أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، مساء الاثنين الماضي، قرارها النهائي في الطعون التي قدمها حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وألغت نتائج الانتخابات المحلية في محافظة إسطنبول، وقررت إعادة إجراء الانتخابات لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى في 23 حزيران (يونيو) المقبل.
مخالفات قانونية
اللجنة العليا للانتخابات استندت في قرارها إلى تعيين 225 رئيسا و3500 عضو لصناديق الاقتراع بشكل غير قانوني، مشيرة إلى أن الأصوات التي أدلى بها الناخبون في تلك الصناديق يمكن أن تغير نتائج الانتخابات، كما أنها قررت تقديم شكوى قضائية بحق رئيس لجنة الانتخابات في إسطنبول وأعضائها ومدرائها بسبب مخالفتهم الصريحة للقانون، وتعيينهم رؤساء وأعضاء لصناديق الاقتراع من غير موظفي الدولة.
حزب العدالة والتنمية خاض منذ إعلان النتائج الأولية معركة قانونية لحماية إرادة سكان إسطنبول
القانون التركي ينص على أن لجنة الانتخابات تعين رؤساء الصناديق وأعضائها من بين الموظفين الحكوميين العاملين في الدوائر الرسمية، ولا تعطي قائمة رؤساء الصناديق وأعضائها أيا من الأحزاب السياسية أو وسائل الإعلام قبل الانتخابات. وفي إسطنبول، اتضح بعد مراجعة وثائق جمع الأصوات، أن عددا كبيرا من رؤساء الصناديق وأعضائها الذين أشرفوا على عملية التصويت والفرز، ليسوا من موظفي الدولة، بل تم تعيينهم من بين العاملين في القطاع الخاص والأشخاص الذين لا يحق لهم تولي رئاسة الصناديق وعضويتها.
تعيين رؤساء وأعضاء لصناديق الاقتراع من بين العاملين في القطاع الخاص مخالفة صريحة للقانون. ويبدو أن هؤلاء لعبوا دورا كبيرا في التجاوزات والخروقات وتجاهل الأصوات التي أدلى بها الناخبون لصالح مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم. ولا بد من أن تجيب لجنة الانتخابات في إسطنبول على هذا السؤال: "لماذا خالفت القانون وقامت بتعيين هذا العدد الكبير من العاملين في القطاع الخاص لرئاسة الصناديق وعضويتها؟". ومن المتوقع أن تكشف التحقيقات عن ملابسات هذا التلاعب المنظم والمتورطين فيه.
أدلة قوية
حزب العدالة والتنمية خاض منذ إعلان النتائج الأولية معركة قانونية لحماية إرادة سكان إسطنبول. وأكد قرار اللجنة العليا للانتخابات أن الأدلة التي قدمها الحزب للطعن في نتائج الانتخابات المحلية بإسطنبول كانت قوية، كما أنه دل على وقوع محاولة لسرقة إرادة الناخبين. والتزم قادة حزب العدالة والتنمية طوال هذه الفترة في تصريحاتهم بلهجة تحترم الدستور والقوانين وقرارات اللجنة العليا للانتخابات.
وفي المقابل، كانت حالة الارتباك والاستعجال تسود على قادة حزب الشعب الجمهوري الذين وصل بهم الأمر إلى تهديد أعضاء اللجنة العليا للانتخابات كي لا يُكشف التزوير، ولا يُعاد إجراء الانتخابات المحلية في إسطنبول، ليقبل الجميع النتائج المشبوهة كأمر واقع. وتوحي هذه الحالة بأن قادة حزب الشعب الجمهوري كانوا على علم بما حدث في إسطنبول من خروقات واسعة وتجاوزات منظمة، حتى وإن لم يكونوا متورطين فيها.
الكرة في ملعب الناخبين
الكرة الآن في ملعب الناخبين في عموم محافظة إسطنبول. ويطرح محللون أسئلة لاستشراف نتائج جولة الإعادة وما بعدها، مثل: "هل يتعاطف الناخبون مع مرشح حزب الشعب الجمهوري ويعتبرونه مظلوما؟"، و"هل يكون الفوز مشكوكا به في حال فاز مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم في 23 حزيران (يونيو) المقبل؟" و"ماذا لو فاز أكرم إمام أوغلو بفارق أكبر؟".
في نهاية المطاف، سكان إسطنبول هم الذين سيقررون الفائز، وليس حزب العدالة والتنمية.
أولا، هناك عشرات الآلاف من الأصوات التي أدلى بها الناخبون لصالح بن علي يلدريم، ولكن رؤساء الصناديق وأعضاؤها لم يسجلوها في قوائم جمع الأصوات، على الرغم من أنها أصوات صحيحة أو سجلوها لصالح مرشح آخر. وبعبارة أخرى، هناك محاولة واضحة لسرقة إرادة سكان إسطنبول. وإن نجح حزب العدالة والتنمية خلال حملته الانتخابية في شرح تفاصيل عملية التلاعب فحينئذ سيرى الناخبون أن مرشح حزب العدالة والتنمية هو المظلوم وليس مرشح حزب الشعب الجمهوري.
ما يطالب به حزب العدالة والتنمية هو إجراء انتخابات نزيهة، بعد أن ثبت حدوث تلاعب في الانتخابات التي أجريت في 31 آذار (مارس) الماضي. وفي نهاية المطاف، سكان إسطنبول هم الذين سيقررون الفائز، وليس حزب العدالة والتنمية. وهل كان على حزب العدالة والتنمية أن يسكت على الخروقات والتجاوزات، وأن لا يستخدم حقه الدستوري؟ وإن كان ما فعله حزب العدالة والتنمية دستوريا وقانونيا وأخلاقيا بل هو واجب على كل غيور على الديمقراطية وتجلي الإرادة الشعبية، فلماذا يريد البعض منه أن يسكت على سرقة أصوات الناخبين وإرادتهم؟ أمر يصعب فهمه.
تحالف الجمهور الذي أقامه حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية فاز برئاسة البلدية في 25 قضاء من أصل 39 بلدية في محافظة إسطنبول. وفي المقابل فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة البلدية في 14 قضاء فقط. والفرق بين الاثنين كبير للغاية. ولا يعقل على الإطلاق أن يفوز تحالف الجمهور بكل هذه البلديات، ويخسر في بلدية إسطنبول الكبرى. ولذلك، فإن تحالف الجمهور واثق بأن مرشحه سيفوز في جولة الإعادة. ولكن حتى لو خسر فيها وفاز مرشح تحالف الملة فمن المؤكد أنه سيحترم النتائج.
إن أجريت الانتخابات المحلية بشكل شفاف ونزيه وخال من التجاوزات والخروقات، ثم فاز فيه بن علي يلدريم، فليس من حق أحد ـ مهما كانت صفته ـ أن يشكك في فوزه. كما أن حزب الشعب الجمهوري أو أي حزب سياسي آخر مشارك في جولة الإعادة يمكن أن يستخدم حقه الدستوري ويطعن في النتائج، لتقول اللجنة العليا للانتخابات كلمتها الفاصلة. لأن الدستور جعلها المشرف على إجراء الانتخابات والحكم في فصل الخلافات المتعلقة بالانتخابات. وعلى الجميع أن يحترم قراراتها.
*كاتب تركي