نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتبة ليز سلاي، تحت عنوان "طموحات الإمارات العربية المتحدة ترتد سلبا عليها".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن حليفا قويا للولايات المتحدة أدى دورا مهما في دفع الرئيس دونالد ترامب باتجاه السياسة المتشددة ضد إيران يتخلى عن الولايات المتحدة، ما يضع أسئلة حول مصداقيته.
وتلفت سلاي إلى إرسال الإمارات وفدا من خفر السواحل إلى طهران للتباحث حول أمن الملاحة البحرية، في وقت تقوم فيه الولايات المتحدة بإرسال التعزيزات العسكرية والبوارج الحربية إلى منطقة الخليج، وهو ما يضع أبو ظبي على طرف النقيض مع سياسة ترامب في عزل إيران.
وتقول الصحيفة إن الإمارات تميزت في موقفها عن الولايات المتحدة والسعودية، بعد التفجيرات التي استهدفت ناقلات تجارية للنفط، ورفضت تحميل إيران مسؤولية الهجمات، وأعلنت عن تخفيض حجم قواتها في اليمن، الذي كانت تقاتل فيه إلى جانب السعودية المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران، وهو ما فتح الباب في نهاية الأسبوع للانفصاليين الجنوبيين الذين تدعمهم الإمارات للسيطرة على ميناء عدن، في تباين جديد مع الولايات المتحدة.
وينوه التقرير إلى الوصف الذي أطلقه وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس على الإمارات، وأنها "أسبرطة الصغيرة"؛ نظرا للدعم القوي الذي قدمته الإمارات للأمريكيين في الصومال وأفغانستان، فيما شن الطيران الأمريكي معظم غاراته على تنظيم الدولة من قاعدة الظفرة في الإمارات، ما يجعل الأخيرة جزءا لا يتجزأ من البصمات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
وتستدرك الكاتبة بأن الإماراتيين، الذي يجدون أنفسهم بمرمى الهدف الإيراني في حرب محتملة مع إيران، غيروا اتجاه سياستهم، وبدأوا في الدعوة لتخفيف التصعيد، وأبعدوا أنفسهم عن الخطاب الناري لإدارة ترامب، مشيرة إلى قول مسؤول إماراتي إن "الإمارات لا تريد الحرب، وأهم شيء هو الأمن والاستقرار وتحقيق السلام في هذه المنطقة من العالم".
وتذكر الصحيفة أن محللين ودبلوماسيين يرون أن قدرة الولايات المتحدة التعويل على الإمارات في حال تطور الوضع الحالي إلى حرب بين الولايات المتحدة وإيران، باتت الآن موضع شك.
وينقل التقرير عن المحلل تيودور كراسيك من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، قوله: "تبتعد الإمارات وبشكل متزايد عن أهداف الولايات المتحدة"، وتساءل قائلا: "هل هي الحلقة الأضعف في سياسة ترامب لممارسة أقصى ضغط على إيران؟ ربما".
وتقول سلاي إن هذه ليست المرة الأولى التي تبتعد فيها الإمارات عن أمريكا، فمنذ عقود تدير هذه الدولة الغنية سياساتها، التي يدفع بها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والقائمة على معارضة أشكال الإسلام السياسي كلها.
وتشير الصحيفة إلى أن الإمارات مولت الانقلاب على حكومة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، التي حظيت بدعم من الولايات المتحدة، ودعمت الجنرال خليفة حفتر ضد الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة والأمم المتحدة في طرابلس، وقادت مع السعودية حملة حصار قطر، حليفة الولايات المتحدة، لافتة إلى أن الإمارات قامت بحملة علاقات عامة واسعة في واشنطن، منحتها صوتا قويا في البيت الأبيض، وأسهمت في تشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط وعلى أعلى المستويات.
ويلفت التقرير إلى أنها كانت من أشد الناقدين للاتفاقية النووية التي وقعتها الولايات المتحدة ودول أخرى مع إيران، ودعمت قرار الرئيس ترامب الخروج منها العام الماضي، مشيرا إلى أن الإمارات تقول إنها لم تفكر أبدا في أن يقود خروج الولايات المتحدة إلى مواجهة مع إيران، بل إنها تأمل بأن تؤدي العقوبات القاسية إلى دفع إيران لطاولة المفاوضات، وهو الهدف الذي تريد الولايات المتحدة تحقيقه، وبدلا من ذلك ردت إيران وبدأت حملة تهديدات وتحرشات في منطقة الخليج، بشكل أدى إلى زيادة تعزيزات البحرية الأمريكية والبريطانية في المنطقة، وهو ما فاجأ الإمارات.
وترى الكاتبة أن موقع الإمارات واقتصادها وسمعتها بصفتها منطقة آمنة للسياح الأجانب عرضة أكثر من أي دولة، حتى لمواجهة بوتيرة متدنية بين الولايات المتحدة وإيران، مشيرة إلى أن المواجهة لو حدثت ستكون في مضيق هرمز، الذي يغلف الإمارات، وتعتمد على مياهه في التجارة.
وتنوه الصحيفة إلى أنه من أجل بناء ناطحات السحاب، وتوفير الخدمات للفنادق التي جذبت السياح، فإنها قد جندت العمالة الوافدة من أنحاء العالم كله، ويشكل هؤلاء 90% من نسبة السكان، وهم من يديرون البنى التحتية الحيوية فيها كلها، بما في ذلك المستشفيات والقوات المسلحة.
ويورد التقرير نقلا عن إليزابيث ديكنسون من مجموعة الأزمات الدولية، قولها إن خوف الأجانب من مواجهة وقرارهم الخروج يعني شل الحركة في البلاد، وأضافت: "الرهانات عالية بالنسبة للإمارات، فضربة تصل الأرض الإماراتية وتدمر البنى التحتية الحيوية ستكون مدمرة.. من الناحية الرمزية ستؤدي إلى تشويه سمعة أهم دول المنطقة من الناحية الاقتصادية".
وتشير سلاي إلى تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي أشار إلى أن الإمارات ستكون هدفا حالة اندلعت المواجهة، وعلق ساخرا عما سيبقى من أبراج الزجاج، وتساءل إن كان تدمير الإمارات سيصب في مصلحة حكام الإمارات وشعبها.
وتذكر الصحيفة أن المسؤولين يرفضون ما يقال عن فك ارتباطهم بالمنطقة، وأكدوا أنهم سيواصلون ارتباطهم بها، فسحب القوات من اليمن هو محل للنقاش منذ شهور، وجاء من أجل دعم العملية السلمية كما يقولون، بالإضافة إلى أن زيارة الوفد الإماراتي إلى إيران جاءت في سياق التفاوض حول حقوق الصيد في مضيق هرمز، ولا علاقة لها بالأزمة الحالية، ويقولون إن الدعوة لخفض التصعيد لا تتناقض مع الموقف من إيران، وبأنها دولة توسعية وخطيرة، وكذلك خططها لتطوير صواريخ باليستية، وأنه يجب في هذه الحالة ضبط تحركاتها.
وينقل التقرير عن سكان في الإمارات ودبلوماسيين، قولهم إن هناك نوعا من تبادل الاتهامات حول الطموحات التي يتابعها الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، التي وصلت مداها، ورؤية البلد عن نفسه بصفتها صخرة للأمان والاستقرار في المنطقة.
وتورد الكاتبة نقلا عن رجل أعمال في دبي، قوله: "يبدو أنهم توسعوا أكثر من قدرتهم ولم يحسبوا العواقب"، وأضاف: "دمر التوسع العسكري الفكرة عن الإمارات كونها بلدا آمنا، وباتوا يشعرون بخطر المضي مع الأمريكيين".
وتقول الصحيفة إن تراجع الإماراتيين عن دعمهم لخروج ترامب من الاتفاقية هو آخر حلقة في سلسلة من المغامرات التي لم تحقق مبتغاها، فالتورط في حرب اليمن أدى إلى شجب دولي، مع أن السعودية هي التي قامت بمعظم الغارات الجوية، فيما أثر حصار قطر على الاقتصاد الإماراتي، مشيرة إلى أن دعم أبو ظبي لخليفة حفتر أدى إلى سفك دماء دون أن تؤدي حملته على العاصمة طرابلس إلى حرف في مسار الحرب.
ويفيد التقرير بأنه في واشنطن لم تنجح محاولة الشيخ محمد عقد صلات بين الرئيس ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل إن محاولته في جزر السيشل أدت إلى اهتمام المحقق الخاص روبرت مولر، الذي حقق في التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وورد اسم الشيخ محمد إلى جانب بوتين في التقرير النهائي، مشيرا إلى أن التحقيقات تتواصل مع أصدقاء ولي عهد أبو ظبي، وآخرهم صديق ترامب رجل الأعمال والملياردير توم باراك، الذي اتهمه الديمقراطيون الأسبوع الماضي بمحاولة التأثير على خطاب ترامب في حفلة التنصيب، ومنح الإماراتيين فرصة التأثير عليه.
وتنقل سلاي عن المحلل السياسي الإماراتي عبد الله عبد الخالق، قوله إن خطأ الإمارات يكمن في الارتباط وبقوة مع ترامب بصفته بديلا عن الرئيس باراك أوباما، وثيت أن الأول ليس أفضل من الثاني، وتساءل قائلا: "هل تريد أن تضع بيضك كله في سلة واحدة"، وأشار إلى قرار ترامب في حزيران/ يونيو التخلي عن ضرب إيران ردا على إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة، قائلا: "كانت لحظة مهمة للإمارات والمنطقة، وافترض الجميع أن ترامب رجل قادر على الوفاء بوعوده، وعندما حانت الفرصة تراجع".
وتلفت الصحيفة إلى أن الإماراتيين شعروا بالسخط عندما قال ترامب إنه كان على بعد 10 دقائق من ضرب إيران دون أن يخبر حلفاءه، فيما لم يعلق الإماراتيون عما إذا كانوا سيسمحون لأمريكا بشن حرب من أراضيهم ضد إيران، ولم يردوا على طلب وزير الخارجية مايك بومبيو الانضمام لقوة دولية لحماية الملاحة في الخليج.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول المحلل كراسيك إن هذا الأمر أثار شكوكا حول موقف الإمارات، وأضاف: "هذا سؤال كبير، هل ابتعدت الإمارات عن أمريكا؟ هناك مشكلات اقتصادية محلية وخلافات حول ما يجب عمله مع إيران، إلا أن الإمارات خاضعة في النهاية لمظلة الحماية الأمريكية، وهذا هو المهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)