بفرض عقوبات في حال لم يستجب الجيش السوداني لدعوته، مشيرا إلى إمكانية طرد السودان من الهيئات المكونة للاتحاد الأفريقي.
وأضافت الصحيفة أن المهلة التي اتفق عليها الحاضرون في مؤتمر القاهرة كانت أطول من المهلة التي حددها الاتحاد الأفريقي.
وفي الواقع، إن مهلة القاهرة يمكن أن تدفع أكثر نحو الخروج من المأزق الحالي في ظل تذبذب المفاوضات بين قيادات الجيش وبين ممثلي الحراك المنضوين تحت إعلان الحرية والتغيير الذي أعلنه تجمع المهنيين السودانيين.
اقرأ أيضا: اتفاق أفريقي بالقاهرة على مد مهلة تسليم الحكم بالسودان
وأفادت الصحيفة بأن المفاوضات الأولى بين الطرفين أفضت إلى تأسيس مجلس سيادة يقوده أعضاء من الجنسين في البلاد، إلى جانب تأسيس حكومة مدنية تتكفل بإدارة فترة الانتقال الديمقراطي، المرجح أن تستغرق من سنتين إلى أربع سنوات.
ومع ذلك، يواصل السودانيون المضي قدما في احتجاجهم مطالبين برحيل الجيش وترسيخ نظام مدني.
ونوهت الصحيفة إلى أن مدينة عطبرة باتت تمثل رمزا للاحتجاج بعد سقوط عمر البشير، لأنها تعد مدينة النقابات والعمال، حيث يحظى الحزب الشيوعي بتأثير كبير.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين إلى حشد "مظاهرة مليونية" يوم الخميس 25 نيسان/ أبريل. ولكن إعلان الحرية والتغيير الذي يجمع بين تجمع المهنيين السودانيين وحركات مسلحة، قطع المفاوضات مع الجيش، بسبب الخلافات حول معالم المؤسسات الانتقالية في المستقبل.
وداخل الحركة المدنية، بدأت تلوح في الأفق عدة توجهات ذات أهداف مختلفة. وهناك بين المحتجين من يشكك في السرية التي تحيط بتجمع المهنيين السودانيين، إما عبر نشر بيانات أو عبر التصاريح التي يدلي بها "المتحدث الرسمي" باسم التجمع، رغم أن التجمع قال مرارا إنه ليس لديه متحدث باسمه.
وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية وعدت بتفعيل خطة إنقاذ تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات دولار سيخصص جزء منها لتمويل البنك المركزي السوداني، أما البقية فستكون في شكل مساعدات تتمثل في أدوية وقمح ووقود. ولكن هذه الخطة لا تعيد هيكلة الاقتصاد السوداني، وعلى الرغم من أن هناك مخططات أخرى من داخل السودان إلا أنها لا تحظى بالأغلبية.
حميدتي وطه الحسين
وأكدت الصحيفة أن الرجل الثاني في المجلس العسكري الانتقالي، محمد حمدان دوغلو (حميتي)، لا يزال على رأس قوات الدعم السريع أو ما يسمى بميليشيات جنجاويد سابقا، التي تورطت في أعمال عنف في إقليم درافور.
وبدأ محمد حمدان دوغلو يبرز شيئا فشيئا على الساحة، حيث تنتشر قواته حاليا في الخرطوم، وتوفر قدرا كبيرا من الأمن.
وأمام حشد من الضباط، أعلن محمد حمدان دوغلو أنه لا يريد السلطة، على الرغم من أن العديد من المصادر أشارت إلى أنه يتحلى بالعديد من الصفات التي يحبها "عرابو" المنطقة.
اقرأ أيضا: صعود غامض و"خلفية مثيرة" لحاكم السودان الفعلي بعد البشير
ويعتبر طه عثمان الحسين من بين الشخصيات التي تحظى بنفوذ هام ضمن المجلس العسكري الانتقالي، دون أن يوضح مهامه بالضبط.
وأوردت الصحيفة أن طه عثمان الحسين، الذي كان من بين أبرز مستشاري البشير، كلف بتولي العلاقات مع بلدان الخليج، مع العلم أنه سبق له أن قاد مفاوضات سنة 2016 أدت إلى القطيعة بين السودان وإيران في سبيل إرضاء السعودية.
ويقف الحسين وراء إرسال الخرطوم لقوات سودانية للمشاركة في حرب اليمن ضمن التحالف الذي تقوده الرياض. ووقع انتداب هذه القوات السودانية من قوات الدعم السريع التي يديرها الجنرال حميتي بدعم من قائد جيش البر الجنرال البرهان، الذي يترأس المجلس العسكري الانتقالي.
ومع مرور الوقت، نشب خلاف بين الجنرال طه والبشير، حيث أنه وفقا لبعض المصادر، أخفى الجنرال طه قرابة مئة مليون دولار وحولّها إلى حسابه دون علم البشير. بعد ذلك، فر الجنرال طه من السودان متجها نحو السعودية ليصبح مستشارا لولي العهد محمد بن سلمان. وتورط كذلك طه عثمان الحسين في صراع النفوذ بين المملكة وقطر، لذلك هو يعتبر بمثابة "رجل الرياض" في الخرطوم.
إيكونوميست: الشعب السوداني أطاح باثنين وعينه على الثالث
نيويورك تايمز: هذه هي تفاصيل العملية الانقلابية على البشير
DW: كيف ستحقق السعودية أهدافها في السودان؟