قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست: إنه لن تكون
هناك
حرب وشيكة مع
إيران، لأن ذلك لا يتفق مع مصلحة الرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب.
وأوضح هيرست في مقال له بصحيفة "
ميدل إيست
آي" البريطانية، ترجمته "
عربي21" أن ترامب "رجل مبيعات، وما من
شك أنه شخص تافه، لكنه بات
مولعاً بفكرة الإتيان بصفقة خاصة به، لكي تصبح ورقة يلوح بها في وجه العالم، ولك
إن رغبت أن تطلق على ذلك مصطلح فن إبرام الصفقات النووية".
وأضاف: "يرفع ترامب عقيرته بالكلام، ويلوح
بعصي أحجامها وأوزانها متغيرة، ولكنها في الواقع لا تبلغ حد أن تشكل الرادع الذي
يرغب فيه. سوف يتطلب توجيه ضربات جوية لإيران شهوراً من التحضير، والأهم من ذلك،
أن مثل هذه الضربات ستتطلب شهوراً للتنفيذ".
ولفت هيرست إلى أنه ومع تأهب الولايات المتحدة
للدخول في موسم الانتخابات، تعلم طهران أن الرئيس الأمريكي، "لا يملك الشجاعة
لخوض القتال وأن الوقت ليس لصالحه إذا ما رغب في الإعداد لذلك. ولذلك تكمن مصلحة
إيران في التأجيل والانتظار لمعرفة ما إذا كان ترامب سيفوز بفترة رئاسية ثانية".
وفي ما يأتي النص الكامل للمقال:
مع تأهب الولايات المتحدة للدخول في موسم
الانتخابات، تعلم طهران أن ترامب يفضل إبرام صفقة نووية خاصة به بدلاً من التوجه
إلى الحرب
في بعض الأوقات عليك أن تنصت جيداً لدونالد
ترامب حتى تكتشف ما الذي يريد قوله فعلاً. في الأسبوع الماضي، دفن رئيس الولايات
المتحدة دعوة وجهها لإيران لتأتي وتتحدث معه تحت كومة من النقد اللاذع لجون كيري،
وزير الخارجية السابق، ومن عملوا معه للتواصل مع طهران.
ولكن ما كان يقوله ترامب في واقع الأمر لم يكن
له أي علاقة بالمسؤول الديمقراطي الذي تفاوض مع إيران على إبرام صفقة النووي
المحتضرة حالياً.
أكد ذلك مصدر عراقي رفيع المستوى في بغداد لديه
اطلاع على تفاصيل الاجتماع الذي جرى بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ورئيس
الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الأسبوع الماضي.
استعراض للقوة
لم تكن زيارة بومبيو قد أعلن عنها مسبقاً، وكان
عبد المهدي يتوقع أن يفتح وزير الخارجية الأمريكي النار على إيران بعد ما ورد من
أخبار تقول إن واشنطن أرسلت حاملة طائرات وسرباً من قاذفات B-52 إلى
الخليج في استعراض للقوة.
كان يُتوقع من بومبيو أن يطلب انسحاب المليشيات
المؤيدة لإيران والتي يمكن أن تهاجم قوات الولايات المتحدة المنتشرة داخل العراق
فيما لو نشبت حرب بين الطرفين.
لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. ما قاله بومبيو لعبد
المهدي في واقع الأمر، بحسب ما صرح به المصدر المطلع على تفاصيل الاجتماع، كان
أمراً مختلفاً تماماً، بل لقد دُهش رئيس الوزراء العراقي اللهجة التي تحدث بها
بومبيو في لقائه معه.
طلب
بومبيو من عبد المهدي إيصال رسالة إلى طهران مفادها أن الولايات المتحدة ليست
حريصة على اندلاع الحرب وأن كل ما يريده ترامب هو إبرام اتفاق نووي جديد – اتفاق
بإمكانه أن ينسبه لنفسه.
قال
المصدر إن بومبيو أخبر عبد المهدي بأن الولايات المتحدة حريصة على إبرام اتفاق
جديد، فرد عبد المهدي بأن الإيرانيين شعب لديه أنفة وأنهم لن يعيدوا فتح ملف
الاتفاق النووي. ولكنه اقترح أن إيران قد لا تمانع في إضافة ملحق للاتفاق الحالي.
وأضاف المصدر في تصريحه لموقع ميدل إيست آي إن بومبيو أجاب بأن إضافة ملحق للاتفاق
قد تكون فكرة جيدة.
وقال المصدر: "كانت لهجة بومبيو إيجابية،
فلم يهدد إيران بشيء. وفي اليوم التالي أرسل عبد المهدي مبعوثاً إلى إيران
لإبلاغهم بما هو مقترح عليهم."
في نفس الوقت تقريباً، صرح ترامب بشيء مشابه في
خضم هجومه اللاذع على كيري.
قال ترامب: "ما يتوجب عليهم القيام به هو
أن يتصلوا بي، ويجلسوا معنا حتى يتسنى لنا إبرام صفقة، وتكون صفقة عادلة. كل ما
هنالك أننا لا نريد أن يمتلكوا أسلحة نووية. وإذ نطلب منهم ذلك، فهل هذا كثير؟
وبالمقابل سوف نساعدهم على استعادة وضعهم الجيد، فهم الآن في وضع غاية في السوء،
وأتطلع إلى اليوم الذي سنتمكن فيه فعلاً من مساعدة إيران. نحن لا نبتغي إلحاق
الأذى بإيران."
توجيه الرسالة
يمكن للرسائل في منطقة الشرق الأوسط أن تتخذ
أشكالاً متعددة. فقد تم توجيه رسالة كبيرة إلى السعوديين والإماراتيين – ومن
خلالهم إلى الأمريكيين – أخذت شكل هجوم عسكري على أربع ناقلات نفط بينما كانت
راسية في ميناء الفجيرة يوم الأحد.
تقع الفجيرة إلى الجنوب من مضيق هرمز، وتعتبر
بذلك رد الخليج على تهديد إيران الصريح بإغلاق اثنين من أهم طرق نقل النفط والغاز،
هما مضيق هرمز ومضيق باب المندب، فيما لو تعرضت لهجوم من قبل الولايات المتحدة.
لقد استثمر الإماراتيون بكثافة في الميناء،
والذي أصبح سريعاً ثاني أكبر مركز لتزويد السفن بالوقود في العالم، حيث تتوقف
السفن لتتزود بالوقود، هذا بالإضافة إلى نية الإمارات زيادة سعة تخزين النفط الخام
في الميناء بما يقرب من 72 بالمائة بحلول عام 2022.
فوجئ الإماراتيون بالهجوم الذي تعرضت له السفن
الأربع. نفوا في بداية الأمر أن يكون الهجوم قد وقع. ثم مع حلول المساء، لم يجدوا
بداً من الاعتراف بأن أربع ناقلات أصيبت في "هجمات تخريبية"، ولكنهم لم
يصرحوا في بداية الأمر ناقلات من هي التي تعرضت للهجوم.
لم يصدر عن زعيم المغردين في أبوظبي، وزير
الخارجية أنور قرقاش، أي تصريح حول مثل هذا الهجوم الخطير، وبدا أكثر اهتماماً
مساء الأحد بثاني فوز يحققه على التوالي نادي مانشستر سيتي المملوك للإمارات.
ثم فيما بعد، كتب قرقاش يقول إن التحقيقات
جارية في الحادث، وأن حكومته لديها "قراءاتها واستنتاجاتها الخاصة بها."
"أعمال تخريب مشبوهة"
نفت إيران أن تكون مسؤولة عن الهجمات، وقال
وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إنه قلق بسبب وقوع "أعمال تخريب
مشبوهة" في المنطقة.
ظلت المملكة العربية السعودية صامتة حتى صباح
الاثنين عندما اعترفت بأن اثنتين من ناقلاتها تعرضتا لهجوم. ومع ذلك، لم تتوفر أي
تفاصيل حتى هذه الساعة عن الكيفية التي وقعت بها الهجمات أو حول ما حدث فعلياً.
وحتى رد الفعل الأمريكي كان حذراً، حيث نقلت
وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي "مطلع على المعلومات الاستخباراتية
الأمريكية" قوله إن إيران هي أبرز المشتبه بقيامهم بالهجمات، إلا أن الولايات
المتحدة لا يوجد لديها دليل قاطع على ذلك. وقال المسؤول إن تصريحات إيران التي
تنأى فيها بنفسها عن الحادث إنما يقصد منها التمويه وخلق حالة من الالتباس.
هناك عدد من المجموعات يمكن أن يكون أحدها هو
المنفذ لتلك الهجمات. هناك الحوثيون في اليمن، والذين ادعوا أنهم هاجموا موانئ في
أبوظبي وفي دبي باستخدام طائرات مسيرة. وكان الحوثيون يوم الثلاثاء قد ادعوا
المسؤولية عن هجوم بطائرة مسيرة أسفر عنه إلحاق أضرار بمحطات الضخ في خط أنابيب
النفط الرئيسي السعودي العابر للبلاد.
أياً كن الطرف الذي شن الهجوم على الفجيرة وعلى
محطات الضخ التابعة لأرامكو، فقد تم توجيه رسالة كبيرة إلى مصدري النفط والغاز في
الخليج، مفادها أن أهم ثروة تملكها هذه الدول مهدد ويمكن أن يتعرض للهجوم حيثما
شُحن ومن أينما ورد، وأن المرافق التي تمر بها هذه الثروة ستكون أول من يشعر
بعواقب التصعيد في التوتر في الخليج.
إيران والمشاركة في اللعبة المستمرة
لم تبد إيران نفسها اهتماماً بالتحدث مباشرة مع
ترامب. فطهران التي تحظى بمهارة فائقة في اللعب على المدي البعيد والتي باتت خبيرة
بوسائل التخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية، تعرف أن الوقت يداهمها وأن الأمور قد
تندفع نحو اندلاع حرب ثالثة في الخليج أثناء فترة حكم ترامب الأولى.
إن
ترامب رجل مبيعات. ما من شك في أنه شخص تافه، ولا يكاد يجد سبيلاً للتعافي من حقده
على سلفه باراك أوباما، والذي تم أثناء حكمه إبرام صفقة النووي مع إيران والتوقيع
عليها. ويبدو أن ترامب بات مولعاً بفكرة الإتيان بصفقة خاصة به، لكي تصبح ورقة يلوح
بها في وجه العالم، ولك إن رغبت أن تطلق على ذلك مصطلح "فن إبرام الصفقات
النووية".
على الرغم من اللغة التي يلجأ إليها، إلا أن
ترامب في واقع الأمر ليس متحمساً لدور القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتجده يمارس
العكس تماماً مما أطلق عليه ذات مرة الرئيس الأمريكي السابق ثيودور روزفيلت قولته
المأثورة، ونصها: "تكلم بنعومة واحمل عصاً غليظة، وبذلك تقطع شوطاً
طويلاً."
يرفع ترامب عقيرته بالكلام، ويلوح بعصي أحجامها
وأوزانها متغيرة، ولكنها في الواقع لا تبلغ حد أن تشكل الرادع الذي يرغب فيه. سوف
يتطلب توجيه ضربات جوية لإيران شهوراً من التحضير، والأهم من ذلك، أن مثل هذه
الضربات ستتطلب شهوراً للتنفيذ.
لا مفر من أن تستغرق الضربات الجوية الأمريكية
على المواقع النووية الإيرانية المعززة والمخفية فترة طويلة، في حملة شبيهة بتلك
التي شنت على كوزوفو وليست بتلك التي شنت على بغداد. وسيكون من اللازم تكرار
الهجمات إلي أن يثبت أن الأهداف تعطلت تماماً، أما استراتيجية الصدمة والترويع فلن
تجدي مع الإيرانيين.
مع
تأهب الولايات المتحدة للدخول في موسم الانتخابات، تعلم طهران أن ترامب لا يملك
الشجاعة لخوض القتال وأن الوقت ليس لصالحه إذا ما رغب في الإعداد لذلك. ولذلك تكمن
مصلحة إيران في التأجيل والانتظار لمعرفة ما إذا كان ترامب سيفوز بفترة رئاسية
ثانية.
دور نتنياهو
حين يتعلق الأمر بحماية الثروات الأهم، فما من
شك في أن المملكة العربية السعودية والإماراتيين مازالوا في حالة من الضعف
والانكشاف أمام أي هجمات تقليدية تشن عليهما في عام 2019 تماماً كما كانوا قبل أن
يتحولوا إلى دول هجومية ودول عربية مغامرة. فعلى الرغم من كل المال الذي أنفقته
دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على اقتناء أحدث وأرقى
الأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، إلا أنهم مازالوا عاجزين عن الدفاع عن
أنفسهم.
وبهذا يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين
نتنياهو ضمن هذا التحالف المتحمس الوحيد لشن حرب خليجية ثالثة. فهو يرى أنه بوجود
ترامب في السلطة فلن تتاح أمام إسرائيل فرصة أفضل لقص أجنحة إيران، والتي تتعرض مخازن
أسلحتها داخل سوريا للضرب المستمر من قبل الإيرانيين، ولم بعد الإسرائيليون يعبأون
حتى بإنكار قيامهم بمثل تلك الهجمات.
شهد عام 2010 آخر مرة أوشك فيها نتنياهو على
توجيه أمر بشن ضربات جوية ضد إيران، إلا أن الذي أوقفه عن ذلك كان الثلاثي المتنفذ
من جنرالات ورؤساء الأجهزة الأمنية: مائير داغان، رئيس الموساد السابق، ويوفال
ديسكين، الرئيس السابق لقوت الأمن الداخلي في إسرائيل، وغابي أشكنازي، رئيس أركان
الجيش الإسرائيلي السابق.
قد لا يواجه نتنياهو هذه المرة معارضة داخلية
مشابهة. إلا أن تردد حلفاء إسرائيل في الخارج قد يكون هو العامل الحاسم. قد نشهد
تارة أخرى هيمنة الرأي الحكيم، وذلك بفضل تردد ترامب، الذي سيكون مطلوباً من قواته
تزويد الطائرات الإسرائيلية المقاتلة في الجو نظراً لأن الأهداف الإيرانية تقع في
نقطة لا يصلها مدى سلاح الجو الإسرائيلي، وكذلك بفضل انكشاف مرافق النفط السعودية
والإيرانية وعرضتها للتهديد.