ربما كان فوز "التجمع الوطني" اليميني الفرنسي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، الأحد الماضي، مفاجأة غير سارة للبعض، لكن زعيمة هذا المعسكر مارين لوبان، اعتبرت النتائج "نصراً للشعب" الفرنسي، رغم أن شريحة كبيرة منه عبّرت عن فرحتها بتقدم أنصار البيئة "الخضر".
وتتفاوت الآراء في تفسير هذه الظاهرة التي تجتاح أوروبا، وليس فقط فرنسا، ولعل بعض أسباب هذا التقدم لليمين المتطرف تشمل موجة الهجرة الكثيفة نحو "القارة العجوز" أو تراجع الأحزاب التقليدية وحلول أحزاب جديدة لم تتمكن حتى الآن من تجسيد طموحاتها.
وقد يكون أحد هذه الأسباب عزوف فئة من الناس عن المشاركة في الانتخابات أو التصويت بأوراق بيضاء بعدما يئسوا من إمكانية حدوث تحسّن على المستوى الاقتصادي، ومن هؤلاء ستيفان (طالب جامعي) الذي صوّت بورقة بيضاء بعد أن فقد الأمل في حدوث أي تغيير. ستيفان ذو التوجه الاشتراكي، يشير إلى أن حزب "التجمع الوطني" وحزب الرئيس إيمانويل ماكرون "الجمهورية الى الأمام" يهيمنان على الانتخابات الأوروبية والبلدية منذ فترة طويلة.
استياء عام
يرى ستيفان، خلال حديثه لـ "عربي21" أن "البرلمان الأوروبي ليس أكثر من مجرد "مزحة، لأنه لا يستطيع الشروع في التصويت، أو حتى كتابة المسودة الأولى، كما أنه لا يملك القرار النهائي بشأن تبني القرارات، باختصار، هذه هي القوى العظمى الثلاث للبرلمان".
اقرأ أيضا: تعرف على تفاصيل نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي (إنفوغراف)
هو لم يفاجأ لأنه يعتبر أن اليمين كان دائماً في المقدمة منذ فترة طويلة، لكنه ينظر بعين الرضا إلى استبدال "الجمهوريين" بحزب "الجمهورية إلى الأمام"، واصفاً ذلك بالاستراتيجية الصحيحة. يضيف: "حقق حزب الخضر درجة أفضل مما كنت أعتقد، والآن أرى أنه كان بإمكاني التصويت لصالحهم، لكن غياب السلطة البرلمانية يجعلني سعيدًا بالتعبير عن استيائي العام".
الخوف من المهاجرين
وقد يكون الخوف من المهاجرين هو سبب أساسي لهذا التغيير، حسبما يرى الناشط إيمانويل أوفان، من جمعية "AGIR" التي تساعد طالبي اللجوء، وقال في حديث لـ"عربي21": "للأسف أن الخوف من المهاجرين ينعكس في خطب جميع الأحزاب السياسية، وتَعِد الأحزاب الموالية لأوروبا بتعزيز الضوابط والقمع على حدود أوروبا، وترغب الأطراف المناهضة لأوروبا، بما فيها التجمّع الوطني العودة إلى الحدود الوطنية حتى يدافع كل طرف بشكل أكثر فاعلية، بأمواله الخاصة، ضد من يسميهم الغزاة، كل هذا محزن للغاية ولن يحل مشاكل تشريد السكان في ما يتعلق بالعولمة".
احترام البيئة
لوسيان كريفيل (الرئيس السابق لجمعية البهائيين الفرنسيين) يحاول تفسير الأمور من منطلق روحي غير سياسي، معتبراً أن "هذه الحياة الأرضية ليست سوى ممر إلى عوالم الله الأخرى حيث السباق من أجل الربح والممتلكات المادية غير موجود".
لكنه يؤكد لـ"عربي21" أن انهيار الأحزاب التقليدية في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، أدخل فرنسا في استقطاب ثنائي جديد بين الحزب الاشتراكي-الديمقراطي المنفتح على الاتحاد الأوروبي، واليمين المحافظ والقومي، لافتاً إلى أهمية حلول أنصار البيئة في المستوى الثالث.
ويشير إلى أن البهائيين موجودون خارج الانقسامات الحزبية السياسية، قائلاً: "رسالتنا هي أن جميع المواطنين مدعوون إلى الاتحاد لتحسين المجتمع في خدمة المصلحة المشتركة واحترام البيئة، والسير نحو رؤية مشتركة مع احترام تنوعنا لأننا جميعًا نشترك في نفس المصير".
الفرنسيّون ليسوا سعداء
أما لورا (وهي مُدرّسة فرنسية – ألمانية) ففي نظرها أن "الناس يئسوا، حتى أصحاب السترات الصُّفر (الذين يعارضون كل شيء ولا يقبلون شيئًا)، الفرنسيون ليسوا سعداء أبدًا بشكل عام، هم يريدون رئيساً قويًا ذا صوت مرتفع".
وأضافت في حديث لـ"عربي21": "من الواضح أن النتيجة هي صفعة ضد (الرئيس) ماكرون الذي يتحرك أكثر من اللازم، وكل ما يقوم به، في نظرهم، ليس كافيًا، ولسوء الحظ، هم من أوصلوه إلى سدة الرئاسة لكنهم سرعان ما ينسون".
وتشير لورا إلى التحولات الكبيرة في المزاج الفرنسي منذ سنتين حتى الآن قائلة: "مارين لوبان تلقت صفعة كبيرة خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية (34 في المئة مقابل 66 في المئة لماكرون) وسخر منها الناس خلال المناظرة مع ماكرون من قبل. أنا أخجل حقًا لأجل فرنسا".
نتيجة تراكمات
المهاجرون العرب أيضاً لهم وجهة نظر لا تختلف عن مواطنيهم الفرنسيين، فالمدرس كمال اليوسفي (فرنسي-تونسي) يرى أن فوز اليمين ليس مفاجئاً "لأنه نتيجة تراكمات للأزمات الاقتصادية والمعيشية وعدم دراية للوضع من جهة النخبة السياسية، فكل شيء يشهد تدهوراً من التعليم حتى السياسة.
وقال لـ"عربي21": "العزوف عن المشاركة في الانتخابات في دولة ديمقراطية عريقة كونه حقا ليس أمراً طبيعياً، صحيح بالمقارنة مع سنة 2014، هناك زيادة في عدد المقترعين، لكن نسبة العزوف تبقى مرتفعة بنحو خمسين في المئة، وهذا دليل على أن المواطنين فقدوا الثقة في السياسة اليسارية واليمين المعتدل".
اقرأ أيضا: NYT: الانتخابات تضع أوروبا على جبهة الحرب مع الشعبوية
وأضاف: "السنوات المقبلة ستكون مصيرية. إذا بقي الحال واستمر هكذا، يعني تدهور القدرة الشرائية، سيكون المهاجرون في صلب التجاذبات. وبطبيعة الحال سيكون اليمين المتطرف هو المستفيد".
الطبيب السوري جوني سليمان حديث العهد في فرنسا لكنه أصبح معنياً بما يدور في البلد الذي استقبله بعد هروبه من الحرب في سوريا، فهو يعتقد أن اليمين المتطرف موجود دائما في فرنسا، وقال: "أعتقد أن نسبة اليمين دائماً ما بين 17 و22 في المئة، لكن أعتقد أيضاً أن كمّاً لا بأس به من مناصريه كانوا يقاطعون الانتخابات في السابق لعدم إمكانية إحداث تغيير جوهري في الحياة السياسية الفرنسية".
وأضاف لـ"عربي21": "هذه المعطيات بدأت بالتغيّر عندما بدأ تفكك اليسار والأحزاب التقليدية المحافظة من يمين الوسط في فرنسا وبدأت نسبة مشاركتهم في الانتخابات أقرب لحقيقة حضورهم".
وفي نظره أن "النسب العالية التي بدأ بتحقيقها اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية هي في الحقيقة ضعف للأحزاب التقليدية، وتشظي اليسار الفرنسي، يضاف إليه مآزق السلطة الدائمة مع الوضع البيئي والعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، وتورطهم في أوحال الشرق الأوسط وأفريقيا، وهذا ما يدفع باليمين المتطرف الشعبوي لاستقطاب كمية زائدة من الناخبين الناقمين وليس المؤدلجين ليدفع بنسبته في الانتخابات الأوروبية إلى 24 في المئة من الأصوات".
الغنوشي يدعو فرنسا إلى الاستثمار في الديمقراطية التونسية
"حفتر" في القاهرة وباريس.. بحث عن دعم أم طمأنة للحلفاء؟