نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لمراسلها من العاصمة الأردنية عمان، تايلور لاك، يقول فيه إن الرعب الذي مورس على المحتجين في السودان كشف عن صدوع في التحالف الأمريكي مع الدول العربية، الذي باتت فيه واشنطن تعتمد على السعودية والإمارات العربية لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن العنف في السودان كشف عن التباين في التعامل مع التهديدات في المنطقة بين الولايات المتحدة وشركائها في الخليج، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تعبر فيه واشنطن عن قلقها من صعود التطرف والمشاعر المعادية لأمريكا، فإن حليفتيها في الخليج تركزان على قمع المشاعر الديمقراطية في السودان؛ خشية أن تؤثر العملية الديمقراطية على استقرارهما.
ويستدرك لاك بأنه في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة احتواء القمع، فإن دينامية أخرى تأخذ مكانها، بحسب ما يقول دبلوماسي عربي مطلع على سياسة البيت الأبيض، فقلة اهتمام الرئيس دونالد ترامب والدائرة المقربة منه بالسودان سمحت لوزارة الخارجية بإعادة تأكيد نفسها.
وتقول الصحيفة إنه "مع إرسال الولايات المتحدة كبير دبلوماسييها إلى الخرطوم، يبدو أن أيام دول الخليج كونها محركا للسياسة الخارجية في المنطقة باتت معدودة".
ويلفت التقرير إلى أن الجيش، الذي سيطر على السلطة بعد الإطاحة بعمر البشير في نيسان/ أبريل، عقد محادثات مع ممثلي القوى المدنية، وهو ما دفع دول الخليج لنفض الغبار عن الكتاب الذي استخدمته في مرحلة ما بعد الثورات في كل من مصر وليبيا، أي تقوية الرجل القوي، وبناء علاقات مع الديكتاتورية العسكرية، وقمع الدعوات الداعية للديمقراطية والمعارضة كلها.
ويرى الكاتب أنه "في الوقت الذي عززت فيه هذه الاستراتيجية من موقع الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر، ودفعت أمير الحرب في ليبيا الجنرال خليفة حفتر إلى نصر قريب، لكن شيئا غير صحيح حدث في السودان الأسبوع الماضي".
وتنوه الصحيفة إلى أنه بعد أيام من مقابلة قادة المجلس العسكري الانتقالي مع حكام السعودية والإمارات في مكة وأبو ظبي، فإنهم قطعوا المحادثات مع المعارضة، وهي خطوة توقع الكثير من المراقبين أن تتبعها حملة على المتظاهرين.
ويفيد التقرير بأنه على خلاف الطريقة الحاسمة التي قتل فيها السيسي معتصمي الإخوان المسلمين في القاهرة في عام 2013، فإن القمع الذي مارسته الطغمة العسكرية في شوارع الخرطوم بدا بشكل ذكر بفظائع الجنجويد في دارفور، وتم رمي جثث في النيل، وانتشرت تقارير عن عمليات اغتصاب، وتم تداول أشرطة فيديو يظهر فيها عناصر الأمن وهم يسخرون ويضحكون أثناء ضربهم رجال ونساء كبيرات في العمل، وقتل في العملية 120 شخصا، ومن ثم تم فرض حظر على استخدام الإنترنت.
ويذكر لاك أن دول الخليج أطلقت سياسة حرب الإبادة الجماعية، التي قامت بها جماعات هامشية تابعة لنظام البشير سابقا في دارفور وجنوب السودان ولأول مرة في الخرطوم وأمام عدسات الكاميرا.
وتنقل الصحيفة عن عريب الرنتاوي من مركز القدس في عمان، قوله: "بدأ السودانيون والرأي العام العربي والأفريقي والمجتمع الدولي باكتشاف آثار التدخل الخليجي في السودان"، وأضاف: "هذه الجرائم والقمع الوحشي يحملان بصمات السعودية والإمارات، والولايات المتحدة متورطة من خلال دعمها لهم بالسلاح والدعم السياسي".
ويشير التقرير إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية اتخذت بعد المجزرة خطوة غير عادية، عندما نشرت تفاصيل مكالمة بين مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية ديفيد هيل مع المسؤولين الإماراتيين والسعوديين، وتحدث هيل مع نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، وتباحث معه القمع الذي مارسه المجلس العسكري الانتقالي على المتظاهرين السلميين في 3 حزيران/ يونيو، وأكد هيل ضرورة نقل السلطة من المجلس إلى حكومة بقيادة مدنية، لافتا إلى أنه ورد في بيان آخر أن هيل اتصل مع وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش؛ "لمناقشة الوضع في السودان وجهود دعم الحل السياسي".
ويورد الكاتب نقلا عن دبلوماسي أمريكي مخضرم، قوله إن هذه البيانات هي رسالة للعاصمتين العربيتين والمجلس العسكري الانتقالي، وأضاف: "لم تقبل الولايات المتحدة الموقف السعودي والإماراتي" ودعم الحكم العسكري في الخرطوم.
وتنقل الصحيفة عن السفير السابق ومساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية سابقا هيرمان كوهين، قوله: "إنهم يرسلون رسالة إلى السعوديين والإماراتيين بأننا نريد حكومة مدنية، ويجب عليهم التوقف عن دعم النظام العسكري الذي ينتهك حقوق الإنسان في قواعده الأساسية ومليشيات الجنجويد".
ويلفت التقرير إلى أن الدبلوماسيين الأمريكيين في المنطقة عبروا عن إحباطهم من واشنطن، وقالوا إنه يجب على الولايات المتحدة التدخل وتنظيف الفوضى في السودان، مشيرا إلى أن من الأمور الأساسية في الخلاف الأمريكي الخليجي موضوع الاستقرار في المنطقة، فالسودان الواقع بين شمال أفريقيا والصحراء الأفريقية يؤثر وضعه على عدد من الدول، مثل تشاد وإثيوبيا ومصر والصومال، وحتى الدول الواقعة عبر البحر الأحمر.
ويقول لاك إن هناك تخوفا من أن تؤثر الفوضى في السودان على المصالح الأمريكية، فمن السودان خطط تنظيم القاعدة لتفجير السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا، التي قتل فيها 200 شخص.
وتستدرك الصحيفة بأن السعودية والإمارات تتعاملان مع الوضع في السودان من منظور استقرارهما فقط والمصالح الاقتصادية، فنظام عسكري في الخرطوم يعني استمرار تدفق الجنود السودانيين للقتال في الحرب السعودية الإماراتية في اليمن، والحصول على المنتجات الزراعية من السودان، بالإضافة إلى أن قمع التظاهرات السلمية يمنع تصدير الاحتجاجات السلمية والمطالبة بالحرية إلى الخليج.
ويورد التقرير نقلا عن السفير السابق جوني كارسون، الذي عمل مساعدا لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية في إدارة باراك أوباما، قوله: "أعتقد أن السعوديين والإماراتيين راضون عن وجود حكومة مستبدة هناك؛ لأنهم يعتقدون أنها تمنع من وصول الجهاديين وتؤمن نظاميهما.. لكن الواقع هو أن عدم الاستقرار سيستمر طالما تم قمع إرادة الشعب السوداني، ما يعني تأثر الوضع أبعد من الحدود" السودانية.
وينوه الكاتب إلى أن التوتر بين البيت الأبيض ودول الخليج مرتبط بالمواقف المتباينة من المجلس العسكري الانتقالي، فمحمد حمدان دقلو، الرجل الثاني في المجلس العسكري، مفضل لدى الرياض؛ نظرا لإرساله مقاتلي قوات الدعم السريع للقتال في اليمن، لكن الولايات المتحدة ترى فيه مجرم حرب شارك مع مليشيات الجنجويد في قتل المدنيين في دارفور.
وبحسب الصحيفة، فإن بقية عناصر النظام السابق حمت المتطرفين وصدرت الجهاديين إلى الصومال، ما يثير القلق داخل مجلس الأمن القومي الأمريكي، بأن التطرف سيظل مستمرا طالما لم يتم تسليم السلطة لحكومة مدنية.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن هذا الموقف يقوض الجدل الذي استخدمته السعودية والإمارات كله لحماية الأنظمة العسكرية في العالم العربي، نصبوا حاكما قويا وإلا تسلم الإسلاميون السلطة.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
NYT: هذا ما يفعله المحتجون لمواجهة قمع العسكر بالسودان
ديلي بيست: مصير السودان بيد رجال ترامب بالسعودية والإمارات
فايننشال تايمز: هكذا يتم سحق أحلام الحرية بشوارع الخرطوم