أثار إعلان السعودية رسميا الخميس الماضي، تعديلات على نظام وثائق السفر والأحوال المدنية، ردود فعل متباينة بين الترحيب بها والثناء عليها، بوصفها تنصف المرأة وتمنحها حقوقها الطبيعية، وبين التخوف من فتح باب "إفساد النساء" على مصراعيه.
ونصت التعديلات على أنه "يمنح جواز السفر لكل من يقدم طلبا بذلك من حاملي الجنسية العربية السعودية، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية"، كما نص تعديل المادة (الرابعة) لتكون بالنص الآتي: "يكون منح جواز السفر وتصريح السفر للخاضعين للحضانة والقصّر المتوفى وليّهم، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية".
ووفقا لمصادر إعلامية، فإن تلك التعديلات "تمنح المرأة حق استصدار جواز سفر من دون الحاجة إلى موافقة ولي أمرها كما كان معمولا به، وأصبح للمرأة بمقتضى تلك التعديلات ذات الحقوق التي يكفلها القانون للرجل في ما يتعلق بالسفر لمن تجاوزا 21 عاما، ولن تكون ثمة حاجة لتصريح سفر من الولي إلا للحضانة والقصّر المتوفى وليهم".
اقرأ أيضا: لأول مرة.. السعودية تقر سفر المرأة دون محرم أو إذن
من جهته، وتعليقا على تلك التعديلات، قال أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، الدكتور محمد السعيدي: "التعديلات الجديدة ليس فيها إذن بالسفر دون محرم، بل فيها أن المرأة تستطيع استخراج جواز السفر دون أن يتطلب ذلك إذن وليها (المحرم)".
وأضاف: "الولي الذي يريد منع موليته باستطاعته منعها، والنظام لا زال يعطي له الحق في ذلك"، لافتا إلى أن "أقوال العلماء في هذه المسألة مبنية على النصوص، والنص الشرعي يمنع المرأة من السفر دون محرم، فضلا عن إذنه، وعلى فرض أن القرار الإداري لم يلتزم بها، فهو ليس فتوى، ومن أراد الفتوى فهي على حالها ويمكن مراجعة موقع اللجنة الدائمة لهيئة كبار العلماء، ليجد الأمر على حاله".
وردا على سؤال "عربي21" حول ما تضمنته التعديلات الجديدة من رفع سلطة ولاية الرجل على المرأة في السفر لفت السعيدي إلى أنه "لا يوجد سابقا أي مرسوم يقول إن للرجل ولاية على المرأة، بل كان الأمر موكولا للفتوى، وكانت إدارة الجوازات تقوم بدور رب الأسرة فتشترط إذن الولي في إصدار الجواز".
وقال: "وما حدث أن الإجراء الجديد ألقى مسؤولية الإذن والمنع على الولي نفسه، ولا يوجد قرار يمنع سلطة الولي على موليته، وبإمكانه في ظل الالتزام الأسري منعها من التقدم بشكل رسمي لإمارة المنطقة لمنعها، هذا بالضبط ما حدث".
وتابع حديثه مؤكدا أن "الفتوى ستبقى على ما هي عليه، فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم".
"إلهاء متعمد"
من جانبه، وبرؤية مغايرة، لفت المعارض السعودي، سلطان العبدلي إلى أنه "لا يحب في مثل هذه الظروف الدخول في تفاصيل يعمل النظام على جر السعوديين إليها حول ولاية الرجل على المرأة ليلهينا عن القضية الأساسية الكبرى، ألا وهي قضية الحرية، وانتزاع الشعب لحقه في قيادة نفسه، وتولي أمره بنفسه، فالشعب كما هو متقرر شرعا وحضاريا لا ولاية ولا وصاية لأحد عليه".
وتساءل العبدلي في حديثه لـ"عربي21": "أين حقوق المرأة، وقد سبق النظام السعودي غيره من أنظمة الاستبداد في سجن عشرات النساء، والحوامل منهن، والتحرش بهن، ومحاولة اغتصابهن والتهديد بذلك من قبل وزيره الأثير؟".
"خوف من كلمة الحق"
وعن مواقف العلماء من التعديلات الجديدة وغيرها قال العبدلي: "أشجع العلماء قلبا، وأقواهم لسانا صامت، وإلا فسجون ذهبان والحائر له بالمرصاد، وهم مع غيرتهم التزموا الصمت عن كلمة الحق خوفا من تبعات ذلك، وضريبته العالية، ولم ينبرِ لها إلا الشيخ سفر الحوالي كما هو معروف".
وقال: "أما المؤسسة الدينية الرسمية، فقد أصبح همها الوحيد تخضيع الناس للحاكم، بكل ما يقوم به من عبث بالبلد وبسمعته واقتصاده، وباتوا يفتون باتجاه تحفيز الناس حتى يقوموا بالتبليغ بعضهم عن بعض لدى أمن الدولة"، على حد قوله.
رأي الشرع
بدوره، أوضح أستاذ الحديث النبوي وعلومه في جامعة الرزقاء الأردنية، الدكتور أسامة نمر، أن الشريعة من حيث الأصل منعت المرأة من السفر وحدها، واشترطت لذلك وجود المحرم، استنادا إلى الحديث النبوي المعروف "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم"، فالأحاديث الواردة تدل على أن هذا يشمل كل سفر".
وإجابة عن سؤالي "عربي21"، "هل ثمة أقوال فقهية أخرى تجيز للمرأة السفر بدون محرم؟ وهل الأحاديث الواردة على عمومها؟" ذكر نمر أن العلماء قديما بحثوا هذه المسألة في ما يتعلق بوجوب الحج على النساء، إن لم يكن لهن محرم".
اقرأ أيضا: صحيفة سعودية: إلغاء إذن الولي لاستخراج جواز سفر المرأة
وتابع: "فمنهم من أخذ بظاهر الأحاديث المذكورة ومنع سفرها للحج بغير محرم كما هو عند الأحناف والحنابلة، ومنهم من أجاز سفرها للحج إذا وجدت الرفقة المأمونة، كالشافعية والمالكية، واستدلوا لذلك بما أخرجه البخاري أن عمر بن الخطاب أذِن لأزواج النبي عليه الصلاة والسلام في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف".
ورأى نمر أن السفر في زماننا لم يعد محفوفا بمخاطر كبيرة كما كان في السابق، لافتا إلى أن النهي في الحديث معلل بالخوف على المرأة لعدم الأمان، وإذا كان فقهاؤنا السابقون أجازوا للمرأة السفر للحج إذا توفر الأمان والرفقة المأمونة فما المانع أن يكون ذلك في الأسفار كلها؟".
وبحسب اجتهادات فقهية، فإن "تحريم سفر المرأة بغير محرم إنما حرم سدا للذريعة"، ومعروف أن القاعدة الفقهية تنص على "أن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وأما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة"، وفق تقديره.
موقع أمريكي: نفوذ ابن سلمان في المنطقة ينحسر لهذه الأسباب
صمت الرياض من تحركات أبوظبي باليمن.. تكتيك أم فقدان للبوصلة؟
"متى ناوية تسافرين".. هكذا علقت سعوديات على تسهيلات سفرهن