من المؤكد هنا، أن العلاقات الأردنية السورية، في جانبها الاقتصادي، تمر في أسوأ حالاتها، منذ افتتاح معبر جابر، وهي غير مؤهلة حاليا، للتطور، تعبيرا عن موقف سياسي أولا.
راهن كثيرون على تحسن العلاقات الأردنية السورية، ولو من باب التجارة والاستيراد والتصدير، وقد تسرب سابقا الكلام الذي قاله دبلوماسي أميركي للقطاعات التجارية الأردنية الذي قال عبره إن واشنطن لا تريد أن تتطور العلاقات التجارية، خصوصا، بعد افتتاح معبر جابر، وهذا الكلام، جاء بعد تصعيد أردني وعربي، في فترة ما، كاد أن يؤدي إلى تبادل السفراء، بين دمشق وعمان، وعواصم عربية، إلا أن هذا التصعيد سرعان ما خفت.
واشنطن هنا تعترض على أي محاولة عربية أو أردنية من أجل تحسين العلاقات التجارية مع السوريين، والواضح أن المستهدف شكلا، ليس الأردن، بل دمشق التي يراد لها أن تبقى محاصرة، ومخنوقة، وتحت العقوبات، فلا يصلها نفط، ولا تنتعش قطاعاتها الاقتصادية، لكن بالمقابل، يخسر الأردن الكثير، في هذه الحالة، لان خنق عمان اقتصاديا مع السوريين والعراقيين، يؤدي إلى اضرار كبرى، لا تتكرم علينا واشنطن، بتعويضها، ولا حتى الطلب من العرب تعويضها، بل يفرضون اشتراطاتهم، ويريدون أن يدفع الأردن الثمن، في معركة يستهدفون فيها النظام السوري، فيما نحن ندفع الفاتورة، على كل المستويات.
خذوا مثلا، التشدد أمام أبناء الرمثا في استيراد البضائع من سورية، وبرغم أن الأمر في ظاهره يبدو مكافحة للتهريب، الا انه في حقيقته يستهدف قطاعات تجارية سورية، تعمل مع الأردن، خصوصا، مناطق جنوب سورية، ودمشق، فيما الارتداد الأساسي، على مناطق شمال الأردن، وقطاعات واسعة في الأردن، على صلة بالسوريين، اقتصاديا، والأمر ذاته ينطبق على فرض رسوم على الشاحنات السورية، تحت عنوان بدل دعم وقود، بقيمة ثمانين دينارا للشاحنة أو البراد السوري الواحد، وبررت الحكومة الأمر، تحت عنوان المعاملة بالمثل، كون السوريين لم يحترموا مذكرة تفاهم سابقة مع الأردن، تعفي شاحنات البلدين، من الرسوم، ولكون السوريين يطلبون من كل شاحنة أردنية دفع ثمانين دولارا، بدلا عن دعم الوقود أيضا، وهكذا تلتبس القصة، بين الفعل ورد الفعل، أو ضغوطات عواصم على الأردن، لكبح جماح الانفتاح الاقتصادي على السوريين.
الكارثة التي يتوجب الاعتراف بها هنا، في سياقات عدم قبول سياسة الحكومة لدينا، والتنديد بالضغوط الأميركية، أن دمشق الرسمية، تعيش في عالم آخر، إذ بدلا من تقديم التسهيلات للقطاع التجاري الأردني، بكل أنواعه، تتعمد اتخاذ إجراءات أسوأ ضد الأردن، هنا، وتبرق برسائل سلبية ضد الأردن، على طريقة “الدولة الحردانة” التي لا تريد ولا تأبه ابدا بجيرانها، وغير معنية بتطوير العلاقات مع الأردن، بل تتخذ خطوات كثيرة، توقف عندها أصحاب القرار في عمان، واعتبروها سيئة جدا، ولا تعبر عن أي تطلع سوري لتحسين العلاقات مع الأردن الذي يريدونه مجرد معبر لشاحناتهم وبراداتهم نحو دول الخليج العربي، دون أن يقدموا شيئا في الحد الأدنى أيضا لهذا البلد.
بهذا المعنى ثلاثة حواجز صعبة تقف في وجه العلاقات الأردنية السورية على الصعيد الاقتصادي، الضغوطات الأميركية، القرارات الحكومية في الأردن، سياسة اللامبالاة في الجانب السوري، فيختلط المشهد عند الذين يحللون، ولا يعرفون في مرات، من هو المخطئ، الأميركي الذي تدخل في شؤون الأردن، ام السوري، الذي ينتظر عمان لتأتي اليه معتذرة، ام عمان التي تتجاوب مع الأميركي، أو في الحد الأدنى، ترد بالمثل على السوريين.
لكن يبقى السؤال الأهم، حول كلفة التجاوب مع الأميركيين، الذين يرسلون لنا فواتيرهم، كل مرة، وليس لديهم استعداد للمساهمة في قيمة الفواتير أو تعويضها، فيما تبقى عقدة العلاقات الأردنية السورية، بسياقها العربي، بمعزل عن واشنطن، اكثر قابلية للفك، وإيجاد الحلول، والقفز عن المساحات المظلمة في علاقات البلدين.
(الغد الأردنية)