نشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية، تقريرا بينت فيه أن الجزائر لم تجد بعد منفذا للخروج من أزمتها السياسية الحالية، منذ نجاح الحراك في الإطاحة بعبد العزيز بوتفليقة وحاشيته.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الوضع الحالي لا يبشر بانفراج الأزمة السياسية خاصة بعد تأجيل موعد الانتخابات إلى أجل غير مسمى، وغياب أي تمثيل سياسي رسمي للحراك الشعبي.
ويتوجه البعض باللوم إلى بوتفليقة الذي ارتكب خطأ فادحا عندما أراد احتكار السلطة وتحييد الجيش، الأمر الذي تسبب اليوم في إعادة فرض الجيش لنفسه في الحياة السياسية، ولعبه دور الحَكَم لحل الأزمة الحالية، وهو ما يرفضه الجزائريون.
اقرأ أيضا: ردا على ابن صالح.. جمعة جديدة من المظاهرت بالجزائر (شاهد)
ومنذ إصابته سنة 2013 بسكتة دماغية، أضحى حضور بوتفليقة علنا أمرا نادرا، إلى جانب غيابه عن المحافل والمؤتمرات الدولية. وقد اقتنع الجزائريون وجزء هام من المعارضة بأن الوقت قد حان لإزاحة بوتفليقة الذي قضى نحو 80 يوما في باريس لتلقي العلاج.
أما بالنسبة للحاشية المحيطة بالرئيس المريض من أقربائه والطبقة الأوليغارشية والأحزاب التي تشكل التحالف الرئاسي، فقد كانت تتطلع إلى بقاء بوتفليقة في الحكم لأطول فترة ممكنة لتخبئ خلف نظامه فسادها.
وأكدت المجلة أنه، خلال تلك الفترة، انتقد وزير سابق الوضع السياسي في الجزائر في عهد بوتفليقة قائلا إن "النظام يقوم بكل شيء ليجعلنا نتغاضى عن المأزق الذي نمر به؛ فالحكومة عاجزة عن صياغة خارطة طريق جديدة ولا تزال متشبثة ببوتفليقة. كما أغلقت أي أبواب تهب منها رياح التغيير، حيث حافظت على نظامها القائم على المحسوبية والتحالف مع القوى الأجنبية".
وتجدر الإشارة إلى أن النظام الجزائري شن سياسة لتحييد أي نوع من أنواع استقلالية الفكر، حيث شملت الجامعات والمساجد، وأحزاب المعارضة ووسائل الإعلام، وطالت أيضا دور النشر ورواد الأعمال.
وأوردت المجلة تصريحا أدلى به رئيس الجمعية الوطنية للشباب عبد الوهاب فرساوي، سنة 2014، أشار فيه إلى أن "الأحزاب السياسية الديمقراطية والمجتمع المدني المتمتع بالحكم الذاتي يكافحان في ظروف صعبة للغاية ماكينة قمع النظام". ويقصد فرساوي بماكينة النظام، البوليس السياسي، والقضاء، والإدارة، والدرك، والشرطة، والإعلام المؤيد للنظام، إذ تشكل جميعها ترسانة موجهة ضد الفاعلين في المجتمع المدني ومحاربة العدالة الاجتماعية والديمقراطية والكرامة.
اقرأ أيضا: استحالة تنظيم الاستحقاق الرئاسي في الجزائر.. وماذا بعد؟
وفي عهد بوتفليقة، حُرمت الأحزاب السياسية المعارضة من عقد لقاءاتها داخل الصالونات، وإذا حاولت الاحتجاج يطلق النظام مباشرة في وجهها الجهاز القضائي والبوليسي لردعها، أو يخلق داخلها اضطرابا ليشتت انتباهها.
وفي خضم كل ذلك، يتساءل البعض: لماذا نندهش اليوم من حقيقة أن الحراك الشعبي نشأ في صحراء قاحلة خالية من الحياة العامة والنشاط السياسي، ولا نندهش من شح عدد ممثلي الحراك سياسيا في الوقت الذي احتكر فيه النظام الحياة السياسية لأكثر من عشرين سنة؟
وأفادت المجلة بأن "هذا المنطق الاستبدادي فرض نفسه أيضا داخل النظام في حد ذاته، حيث كان عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته غيورين على صلاحياتهم وحساسين للغاية من الانتقادات، لذلك عمدوا إلى تحييد أي سلطة يمكن أن تعاديهم أو تعارضهم خصوصا من جهة الجيش".
وانطلاقا من المجلس الاقتصادي والاجتماعي الوطني مرورا بدائرة الحسابات وصولا إلى قبة البرلمان، تخضع كل مؤسسة إلى رقابة السلطة التنفيذية بما في ذلك الحزب الحاكم، حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يخضع بدوره إلى ضغوطات مكثفة منذ سنة 2004 حتى لا يخرج عن "بيت الطاعة".
وذكرت المجلة أن المؤسسة العسكرية، التي تحظى باحترام الشعب الجزائري منذ حرب التحرير، وجدت نفسها أمام حتمية التكيف مع منطق الولاء للنظام. ووفقا لمسؤول سام سابق في الدولة، لم يفصح عن اسمه، فإن "بوتفليقة ارتكب خطأ فادحا عندما أراد احتكار السلطة وتحييد الجيش عبر تعيين رجل وفيّ للنظام على رأسه. ولكن انجر عن خطئه هذا إخلال الجيش بدوره، الذي عوضا عن لعب دور الحكَم، فرض وجهة نظره بالقوة".
أوبزيرفر: هذا ما حدث للربيع العربي في ظل تجاهل ترامب