توقعت مصادر سودانية لـ "عربي21"، تدخلا عاجلا من رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد في الأزمة السودانية لتسريع مبادرة طرحها قبل أسبوع خلال زيارته البلاد، فضلا عن قطع الطريق أمام أي تدخلات أخرى محتملة من دول الجوار الإفريقي بخاصة اريتريا أو مصر.
وتحدث المجلس العسكري والثوار بتصريحات متضاربة بشأن مقترحات وساطة الرئيس الإثيوبي، وطلب نقل التفاوض بين الطرفين من الخرطوم إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وظهر المجلس العسكري غير متحمس للمبادرة التي تُعيد التفاوض بين الطرفين إلى حيث انتهت، على أن تكون أغلبية المجلس السيادي للمدنيين برئاسة دورية، في إطار نقل السلطة من المجلس العسكري لحكومة مدنية انتقالية، حسب ما تضمنته المقترحات التي حملها الوسيط الإثيوبي.
وقال المجلس العسكري الانتقالي في مؤتمر صحفي أمس، إنه من غير الوارد أبدا تسليم السلطات ذات الطابع الأمني والعسكري لقوى الحرية والتغيير "لأن قضية الأمن وحماية البلاد والثروة هي مسؤولية المؤسسة العسكرية"، وهو ما اعتبره محللون رفضا ضمنيا للمقترح الأثيوبي بشأن تشكيل المجلس السيادي، بينما تتمسك قوى الحرية والتغيير تمسكها بسيادة السلطة المدنية في الفترة الانتقالية.
وأضاف المتحدث بأسم المجلس الفريق شمس الدين كباشي: "أبلغنا الوسيط الإثيوبي بتوفر حد أدنى للتفاوض مع قوى الحرية والتغيير، وطلبنا منه أن يدعو للتفاوض خلال 24 ساعة، وننتظر رده الجمعة حول استئناف المفاوضات".
ويكرر المجلس العسكري في أكثر من مناسبة أن الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير يقصي قوى سياسية مؤثرة في السودان، وقال المتحدث باسم المجلس إنه لمس خلال المفاوضات السابقة ما وصفها بروح إقصائية و"دكتاتورية مدنية"، ورغبة في تفكيك المنظومة الأمنية.
كما اتهم كباشي، قادة الثوار بتضمين الوساطة الأثيوبية شرط نقل التفاوض إلى أديس أبابا، وأعلن المجلس رفضه للخطوة.
إلا أن قوى إعلان الحرية والتغيير قالت في بيان صادر اليوم الجمعة واطلعت عليه "عربي21"، إن مقترح نقل المفاوضات إلى أديس أبابا جاء بدعوة كريمة من رئيس الوزراء الإثيوبي قبل يومين، وأن قوى الحرية والتغيير اعتذرت في حينها متمسكة بالحفاظ على سودانية العملية السياسية، وأن السفارة الإثيوبية سحبت المقترح نهار أول أمس لكن المجلس العسكري زعم أن قوى الحرية والتغيير هي من طالبت بنقل المفاوضات لإثيوبيا.
وأكد عباس إبراهيم الناشط الإعلامي في الحراك الثوري بالسودان، لـ "عربي21" عدم قيام أي من مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير بطلب نقل المفاوضات إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، ويشير إلى الالتزام التام بالموقف المعلن مسبقاً من التفاوض مع المجلس العسكري والذي تم نقله إلى الوسيط الأفريقي رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد وعددٍ من المبعوثين الدوليين والإقليميين والقائم على اشتراطاتٍ محددة ومعلومة للجميع سلفاً، واجبة النفاذ قبل أي حديث عن العودة للتفاوض.
وتشترط قوى التغيير إجراء تحقيق دولي في واقعة فض الاعتصام، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وحماية الحريات العامة وحرية الإعلام، ورفع الحظر عن الإنترنت، وإنهاء المظاهر العسكرية في الشوارع والميادين العامة.
وفي السياق قالت المصادر لـ"عربي21" إن الموقف الأمريكي الذي يؤيد الدور الأثيوبي والوسيط الافريقي، يُشجع الرئيس أبي أحمد لاستعجال مبادرته، وحمايتها من الانحراف الذي بدأ يلوح في الأفق، خصوصا بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى أسمرا، حيث التقى اليوم الجمعة الرئيس الأريتري أسياسي أفورقي.
وذكرت المصادر أن أديس أبابا باتت قلقة من مصير مبادرتها لحل الأزمة في السودان، وتخشى قطع الطريق أمامها بوساطات إقليمية أخرى أو مبادرات مستقلة من أريتريا أو مصر التي قد لا تؤيد أيضا دورا أقل للمجلس العسكري ونقل السلطة لحكومة مدنية.
بيد أن المحلل السياسي فيصل حضرة قال لـ"عربي21": "إن الوساطة الأثيوبية تحظى بدعم أمريكي، بعد أن عدلت واشنطن بهذه الخطوة من طريقة تعاملها مع السودان ووجدت أن قناة مناقشة الأزمة السودانية المتمثلة في محور السعودية والإمارات ومصر، لم تفض إلى نتيجة، لتورط الثلاثي في الأزمة عبر دعمها للمجلس العسكري لعرقلة وصول الثورة السودانية إلى غاياتها بإقامة حكم مدني واستعادة الديمقراطية الأمر الذي لا يتفق مع مصالحها كقوة مضادة لثورات الربيع العربي، وأيضا لضمان استمرار القوات السودانية في حرب اليمن الأمر الذي سينتهي بسحبها حال تشكلت حكومة مدنية، تضبط سياسة السودان الخارجية، ولا تنحاز إلى محور ضد آخر.
ورأى بأن الموقف الأمريكي بدأ بصورة أكثر جدية في الأزمة السودانية، بإرسال ناج تيبور مساعد وزير الخارجية للشؤون الافريقية إلى الخرطوم، وتعيين الدبلوماسي السابق دونالد بوث مبعوثا خاصا للرئيس الأمريكي إلى السودان، وأن الموقف الأمريكي سيعمل على مواصلة التفاوض والدفع بالمبادرة الأثيوبية من أجل التوصل لإتفاق نقل السلطة إلى حكومة مدنية تشكلها قوى الحرية والتغيير قبل نهاية حزيران (يونيو) والتزاما بمهلة الاتحاد الإفريقي.
وفي تغريدة لمساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية السفير تيبور ناغي اليوم الجمعة، رحب ناغي بمجهودات رئيس الوزراء الأثيوبي للتوصل إلى حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني، مؤكدا ممارسته والسفير بوث ضغطا على رئيس المجلس العسكري الإنتقالي البرهان لإتخاذ خطوات من شأنها السماح بمواصلة المحادثات الناجحة، بوقف الإعتداءات على المدنيين وسحب القوات العسكرية من الخرطوم.
وجاء في تغريدة المسؤول الأمريكي، السماح بتحقيق مستقل حول هجوم 3 من حزيران (يونيو) الذي وصفه بـ "الفظيع" على الاعتصام السلمي وغيره من حوادث العنف الأخيرة، إلى جانب وقف قمع حريات التعبير وقطع خدمة الإنترنت، وأكد دعم واشنطن لقيام حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية، كما عبر عن دعمه لبيان الاتحاد الأفريقي الصادر يوم 6 حزيران (يونيو)، والخاص بتعليق عضوية السودان فضلا عن رسالة الاتحاد القوية حول الحاجة لحكومة مدنية.
إقرأ أيضا: "الحرية والتغيير" ترد على اتهامات بدعمها "محاولة انقلاب"
المعارضة السودانية تقول إنها سترشح أسماء للمجلس الانتقالي
هل يحمل آبي أحمد في جعبته حلا للأزمة في السودان؟
هل مثلت الوساطة الإثيوبية بالسودان خسارة جديدة لمصر؟