نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للكاتب كالفيرت دبليو جونز، تحت عنوان "كل مستشاري الملك: مخاطر نصح الديكتاتوريين"، يناقش فيه دور الشركات الاستشارية العالمية في تقديم النصح للدول المستبدة، مثل السعودية.
ويبدأ جونز مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بتساؤل طرحه رجل أعمال ومتعهد سعودي عام 2016 على الكاتب، قائلا: "هل يعرف ولد لبناني من هارفارد أكثر مما أعرفه أنا عن شوارع الرياض؟"، في شكوى واضحة من العدد الضخم للمستشارين الأجانب الذين يهمسون في آذان القيادة السعودية.
ويرى الكاتب أن هذه الظاهرة ليست محصورة في المملكة ولا الشكاوى أيضا، فقال مستشار إماراتي للكاتب: "عيونهم على أموالنا" وهناك "عدد كبير من الاستراتيجيين وعمل أقل".
ويشير جونز إلى أن "الخبراء يؤدون دورا ثمينا وواضحا في تقديم النصح لقادة الدولة الليبرالية والديمقراطية الثرية وللمعاهد الدولية أيضا، لكن دورهم في نصح الأنظمة الديكتاتورية وزعماء الدول النامية غير معروف، ويعد هذا مشكلة لأن الدولة المستبدة من الصين إلى السعودية باتت تعتمد على شركات العلاقات العامة ومراكز الأبحاث والجامعة للنصح والاستشارة".
ويلفت الكاتب إلى أن سوق الاستشارات لدول الخليج وصل في عام 2017 إلى 2.8 مليار دولار، نصفه دفعته السعودية، وذلك بحسب "سورس غلوبال ريسيرتش"، مشيرا إلى أن الخبراء يبدو أنهم لم يكونوا جاهزين للتعامل مع العيوب المحتملة للعمل في سياقات ديكتاتورية.
ويذكر جونز أن "الخبراء الذين يساعدون أنظمة متهمة بانتهاك حقوق الإنسان والفساد، وغير ذلك من الانتهاكات، أثاروا في الأشهر القليلة الماضية انتقادات متزايدة في الولايات المتحدة، التي جاء منها معظمهم وفي الدول التي يعملون فيها، وكمثال على هذا شركة ماكينزي التي تعد قائدة في مجال الاستشارة والإدارة، فهي إلى جانب عدد آخر في قطاع الاستشارات تتعرض للتدقيق؛ لعملها مع حكومات وشركات مملوكة من الحكومات ذات سمعة غير طيبة".
وينوه الكاتب إلى أن "الشركة أصدرت بيانا في تشرين الأول/ أكتوبر، أعربت فيه عن رعبها من استخدام السعودية لتقرير أعدته عن استخدم منابر التواصل الاجتماعي في السعودية، لاستهداف المعارضين السياسيين هناك، وقبل ذلك بأشهر تورطت الشركة في فضيحة فساد كبرى في جنوب أفريقيا، حيث اعترفت أنها بالغت في أجرها من شركة (إسكوم) المملوكة من الدولة، وفشلت في التحقق من نظافة واحدة من الشركات المشاركة لها هناك، ووافقت ماكينزي في النهاية على إعادة حوالي 74 مليون دولار لحكومة جنوب أفريقيا".
ويشير جونز إلى أن الشركة اعترفت قائلة: "لم نكن حريصين بما فيه الكفاية حول من نرتبط بهم.. لم نفهم الأجندة التي كان تنفذ"، لافتا إلى أن هذا اعتراف مهم؛ لأن الشركات التي تعمل مع الأنظمة الديكتاتورية، أو تلك التي يستشري فيها الفساد، تكون أمام مخاطر جمة.
ويرى الكاتب أن "الخبراء يحاولون عادة تقديم رؤية عقلانية لطريقة صنع القرار الحكومي، وتعزيز شرعيته، وتشير الأدلة إلى أنهم ينجحون في تحقيق هذه الأهداف، وهذا صحيح في سياق نظام سياسي مفتوح، فهل يستطيعون عمل الشيء ذاته في سياق أنظمة مستبدة وهل عليهم المحاولة أصلا؟".
ويقول الكاتب إنه قضى 19 شهرا ما بين 2009 – 2017 ليجيب على هذا التساؤل، للعمل على دراسة ميدانية في الشرق الأوسط، وركز فيها على الإمارات العربية المتحدة وملكيات الخليج الأخرى، التي يعمل فيها الخبراء بشكل قريب مع حكامها، وفي مجالات الحكم، وقابل عددا من المستشارين وشركات استشارات كبرى وممثلي الجامعات، وعددا من النخب الحاكمة بمن فيهم حاكم دولة.
ويلفت جونز إلى أنه راقب خلال المقابلات كيف يعمل المستشارون، وجمع بيانات نوعية حول رؤية المواطنين لشركات الاستشارات، ووجد أن خبراء الاستشارات يساعدون أحيانا الأنظمة على الحكم بطريقة جيدة، لكن تأثيرهم وفعاليتهم تتلاشى مع مرور الوقت، خاصة عندما يترددون في الحديث بصراحة عن المعوقات التي تقف أمام التقدم، بالإضافة إلى أن عمل المستشارين لا يؤدي إلى تعزيز شرعية النظام المستبد، بل على العكس.
ويرى الكاتب أن نتائجه مهمة لصناع السياسة الامريكية والغربية، الذين يواجهون صعودا في تيار الاستبداد والديكتاتورية في العالم، و"ربما ناقش الواحد أن مساعدة الأنظمة الديكتاتورية في مناطق، مثل السعودية والصين، تؤثر على المصالح الأمريكية، خاصة عندما تؤدي المساعدة بالأنظمة الديكتاتورية لقمع المعارضة وخرق حقوق الإنسان، لكن هذه الأنظمة ظلت مستمرة وباقية رغم التكهنات المستمرة حول انهيارها القريب؛ وهذا بسبب الثروة والنمو الاقتصادي الذي انتجته العولمة".
ويؤكد جونز أن "النصح الذي تقدمه شركات الاستشارات لا يتعدى هذه العوامل، فلو قررت الشركات الخروج من الصين والسعودية فلن ينهار النظامان فيهما، لكن عدم تأثير عمل هذه الشركات على بقاء النظام، كما يدعي نقادها، لا يعني أن عملها لا يترك تداعيات استراتيجية".
ويقول الكاتب إن "المتوقع من الخبراء أن يكونوا من (البصيمة)، ويقولون للأنظمة الأشياء التي يحبون سماعها، لكن الحقيقة أكثر تعقيدا، فهناك مستشارون أقل التزاما بالمبادئ من غيرهم، ففي مناطق الخليج يحاول المستشارون تسويق وتقديم خطط تقدم الحلول كلها، وهناك المتخصصون في قطاعات مثل الأمن والرقابة، التي عادة ما تثير ردة فعل داخل الدول التي ينصحونها ودوليا".
وينوه جونز إلى أن "معظم الخبراء يعبرون عن رغبة في تحقيق تقدم في قطاعات مثل التعليم والبنى التحتية والإدارة، ولا يشعرون أنهم متورطون في أخطاء الأنظمة المستبدة، بل على العكس يشعرون أنهم يضيئون شعلة من الداخل، وعادة ما يقومون، في البداية وعندما يدرسون التحديات بجمع المعلومات وتحديد الحلول الممكنة، وفي البداية يكون الخبراء في وضع جيد للتأثير المنطقي على الديكتاتوريين الذين يندهشون من حجم المشكلات التي أخفتها عنهم حاشيتهم، ففي القطاع التعليمي يقوم الخبراء بجمع البيانات على المستوى المحلي، ويقدمون تقارير صريحة للنخبة الحاكمة، كما في تقرير لشركة ماكينزي عن التعليم في البحرين، الذي وصف بـ(العميق وكشف عن أشياء محرجة) للنخبة، وفي البداية يكون الخبراء مستعدين لقول الحقيقة للسلطة، لكنهم يواجهون مشكلات مع تطور المصاعب، ويطلب منهم إعادة النظر في تقاريرهم، واقتراح طرق عمل أخرى".
ويبين الكاتب أنه "مع مضي الوقت يتعلم الخبراء التكيف مع المحفزات المتجذرة في السياق الديكتاتوري السياسي، وتعديل أو تحديد نصائحهم، ويكتشفون أن الاستغناء عن خدماتهم سهل، رغم التأكيدات التي حصلوا عليها دون أي إصلاح للوضع، ويمكن بسهولة ترحيل المستشار الأجنبي، أو الطلب منه بأدب المغادرة، ووقف عمل العمال المحليين معه دون أي تفسير، ويكتشف الخبراء التناحرات والتنافس داخل المؤسسة الحاكمة ويجدون أنفسهم وسط المؤامرات داخل القصر".
ويشير جونز إلى أن مستشارا في البحرين وصف الأمر بأنه مثل لعبة الكراسي الموسيقية: "كان رئيس الوزراء أولا، ثم ولي العهد، وبعد ذلك وزير التعليم"، وكل واحد يتنافس مع الآخر، وبفريق استشاريين حول كيفية الإصلاح.
ويقول الكاتب: "في النهاية يكون المستشارون كبش فداء عندما لا تسير عملية الإصلاح في الطريق الصحيح، حيث اعتبرت مقترحات قدمتها مؤسسة راند لقطر بأنها (خطة راند)، مع أن الأمير هو الذي اختارها، ومع مرور الوقت تقل جاهزية الخبراء للحديث بصراحة، ويقل حديثهم من أجل البقاء في أعمالهم، وكما قال المتعهد السعودي: (يقولون (الخبراء) رأيهم في اليوم الأول، وعندما يقال لهم لا، نريد عمل هذا بطريقتنا، وبعدها يصمتون ويفعلون ما يطلب منهم)".
ويفيد جونز بأنه "مع مرور الوقت تصبح نوعية النصيحة أقل، بل ويسهمون أحيانا في تدهور الوضع، وعندما يصبح المستشارون للأمير أو الحاكم واثقين في أنفسهم وقدرتهم على إحداث تغييرات سريعة وبكلفة قليلة، ويؤمنون بالطرق المختصرة للدولة، يجدون أنفسهم وسط مقايضات مع الدولة حول المدة الزمنية".
وينقل الموقع عن مستشار تعليمي في الإمارات، قوله: "الخطة التي قدمتها كانت تقضي بإصلاح المدارس كلها في غضون سبعة أعوام، وعندما رجعت من عطلتي خفضها وزير التعليم إلى خمس سنوات، وقرر الشيخ محمد بن راشد المكتوم أخيرا أنها ثلاثة أعوام"، وفي النهاية قبل المستشار ما فرض عليه.
ويقول الكاتب: "عندما يخيب أمل النخبة الحاكمة من عمل فريق الاستشارة تستبدله بآخر، أو تتحول نحو مشروع جديد لمعالجة الإصلاحات ذاتها وبخيبة جديدة، وعادة ما لا يتم التعلم من أخطاء الماضي بسبب ضعف المؤسسات، ورغم النكسات يظل الديكتاتوريون يتعاملون من المستشارين بصفتهم أمرا ضروريا يقدمون لهم تفكيرا جديدا".
ويلفت جونز إلى أن "الكثير منهم يرون المؤسسة البيروقراطية قديمة ومسيسة، وقد يكون هذا صحيحا، رغم أن أس المشكلة نابع من تعيين النظام المقربين له في مناصب الحكومة المهمة دون اعتبار للكفاءة، وعادة ما تتعامل الأنظمة المستبدة مع إحضار خبراء من الخارج على أنه إزعاج، لكن قادتها يرون فيهم طريقة لإظهار تعاملهم مع المشكلات الحاصلة بجدية، وكما قال أحد أعضاء العائلة الحاكمة في الإمارات يجب أن يثبت حكام الخليج أنهم ليسوا مثل حسني مبارك، الذي لم يستجب لمطالب التغيير، ما أدى إلى انتفاضة ضده عام 2011".
ومن أجل فهم رد فعل الرأي العام في دول تحكمها أنظمة شمولية من تدخل المستشارين في الإصلاحات والمشاريع، أجرى الباحث تجربة، قرأ فيها أولا موقف الرأي العام من شرعية الإصلاحات التي يقترحها المستشارون، ووجد أن المشاركين لم يروا في مشاريع الإصلاح طريقة لتعزيز الشرعية، خاصة عندما تؤدي الاستشارة الأجنبية دورا فيها، وفي المستوى الثاني سأل الباحث المشاركين عن موقفهم من جنسية المستشارين، أمريكيين، أو صينين أو كويتيين، ووجد أن الدعم للمشاريع تقل عندما يكون المشاركون فيها أمريكيين، مقارنة مع دعم الصينيين، وبدرجة أقل الكويتيين.
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا مهم، خاصة الدور الأمريكي في تحرير الكويت من قوات صدام حسين، وتشير نتائج التجربة إلى أن مشاركة الخبراء لا تضفي شرعية أو تمنح عقلنة للإصلاح، بل على العكس، وهذا لا يعني غياب الأثر الإيجابي للمستشار، لكن النتيجة تمثل تحديا، خاصة للمستشارين الذين يعملون قريبا من العائلات الحاكمة، طبعا لا يمكنهم عمل شيء نظرا لطبيعة الأنظمة الشمولية، ويمكنهم تجنب العيوب من خلال التركيز على الحقائق، والبحث عن الحلول، والتأكيد على استعدادهم لترك عملهم عند تجاهل نصائحهم".
ويقول جونز إن "عليهم أن يتعاملوا مع السكان المحليين وفهمهم بطريقة لا تغضب حكامهم، وربما تجنب المستشارون التعامل مع الأنظمة غير الديمقراطية، من خلال الابتعاد عنها جملة وتفصيلا، وخاصة المتورطة في انتهاكات حقوق إنسان".
ويرى الكاتب أن "المستبدين قد يستخدمون نصائح المستشارين لتحسين حياة مواطنيهم، وربما استخدموها لقمعهم، كما في حالة دراسة ماكينزي، ومن أجل العمل وبحذر مع الحكومات الشمولية على المستشارين وضع قواعد للتعامل مع هذه الحكومات، وأوصى مايكل بوسنر، من كلية الاقتصاد وحقوق الإنسان في جامعة نيويورك، بمنحهم القدرة على رفض التعامل مع الحكومة، أو الرد عندما تطلب منهم الحكومة الزبون التعاون في موضوع يؤدي لانتهاكات حريات أساسية، وعندما يستطيعون التخلص من العقود مع هذه الحكومات".
ويختم جونز مقاله بالقول إن "هذه نقطة بداية جيدة، إلا أنه في العالم السياسي الغامض لا يعرف الخبراء الكيفية التي سيتم فيها استخدام نصائحهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
أوبزيرفر: كيف ترك سقوط البشير السودان فريسة للقوى الإقليمية؟
وول ستريت: السعودية والإمارات تلعبان دورا كبيرا بالسودان
تقرير سري يكشف "تبعية" الرياض وأبوظبي للأسلحة الأمريكية