نشر موقع "ذا إنترسبت" تقريرا للكاتب جوردان مايكل سميث، تحت عنوان "كيف أصبح صوت أمريكا الفارسي آلة دعائية لترامب؟"، وأشار فيه الى التحولات الذي مرت بها الإذاعة منذ تولي الرئيس دونالد ترامب الحكم في بلاده عام 2016.
ويلخص التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، هذه التحولات من خلال حرب تغريدات تلقتها موظفة سابقة في "صوت أمريكا"، وهي نيغار مرتضوي، الصحافية التي تغطي العلاقات الإيرانية الأمريكية، التي تعودت على تلقي تغريدات لاذعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويشير سميث إلى أن وصف أحدهم لها من خلال تغريدة بـ"الخائنة المجرمة" أصابها بالصدمة، بل إنه زاد عندما قال إنها "جاسوسة وعدوة الشعب"، وقال في تغريدة أكثر حقدا: "لو كانت للولايات المتحدة قوانين العصور الوسطى مثل إيران لتم إعدام هذا البوق الفاسد للنظام".
ويستدرك الموقع بأن ما جعل هذه التغريدات غير عادية أنها لم تأت من شخص عابر، بل من علي جافنماردي، وهو الصحافي البارز في "صوت أمريكا الفارسي"، وهي القناة التي تملكها الولايات المتحدة وتبث برامجها للإيرانيين، مشيرا إلى أن مرتضوي قامت بالشكوى للقناة من تغريدات جافنماردي، وكتب أحد المحررين تحذيرا له، وأكد له أن الهجمات الشخصية غير مقبولة، لكنه لم يحذف التغريدات ولا تزال موجودة.
ويجد التقرير أن الهجمات الموجهة ضد مرتضوي هي جزء من أشكال معروفة في صوت أمريكا الفارسي، حيث يقوم صحافيون بمهاجمة الأمريكيين الذين يرون أنهم لا يدعمون سياسة ترامب تجاه إيران، وفي خرق واضح لمعايير القناة، فمنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 أصبح معظم العاملين في القناة من المؤيدين لترامب، وتخلو عن المهنية في العمل والمعايير القائمة على تقديم رؤية إخبارية متوازنة، مشيرا إلى أنه ليس من المستغرب أن يعمل الموظفون على وسائل التواصل الاجتماعي مثل ترامب نفسه.
ويقول الكاتب إن الصقور في واشنطن كثيرا ما اشتكوا من صوت أمريكا الفارسي، وبأنه ليس عدوانيا بالدرجة الكافية ضد إيران، ففي تقرير أصدرته مؤسسة التراث عام 2012 اتهم فيه صوت أمريكا الفارسي بموالاة إيران ومعاداة أمريكا، وبأنها "قامت بنشر تقارير إخبارية سلبية عن قصف العراق مشيرة إلى أن الحرب كانت خطأ".
ويلفت الموقع إلى أن كتابا في صحيفة "وول ستريت جورنال" و"كومنتري" عبروا عن مواقف عدائية مماثلة تجاه القناة، مشيرا إلى أن المفارقة هي أن القناة، التي ظهرت في الأربعينيات من القرن الماضي، معروفة بعدوانيتها ضد إيران منذ الثورة عام 1979.
وينقل التقرير عن مدير التحرير السابق علي ساجدي، قوله قبل تقاعده العام الماضي: "كانت دائما معادية للنظام"، فيما قال المحرر التنفيذي السابق محمد منظربور إنه صدم عندما بدأ العمل في عام 2013 في صوت أمريكا بعد سنوات في "بي بي سي"، واكتشف أن القناة التي سيعمل بها مليئة بالموالين للنظام الملكي السابق، والمؤيدين لجماعة مجاهدي خلق المعادية لنظام طهران.
ويستدرك سميث بأنه رغم مظاهر القصور كلها، التي عانى منها إذاعة صوت أمريكا الفارسي، إلا أنها بثت تقارير متوازنة وناقدة للولايات المتحدة، وعرضت ملامح إيجابية لاتفاقية باراك أوباما النووية مع طهران، ولهذا السبب أثارت سخط الصقور، فهي لم تعمل بصفتها بوقا دعائيا ينشر أفكار اليمين المتطرف من إيران.
وينوه الموقع إلى أن الضيوف عادة ما تحدثوا عن دور إيجابي لإيران في المنطقة، ولم يتحدثوا عن ضرورة الإطاحة بنظامها، مشيرا إلى أن هذا كان قبل انتخاب ترامب، حيث تحولت القناة، كما يقول ساجدي إلى "بوق لترامب، فقط ترامب ولا شيء غيره"، فيما وصف منظربور الوضع بأنه "دعاية صارخة"، وقال إن برامج القناة تخلو "من الموضوعية والحقائق".
وبحسب التقرير، فإنه يتم التركيز في التغطية على مجاهدي خلق، مع أنه لا يوجد دعم لها في داخل إيران، ولديها سجل في العنف الإرهابي، وتوصف بالجماعة التي تعبد قادتها.
ويورد الكاتب نقلا عن موظف في القناة، قوله إن "صوت أمريكا الفارسي بات ولأول مرة منذ عقود يعمل ذراعا إعلاميا لجماعة مجاهدي خلق، ويوفر تغطية شاملة لاجتماعاتها ومناسباتها".
ويفيد الموقع بأن صوت أمريكا الفارسي منح مساحة لنشر مقالات منسوبة إلى المؤيد لمجاهدي خلق حشمت علوي، الذي كشف "إنترسبت" في حزيران/ يونيو الماضي أنه وراء مؤسسة دعائية مقرها في مجمع الحركة في ألبانيا، مشيرا إلى أن صوت أمريكا الفارسي نشر مقالات كالت المديح لرضا بهلوي، نجل الشاه، الذي يرى صقور واشنطن فيه زعيما محتملا للمعارضة.
ويذكر التقرير أن القناة تستضيف المتشددين ضد إيران، مثل وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ومبعوث ترامب الخاص لفنزويلا إليوت أبرامز، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لافتا إلى أن القناة منحت مساحة لمعلقين مثل مايكل ليدين وشخصيات مرتبطة بمراكز بحث تابعة للمحافظين الجدد، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ومؤسسة التراث ومعهد هدسون.
وينقل سميث عن متحدثة باسم القناة قولها إنها لا تستطيع مناقشة أفراد، لكنها أخبرت "إنترسبت" أن الصحافيين في صوت أمريكا كلهم، سواء من الحكومة الفيدرالية أو من المتعاقدين، يتوقع منهم الالتزام بسياسة القناة المتعلقة بمنابر التواصل الاجتماعي، التي تم تحديدها في دليل الممارسة، مشيرة إلى أنه عندما يتم خرق السياسة فإنه يتم تذكير الموظفين بالسياسة وأهمية الالتزام بها، وأكدت أن صوت أمريكا يواصل مهمته من خلال تقديم تقارير إخبارية دقيقة ومتوازنة وشاملة ومحتويات على الإنترنت للمشاهد العالمي، خاصة من حرموا من الإعلام الحر والمفتوح.
ويورد الموقع نقلا عن الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية أزادي موافيني، قولها عن قناة صوت أمريكا بأنها "موالية لترامب بطريقة لا تهتم بما تتسبب به سياساته من ضرر على الإيرانيين.. إنها دعاية عارية وبوق لا يخدم العلاقات" بين البلدين.
ويرى عدد من الأشخاص قابلهم الكاتب أن تحول القناة لتأييد ترامب نابع من عوامل داخلية، فمن يريدون مواصلة مسيرتهم الصحافية والمعادون للنظام حاولوا التقرب من ترامب، فيما وجد آخرون الفرصة للترويج لأفكارهم المشابهة لما يدعو إليه ترامب، مشيرا إلى أن هناك من حاول بدعمه سياسات ترامب الحفاظ على وظيفته، كما يقول الكاتب السابق في صوت أمريكا الفارسي فافا أزربهاري.
ويشير التقرير إلى أنه بعد انتخاب ترامب بدأ حلفاؤه بالدعوة إلى تغيير القناة وسياستها، وكتب المعلق اليميني كينث تيمرمان مقالا، يصفها فيه بـ"الكارثة"، وأتبع ذلك بمقال وصفها فيه بـ"صوت طهران"، وظهرت مقالات أخرى في "وول ستريت جورنال" و"واشنطن إكزامنر"، لافتا إلى أنه في كانون الأول/ ديسمبر 2016 تم حل مجلس الأمناء للإذاعة، وهو المجلس المستقل الذي يشرف على "صوت أمريكا"، وتم تركيز السلطة في يد مدير عين لأسباب سياسية.
ويقول الكاتب إنه بدا أن الأمور قد تغيرت، ففي كانون الثاني/ يناير نشرت القناة تغريدة المتحدث باسم ترامب شون سبايسر، التي زعم فيها أن حفلة تنصيب ترامب هي الأضخم في التاريخ، وبعد يومين زارها مساعدان لترامب، في رسالة واضحة عمن يديرها الآن.
ويفيد الموقع بأنه في عام 2017 قام رئيس مجلس أمناء الإذاعة كينث وينستاين، وهو مدير معهد هدسون، بدعوة مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، وهو مركز متشدد آخر، بمراجعة برامج إيران، وكانت نتيجة التقرير أن صوت أمريكا لم يكن ناقدا بدرجة كافية للنظام الإيراني، ولا الاتفاقية النووية التي وقعها أوباما عام 2015، مع اعترافه بأن القناة خصصت مساحة لتغطية مصير الأقليات داخل إيران.
ويورد التقرير نقلا عن تقرير المراجعة، قوله إن "التغطية المميزة لحالة العلاقات الأمريكية- الإيرانية أدت إلى انطباع خاطئ، وهو أن النظام الإيراني أصبح أكثر قربا من الولايات المتحدة"، وانتقد التقرير طريقة تغطية القناة للولايات المتحدة وإيران، التي تعاملت معهما على قدم المساواة.
ويبين سميث أنه كان من أهم التغيرات قرار لجنة في مجلس الشيوخ عام 2018، الذي يدعو بومبيو لاستخدام مجلس الأمناء لمواجهة التأثير الإيراني، وطلبت اللجنة من مجلس الأمناء تخصيص مواد ومصادر تغطي إيران ووكلائها في سوريا والعراق وتأثيرها السلبي.
ويلفت الموقع إلى أن الصحافيين في صوت أمريكا الفارسي بدأوا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار دعمهم لترامب، وحثه على مواقف أكثر شدة من إيران، ففي 20 أيار/ مايو أطلق صاروخ من شرق العاصمة العراقية بغداد، حيث تعمل مليشيا إيرانية، سقط قرب السفارة الأمريكية، فكتب ترامب تغريدة، قال فيها: "ارتكبت طهران خطأ كبيرا"، فكتب جافنماردي: "سيدي الرئيس يجب أن تعاقب النظام الإيراني، فقد ضربوا موقع السفارة الأمريكية، ويجب معاقبتهم".
ويفيد التقرير بأنه في الوقت ذاته بدأ موظفو القناة باستهداف نقاد سياسات ترامب، ففي آذار/ مارس كتب سمان أربابي، الذي يقدم البرنامج الساخر "برازيت"، تغريدة هاجم فيها النائبة عن مينسوتا إلهان عمر، وشبه فيها حجابها بالقناع الذي يلبسه أتباع جماعة الكوكلاكس كلان.
ويختم "إنترسبت" تقريره بالإشارة إلى أن الخطر في تحولات صوت أمريكا الفارسي ليس في التغريدات، لكن في المسار التحريري، الذي يحول القناة إلى قناة دعائية للصقور، في وقت تدفع فيه دوائر في إدارة ترامب باتجاه شن حرب مع إيران.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
واشنطن بوست: خيارات ترامب والنظام الإيراني باتت محدودة
مونيتور: هذه دلالات عودة القوات الأمريكية إلى السعودية
FT: لماذا صمت رجال الدين السعوديون على عودة القوات الأمريكية؟