نشرت صحيفة
"ليبراسيون" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على الوضع في اليمن الذي
دمرته حرب تتدخل فيها العديد من الأطراف الإقليمية.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الإعلان عن الانسحاب الجزئي للقوات
الإماراتية يؤكد حالة الجمود التي يشهدها النزاع في اليمن الذي اندلع منذ سنة
2014. وتعاني البلاد، التي تمثل مسرحا للاشتباكات بالوكالة بين الولايات المتحدة
والمملكة العربية السعودية وإيران، من أزمة إنسانية غير مسبوقة.
وذكرت الصحيفة أنه بعد
أكثر من أربع سنوات من اندلاع الحرب في اليمن، أعلنت الإمارات العربية المتحدة
مؤخرا انسحاب قواتها جزئيا واستعدادها للانتقال إلى منطق "السلام". وقد
مثل هذا القرار، الذي جاء على خلفية التصعيد بين طهران وواشنطن، مفاجأة، لكنه يشير
إلى ركود صراع تتواجه فيه قوتان عظيمتان في المنطقة، وهما المملكة العربية
السعودية وإيران، دون تحديد نهاية الحرب التي أنهكت أفقر بلد في شبه الجزيرة
العربية.
وأوردت الصحيفة أن
اليمن يعيش حربا أهلية تخللتها هدنات متعددة ووقف إطلاق نار نادرا ما تم احترام.
ومنذ سنة 2014، شهد الصراع في اليمن تغيرات عديدة ومستمرة قبل أن يثبت في وضعية
محددة، بخطوط أمامية مجمدة ودولة مجزأة إلى نصفين. كان أول هجوم قوي بقيادة
الحوثيين، حين كانوا يتوسعون انطلاقا من معقلهم الجبلي الشمالي قبل الاستيلاء على
العاصمة صنعاء في أيلول / سبتمبر 2014.
لقد كان الحوثيون
حينها مدعومين من طرف عدوهم السابق، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي طُرد
في سنة 2012 بعد سنة من المظاهرات، والذي وضع تحت تصرفهم القوات التي ظلت موالية
له. وفي الأشهر التالية، واصل المتمردون الحوثيون التقدم نحو الوسط والغرب.
وأشارت الصحيفة إلى
أنه في ربيع سنة 2015، اقترب الحوثيون من عدن، وهي المدينة الرئيسية في الجنوب.
وفي 26 آذار/ مارس من السنة ذاتها، ردت المملكة العربية السعودية من خلال ترأس
تحالف "عاصفة الحزم"، الذي يضم عشرات الدول، بما في ذلك خمس دول خليجية.
وفي اليوم نفسه، فر الرئيس عبد ربه منصور هادي من عدن ولجأ إلى المملكة العربية
السعودية، بعد أن طُرد بالفعل من صنعاء.
إثر ذلك، انطلق هجوم
التحالف، مع قصف الطائرات السعودية وتقدم الجنود الإماراتيين برا. في شهر تموز/
يوليو، تم إعلان عن "تحرير" محافظة عدن. وبعد شهر ونصف، تم الاستيلاء
على خمس محافظات جنوبية أخرى. لكن وبشكل بطيء، بدأ الصراع يشهد وضعية جمود. ففي
كانون الأول/ ديسمبر 2017، قتل المتمردون الحوثيون الرئيس السابق صالح، حليفهم
الأساسي. ثم استمروا في الهجوم المضاد، دون التقدم الفعلي.
اقرأ أيضا: كاتب إسرائيلي يكشف أسباب خلاف ابن زايد وابن سلمان حول اليمن
نوهت الصحيفة بأن
إعلان الإمارات هذا الأسبوع عن تخفيض عدد قواتها المتواجدة في اليمن لفت الانتباه
إلى تورط طرف فاعل غير مرئي في الصراع. إن السعودية هي المسؤول الأبرز عن هذه
الحرب المدمرة، بشكل خاص، منذ أكثر من أربع سنوات.
أولاً، كانت السعودية
صاحبة مبادرة عملية "عاصفة الحزم" وتترأس التحالف العربي الذي يدعم
الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ضد ميليشيات المتمردين الحوثيين التي تدعمها
إيران. ثانيا، تسببت الغارات القاتلة التي نفذتها قواتها الجوية، في سقوط العديد
من الضحايا المدنيين. وقد شجعت هذه الخروقات على ظهور حملات في مختلف الدول
الغربية مناهضة لشحنات الأسلحة الموجهة إلى الرياض.
وأفادت الصحيفة بأنه
في الأسابيع الأخيرة، أصبحت الأراضي السعودية مستهدفة بشكل متزايد من قبل صواريخ
وطائرات مسيّرة قادمة من اليمن. وترتبط هذه الهجمات، التي تبنتها قوات الحوثي،
ارتباطًا واضحًا بالأزمة بين الولايات المتحدة وإيران التي تثير تصاعد التوترات في
المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن
فرانسوا فريسون روش، أخصائي الشؤون اليمنية في المركز الوطني الفرنسي للبحث
العلمي، أن الإمارات ترغب في الترويج لـ "صورة إيجابية عن نفسها. ويمكن
اعتبار هذا الإعلان بمثابة عملية اتصال"، مذكرا بأن الإمارات تتدخل برا بشكل
أساسي، حيث تمسك بزمام السلطة. وأضاف هذا المختص أن الإمارات "تدرب وتسلح
الميليشيات الجنوبية المؤيدة للاستقلال التي تسيطر بواسطتها في الوقت الحالي على
موانئ عدن، ومقر الحكومة اليمنية الشرعية، والمكلا على الساحل الجنوبي".
وباعتبارها المكون الأساسي في التحالف العسكري إلى جانب المملكة العربية
السعودية، أرسلت الإمارات آلاف الرجال ودربت 90 ألف جندي يمني. ومن جهتها، ما زالت
القوى الإقليمية، سواء المعارضة صراحة للحكومة مثل إيران أو المتحالفة مع التحالف
العربي، تلقى الدعم من الفصائل اليمنية شديدة الانقسام.
وأوردت الصحيفة أن
جميع القوات المحلية والإقليمية والدولية المعنية لاحظت حدوث كارثة عسكرية وسياسية
وإنسانية في اليمن. ويتقاسم الجميع رغبة في معرفة مآل هذا النزاع، بمن فيهم الطرف
الذي تتسبب في تفاقمها وهو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وحسب فرانسوا فريسون
روش: "أعتقد أن محمد بن سلمان يرغب في الخروج من هذا الصراع. ومع ذلك، فهو
يريد حفظ ماء وجهه. فهو لا يستطيع تحمل قدرة المتمردين الحوثيين على الوقوف في وجه
القوة الأولى في شبه الجزيرة العربية. وعلى الصعيد الداخلي، هل يمكن أن يحافظ على
مصداقيته إذا أعطى الانطباع بخسارة صراع بدأه بنفسه؟".
NYT: لماذا يعد انسحاب الإمارات ضربة للجهود السعودية باليمن؟
الغارديان: القوات الإماراتية في اليمن تترك المهمة للمرتزقة
MEE: هل يمنح "انسحاب" الإمارات من اليمن مخرجا للرياض؟