بالتزامن مع صدور تقرير للبنك الدولي قال فيه نسبة الدين الخارجي لمصر تجاوزت 106 مليارات دولار، أعلنت الحكومة المصرية أن العام المالي 2021/ 2022، سيشهد انخفاض نسبة الدين الحكومي للناتج المحلي إلى أقل مما كان عليه قبل 2011.
وقالت الحكومة، في بيان صادر عن وزارة المالية، السبت، إنها نجحت في خفض نسبة الدين الحكومي للناتج المحلي من 108% نهاية يونيو 2017 إلى 98% نهاية يونيو 2018، ثم 90.5% نهاية يونيو 2019، ومن المستهدف أن تكون 82.5% نهاية يونيو 2020، وتُصبح 77.5% نهاية يونيو 2022.
والأسبوع الماضي، قال وزير المالية المصري، محمد معيط، إنه "خلال عامين سنقضي على الدين نهائيا، ونُسلم مصر آمنة إلى من يأتي بعدنا"، لافتا إلى أن نسبة ديون مصر إلى الناتج المحلي وصلت منذ عامين إلى 108 بالمئة، وانخفضت الآن إلى 90.5 بالمئة.
ووفقا لتقرير البنك الدولي، زاد الدين الخارجي، بنحو 18 مليار دولار خلال العام الماضي، وزاد خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام المالي الجاري بنحو 9.6 مليارات دولار، وهو ما يعني أن المستوى الحالى للدين الخارجي في مصر عند 106 مليارات دولار أعلى من توقعات صندوق النقد الدولي التي حددته عند 104.4 مليارات دولار بنهاية يونيو 2019.
"تجميل الأرقام"
وحول التناقض في الأرقام بين بيانات البنك الدولي وتصريحات الحكومة المصرية، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، صلاح فهمي، لـ"عربي21"، إن الحكومة دائما تلجأ لتجميل الأرقام بهدف تهدئة الرأي العام، مضيفا: "لو تحدث المسؤولون عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية لثار الشعب ضدهم".
واستطرد فهمي قائلا: "عندما تحدث وزير المالية عن أن حكومته سوف تضطر للاقتراض مرة أخرى من الخارج من أجل سداد الديون المستحقة، تم توبيخه، وتم منعه فترة من الحديث إلى الإعلام، بسبب صراحته، وهو ما دفعه حاليا إلى تجميل تصريحاته".
اقرأ أيضا: تحليل: إشادة النقد الدولي باقتصاد مصر تتناقض مع فقر الملايين
وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن "حديث الحكومة عن أن الموازنة العامة للدولة حققت فائضا أوليا، لا يعني أن عجز الموازنة العامة للدولة انتهى، بل هذا يعني أنها استبعدت من حساباتها قيمة أقساط وفوائد الديون، وبالتالي أظهرت الحسابات أن الإيرادات أعلى من النفقات".
والشهر الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفيإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد نما 5.6 بالمئة في السنة المالية 2018-2019، وبلغ الفائض الأولي لمصر اثنين بالمئة، بينما بلغ عجز الميزانية 8.2 بالمئة.
وأضاف فهمي: " الحكومة في حساباتها تتحدث عن أرقام الدين، وتستبعد زيادة معدل خدمة الدين (الفوائد والأقساط)، وهو الأكثر خطورة على باقي بنود الموازنة العامة للدولة".
وتابع: "كما أن حديث الحكومة عن تراجع نسبة الدين المحلي إلى الناتج المحلي إلى 60 بالمئة، لا يعني أن معدلات الدين انخفضت، وإنما نسبة زيادة الناتج المحلي أصبحت أكبر من زيادة الدين"، موضحا أن الحكومة عندما تتحدث عن معدل نمو في الناتج المحلي بنسبة 5.8 بالمئة، فهذا يعني أن معدل نمو الدين المحلي قد يكون 5 بالمئة أو أقل، ولا يعني انخفاضا في حجم الدين نفسه.
وتعتمد مصر على الاقتراض الخارجي والأموال الساخنة من الأجانب في أدوات الدين لتوفير الدولار بجانب المصادر الأساسية مثل إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج، ولم تشهد الصادرات نموا ملحوظا، وهو ما يعزز من وجهة النظرة التي تشكك في تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري، وترى أنه "تحسن وهمي" و "إنجاز رقمي" مدفوع بالقروض و"فقاعة الأموال الساخنة".
وكشف نائب وزير المالية المصري، أحمد كجوك، لرويترز، على هامش المؤتمر، عن أن صافي استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية "الأموال الساخنة" بلغ 19.2 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف وحتى منتصف حزيران/ يونيو الماضي.
اقرأ أيضا: MEE: هؤلاء المستفيدون من قرض صندوق النقد الدولي لمصر
"فوائد الدين"
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، في تصريحات سابقة لـ"عربي21"، إن مصر "إذا صارت في طريقها للاستدانة بنفس المعدل الذي تسير فيه بالوقت الحالي (زيادة في معدلات فوائد الدين بنحو 3 بالمئة كل عام) فإن مصر تحتاج إلى 50 عاما على الأقل حتى تكون هناك شبهة إفلاس، وكلما ارتفع هذا المعدل كلما اقتربنا من خطر الإفلاس والعكس صحيح، فإذا زاد إلى نحو 30 بالمئة على سبيل المثال فأنت تحتاج إلى 3 سنوات فقط للوصول إلى مرحلة الإفلاس".
وأضاف: "المتابع لتفاقم أزمة الديون في مصر، سيجد أن مدفوعات الدين بالموازنة العامة تزيد بنحو 10 بالمئة كل عام، فسيصل إلى نتيجة مباشرة أن الاقتصاد المصري في طريقه للانهيار بعد سنوات قليلة. لكن تبقى هذه النظرة أحادية وتتجاهل جوانب أخرى مضيئة كزيادة تحويلات المصريين العاملين في الخارج (نحو 26 مليار دولار سنويا)، وبعض المشاريع الإنتاجية في مجال الزراعة التي تساهم في توفير احتياجات السوق المحلي، والتي ساهمت في تراجع أسعار بعض السلع بنحو 10 بالمئة مقارنة بالعام الماضي كاللحوم وبعض أنواع الخضروات كالطماطم والبطاطس".
وأكد عبد المطلب أن "مصر لديها مشكلة في توفير مدفوعات الدين العام، والاعتقاد الحكومي بأن زيادة الديون الخارجية دليل نجاح يمثل أزمة حقيقية يجب الالتفات إليها. وفي نفس الوقت يجب ألا نتجاهل في قراءتنا لمؤشرات الاقتصاد المصري وخاصة المتعلقة بالدين العام، وجود زيادة في إنتاج بعض القطاعات".
وقال الخبير الاقتصادي: "البعض عندما ينظر إلى الدين الخارجي واستفحاله، ثم مدفوعات الدين العام (الخارجي والداخلي) يجد أن هذه المدفوعات تلتهم أكثر من 60 بالمئة من الإيرادات التي تحصل عليها مصر، وما يتبقى من إيرادات الدولة جزء صغير لا يفي بالاحتياجات المطلوب انفاقها على الصحة والتعليم والاستثمارات".
وتابع: "الموازنة العامة الجديدة بها 211 مليار جنيه فقط موجهة للاستثمارات (10 ملايين دولار)، وهو مبلغ زهيد جدا، وفي المقابل تجد أن المبلغ المخصص لسداد الديون الخارجية والداخلية يقترب من 25 مليون دولار (أي أن المبلغ المخصص لسداد الديون في الموازنة الجديدة يعادل مرة ونصف المبلغ المخصص للاستثمارات)".
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن "البعض في قراءته للمؤشرات يتخوف من أن زيادة المدفوعات للفوائد تحرم الموازنة العامة من توفير الاستثمارات، وهو ما يؤدي إلى تراجع معدل النمو، وتراجع معدل النمو يؤدي إلى تراجع الدخل، وتراجع الدخل يقود إلى البطالة". وفي المقابل يرى البعض الآخر، بحسب عبد المطلب، أن زيادة معدلات الفوائد السنوية ليست كبيرة بالقدر الذي يشكل خطرا يؤدي إلى عجز الدولة عن توفير الأموال اللازمة لسدادها وانهيار الاقتصاد.
تحليل: إشادة النقد الدولي باقتصاد مصر تتناقض مع فقر الملايين
زيادة أسعار الوقود بمصر يرفع معدلات التضخم خلال يوليو
السيسي يحدد "مبلغا خياليا" لموازنة مصر.. ما حقيقته؟