نشرت مجلة "ذا أتلانتك" تقريرا أعده كل من أوري فريدمان ويارا بيومي، تحت عنوان "العلاقات الأمريكية السعودية على حافة الانهيار".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن العلاقة بين البلدين استمرت لسبعة عقود، لكن رئيسا ديمقراطيا قد يغير هذا كله، لافتا إلى أن هناك جهودا جارية في واشنطن لتعديل، إن لم تكن إنهاء، التحالف الأمريكي السعودي.
ويستدرك الكاتبان بأن المحاولات جاءت في طريق الرئيس دونالد ترامب، الذي يقف وبقوة أمام أي تغيير في مسار التحالف مع السعودية، رغم شكه المعروف في التحالفات والتكتلات الدولية.
وتقول المجلة إنه نظرا لعدم تحمله الثمن الإنساني الكارثي للحرب في اليمن، وجريمة القتل البشعة للصحافي الكاتب في "واشنطن بوست" جمال خاشقجي، فإن الكونغرس يحاول معاقبة السعودية وشجبها كل أسبوع، مشيرة إلى أن البيت الأبيض كان يعرقل الجهود في كل محاولة، أو يتحايل عليها، ويقف بقوة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفي الوقت ذاته تصعيد المواجهة مع إيران.
ويجد التقرير أنه لذلك فإن ساعة الحساب للعلاقات الأمريكية السعودية قد تأتي في حال انتخب الأمريكيون رئيسا من الحزب الديمقراطي عام 2020، لافتا إلى أن الإشارات واضحة، فالديمقراطيون كلهم وعدد كبير من الجمهوريين وشركات لوبي يبتعدون عن السعودية، إلى درجة تبدو فيها زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن في وقت قريب خارجة عن التصور.
ويقول الكاتبان إن "فرانكلين دوايت روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود لم يكونا يتخيلان تصدعا في العلاقة التي رسما خطوطها في عام 1945، التي قامت على علاقة متبادلة: تدفق مستمر للنفط مقابل حماية عسكرية".
وترى المجلة أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، التي شارك فيها 15 سعوديا من بين 19 منفذا، لم تشكل ذلك الخطر الوجودي على العلاقة مثل ما هو واضح اليوم، مشيرة إلى أن المشرعين يقومون بجهود واسعة لتقييد صفقات بيع الأسلحة للسعودية ومحاسبة محمد بن سلمان على جريمة قتل خاشقجي، فيما يعول السعوديون في الوقت الحالي على ولاء إدارة ترامب، مع أنهم يعترفون، وربما تحدثوا على الأقل عن وضعهم المتزعزع.
وينقل التقرير عن مسؤول سعودي، بشرط عدم الكشف عن هويته، قوله: "نعترف (في السعودية) بأن العلاقات تعرضت لضغوط، لكننا نعمل بجهد لإعادتها كما كانت، ونعترف بأنها تحتاج لوقت، ونتعامل معها على أنها سباق ماراثون وليس سباق عدو"، مشيرا إلى أن هذا ليس اعترافا بالخطأ الذي يطمح المشرعون للحصول عليه.
ويلفت الكاتبان إلى أن "الإدارة اعتمدت في أيار/ مايو على إعلان الطوارئ لتتجاوز الكونغرس، وصادقت على صفقات أسلحة للسعودية بمليارات الدولارات، وهو اعتراف منها بأنها لن تستطيع الحصول على دعم المشرعين، الذين ردوا بإجراءات لمحاولة منع المبيعات، وهي تحركات ليست مهمة فقط للدعم الذي لقيته من مشرعي الحزبين، بل لأنها جاءت وسط التوتر المتصاعد مع إيران، الذي ذكره ترامب سببا في المبيعات".
وتنوه المجلة إلى أن ترامب استخدم في نيسان/ أبريل الفيتو لوقف قرار صدر عن الكونغرس ومجلس النواب، يقضي بوقف الدعم العسكري الأمريكي للحرب السعودية في اليمن، مشيرة إلى أن الرئيس كان مضطرا لهذا؛ لأن 7 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، و16 من مجلس النواب، دعموا كل تحرك تقدم به الديمقراطيون.
ويشير التقرير إلى أن ترامب، الذي جعل السعودية أول محطة له بعد انتخابه، يؤكد أهمية المملكة في الحرب ضد إيران، التي يخشى من مشاريعها النووية، ودورها في دعم المليشيات في الشرق الأوسط، لافتا إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو ركز على التهديد الإيراني أثناء زيارته إلى السعودية الأسبوع الماضي واجتماعه مع الملك وولي العهد.
ويفيد الكاتبان بأنه في الوقت الذي قال فيه ترامب إنه طرح موضوع خاشقجي في لقائه مع ولي العهد في قمة العشرين، التي عقدت في أوساكا في اليابان، إلا أنه رفض التعليق على نتائج المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) حول دور ابن سلمان في الجريمة.
وترى المجلة أن دوافع ترامب تجاهل القلق بشأن اليمن وخاشقجي متعددة، فهي متعلقة بعلاقة صهره جاريد كوشنر مع ولي العهد السعودي، وشراء المملكة أسلحة كثيرة من أمريكا، مشيرة إلى أن ترامب قال مبالغا في أرقام المشتريات: "لقد اشتروا كميات أسلحة بقيمة 450 مليار دولار.. لا أريد خسارتهم".
ويلفت التقرير إلى أن معظم الأمريكيين لديهم رؤية سلبية عن السعودية ومنذ هجمات 11/ 9، مشيرا إلى أن استطلاعا لمؤسسة "غالوب" أظهر أن ثلثي الأمريكيين لا ينظرون للمملكة نظرة جيدة، وهي أعلى نسبة تسجل منذ ثلاثة عقود.
ويبين الكاتبان أن "التطور الجديد هو التخمر الجدي في عاصمة الولايات المتحدة التي ضخت فيها السعودية، وفي عامي 2017 و2018، حوالي 40 مليون دولار على شركات العلاقات العامة للضغط على الكونغرس والفرع التنفيذي من السلطة ومراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية، والنفقات على اللوبيات هي ضعف ما أنفقته في السنوات الأخيرة من إدارة باراك أوباما وفي العام الأول من إدارة ترامب، وكل ما ظهر من المال السعودي هو دعم ثابت من صديق في البيت الأبيض وثورة في الكابيتال هيل".
وتورد المجلة نقلا عن السيناتور الديمقراطي عن كونيكتيكت، كريس ميرفي، وهو ناقد قديم للسعودية، قوله: "كان السعوديون يحظون بدعم قوي من الحزبين في الكونغرس.. اليوم يتمسكون بالتحالف من خلال علاقة النظام مع شخص واحد: دونالد ترامب"، وأضاف: "ربما سيكون من الصعب تعديل العلاقة وترامب في المكتب.. لكن التغيير قادم".
وينوه التقرير إلى أن الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين أجبروا في الماضي على التغاضي عن انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان والقمع السياسي؛ نظرا لاعتماد واشنطن الكبير على الرياض بصفتها تشكل ثقلا جيوسياسيا مستقرا في الشرق الأوسط.
ويستدرك الكاتبان بأن عددا من المرشحين الديمقراطيين للرئاسة عام 2020 عبروا عن عدم ارتياحهم، فالمرشح الديمقراطي جوزيف بايدن وصف الشراكة الأمريكية مع السعودية، قائلا: "ليس جيدا ألا تكون خارج الوحل"، وشبهها بالعلاقة مع جوزيف ستالين أثناء الحرب العالمية الثانية، فيما دعا كوري بوكر إلى إعادة النظر في العلاقة مع الرياض كلها، أما إليزابيث وارن فقد هاجمت ترامب لترضيته المتعهدين الدفاعيين بدلا من وقف الأسلحة للسعودية.
وتنقل المجلة عن بيت باتيغيغ، قوله في خطاب له في الشهر الماضي، إنه لو تم انتخابه فإنه "سيبقي العلاقة مفتوحة" مع الرياض ولمنفعة الأمريكيين، وأضاف: "لن نبيع قيمنا العميقة من أجل الطاقة أو الصفقات المربحة".
ويشير التقرير إلى أن بيرني ساندرز وصف محمد بن سلمان بـ"القاتل والديكتاتور"، وضم السعودية لمحور القوى الديكتاتورية، الذي قال إن ترامب قواه وأدخل اللوبي السعودي في واشنطن لخدمة مصالح حكومة فاسدة وثرية، وتساءل ساندرز، الذي دعم واحدا من قرارات مجلس الشيوخ لوقف الدعم الأمريكي عن الحرب في اليمن، إن كان الاتفاق الذي وقع بين روزفلت والسعوديين لا يزال قائما.
ويلفت الكاتبان إلى أنه مع ذلك فإن مستشاره للشؤون الخارجية مات داس يقول إنه "ليس ضروريا" حرف الطاولة بالكامل بما يتعلق بالعلاقات الأمريكية السعودية، خاصة أن ساندرز يعترف بأهمية عناصر في العلاقة، مثل التشارك في الاستخبارات، وأهمية السعودية لاستقرار سوق النفط.
وتذكر المجلة أنه عندما سئل المسؤول السعودي عن قلقه من تغيير الإدارة الديمقراطية موقفها من السعودية، فإنه أجاب قائلا إن العلاقة "مؤسساتية"، وبأن المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء يغيرون مواقفهم من السعودية في حال انتخابهم، وقال إنهم يفهمون أهمية التعاون الاقتصادي، وتنسيق سياسات النفط ومكافحة الإرهاب وإيران.
ويستدرك التقرير بأن الوضع حاليا ليس كما كان في الماضي، فتقرير للأمم المتحدة أشار إلى تورط ولي العهد في جريمة قتل خاشقجي، الذي كان مقيما في الولايات المتحدة، ويمثل خيانة للتحالف، بحسب الممثل عن كاليفورنيا في مجلس النواب رو خانا، الذي ساوى بين الجريمة "وخيانة الرجل زوجته"، ويعد خانا من الداعين البارزين لوقف الدعم الأمريكي عن الحرب في اليمن.
ويورد الكاتبان نقلا عن خانا، قوله: "ربما تنجو أو تتعافى العلاقة الزوجية لكنها لن تكون كما في السابق"، وأضاف: "لن يكون السعوديون أعداء للولايات المتحدة لكنهم خسروا موقعهم بصفتهم حلفاء".
وتقول المجلة إن مقتل خاشقجي لم يغضب أعضاء الكونغرس فقط، بل إنه قاد عددا من مراكز الأبحاث واللوبيات لرفض التمويل السعودي، مشيرة إلى أن السعوديين يعترفون بالضرر الذي أحدثته الجريمة على العلاقات مع الولايات المتحدة.
وينقل التقرير عن فراس مقصد من مؤسسة الجزيرة العربية في واشنطن، قوله إن مقتل خاشقجي "كان أسوأ من هجمات 11/ 9" من ناحية الضرر الذي أصاب التحالف، مشيرا إلى أن المركز هو مؤسسة فكرية على اطلاع على التفكير السعودي، والتقى مقصد المسؤولين السعوديين أثناء زيارة للسعودية في آذار/ مارس.
وينوه الكاتبان إلى أن السعودية تنفي تورط ولي العهد في الجريمة، فيما حاول المسؤول السعودي إبراز الجهود التي تقوم بها الحكومة في الرياض لتقديم المشتبه في تورطهم في الجريمة للعدالة، إلا أنها خطوات لم ترض المشرعين في الكونغرس، مستدركين بأنه في الوقت الذي فرضت فيه وزارة الخزانة عقوبات على عدد من السعوديين، إلا أنها لم تكن قاسية وعقابية، وترضي المشرعين في الكونغرس.
وترى المجلة أن التمرد بين المشرعين الجمهوريين حقيقي، وإن كان محدودا، فالسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام عن ساوث كارولينا، وهو أهم حليف لترامب، لم يدعم مشاريع عقابية شاملة للسعودية، لكنه كان ناقدا لمحمد بن سلمان، ودعم غراهام مع الجمهوريين، مثل السيناتور عن إنديانا، تود يانغ مشروع قانون لمعاقبة المسؤولين السعوديين المتورطين في جريمة مقتل خاشقجي، فيما يلتزم بقية الجمهوريين مع رواية ترامب التي تقول إن السعودية هي حاجز ضد إيران.
ويفيد التقرير بأن الإدارة رضخت في بعض الأحيان لمطالب الكونغرس، مثل وقف توفير الوقود للطيران السعودي المشارك في اليمن أثناء التحليق في الجو، مشيرا إلى قول ميرفي إن ترامب وقع بهدوء على قرار يحظر تقديم التدريب للسعوديين، الذي كان يمنحهم تسهيلات على عقود تدريب إضافية، ويعترف ميرفي بمحدودية ما يمكن للكونغرس عمله عندما يتعلق بتعديل العلاقة، قائلا: "يمكننا رسم الحدود، لكننا لا نستطيع الإدارة اليومية".
ويقول الكاتبان: "ربما اختفت هذه القيود لو وصل ديمقراطي إلى البيت الأبيض، ويرى المسؤولون السعوديون في النقد لهم على أنه نتيجة لعلاقتهم القوية مع ترامب، وأنهم أصبحوا (كرة قدم سياسية) بين الرئيس ومعارضيه".
وتذكر المجلة أن مستشار ساندرز، داس، يرى أن ما يقوم به الديمقراطيون من الدفع لكبح جماح السعوديين على يد السعودية ليس أمرا متعلقا بالسياسة، بل لأن ترامب بسلوكه خلق حوافز للمساءلة حول العلاقة، مشيرا إلى أن نهج ترامب قام على التحالف مع الجبهة السعودية الإماراتية والإسرائيلية المعادية لإيران، وهو موقف يختلف عن رؤية ساندرز، وأضاف داس أن هناك الكثير من المشكلات مع إيران وما تفعله في المنطقة وبسكانها، لكن هذا لا يعني حل المشكلات في الحرب.
ويجد التقرير أن ولاء ترامب للسعودية تدفعه الرغبة في عكس اتجاه السياسة التي تبناها أوباما، الذي اتهم بالتقارب مع إيران على حساب السعودية، ووقع أوباما اتفاقية مع إيران في وقت كان فيه حذرا من التحالف مع السعودية، لكنه تجنب تفكيك الشراكة، ولم يكن ليحل الشراكة مع السعوديين في الظروف الحالية.
ويورد الكاتبان نقلا عن ميرفي، قوله: "فكرة أن أوباما تخلى عن السعودية هو نوع من الهراء.. فقد باعهم أسلحة أكثر من أي رئيس سابق، وكان مستعدا لدعمهم في حرب اليمن"، وأضاف: "أعتقد أنه من الخطر التعامل مع محمد بن سلمان، وأعتقد أنه متهور وقوة تدمير في الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن التحالف مع السعودية لن يتغير، لكنه توقع حذرا في التعاون العسكري، وأن يكونوا أقل استعدادا لمتابعة السعوديين في الحرب.
وتشير المجلة إلى أنه عندما سئل المسؤول السعودي للرد على المشرعين الداعين لوقف العلاقة مع محمد بن سلمان، فإنه أجاب: "قيادتنا خط أحمر، ومع كل الاحترام للمشرعين الأمريكيين، إلا أن الخلافة في السعودية هي شأن محلي"، وأضاف أن الوضع لم يتغير بعد تعيين الملك سلمان ابنه وليا للعهد.
وينقل التقرير عن مقصد، قوله إن المشرعين الديمقراطيين يجب عليهم الاعتراف بأن ابن سلمان هو الرجل الذي على رئيس الولايات المتحدة المقبل التعامل معه، لكن السعوديين لم يقوموا بجهد قوي للتواصل مع نقادهم، خاصة بعد مقتل خاشقجي.
ويلفت الكاتبان إلى أن المخاوف لدى مراقبي الشأن السعودي بأن الرياض وضعت رهاناتها كلها على علاقة شخصية مع الرئيس ترامب، وربما تصدع التحالف لو لم يتم انتخابه، مستدركين بأن السعوديين يشعرون بالطمأنينة نظرا لدورهم في استقرار النفط العالمي، وحرب الأفكار في العالم الإسلامي، بغض النظر عمن كان ساكن البيت الأبيض.
وتختم "ذا أتلانتك" تقريرها بالإشارة إلى قول المسؤول السعودي: "في النهاية العلاقة مهمة (للعالم) كي تنهار"، فيما قال ميرفي عن كيفية معاملة ابن سلمان والسعوديين جيدا في إدارة ديمقراطية، بأن عليهم القيام بدور عراب السلام في اليمن، لا أن يكونوا عقبة أمامه.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
بلومبيرغ: لماذا زادت السعودية شراء سندات الخزانة الأمريكية؟
NYT: هل تدخل العلاقة الأنجلو أمريكية مع السعودية في أزمة؟
بلومبيرغ: ما الذي ينتظر سفيرة السعودية الجديدة بواشنطن؟