نشر الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست مقالا بعنوان "ترامب والسعوديون هم من نثروا بذور الفوضى وها هي إيران تعيدها إليهم"، في تعليقه على التوترات الأخيرة في منطقة الخليج العربي، التي كان أبرزها استهداف منشآت أرامكو من قبل الحوثيين.
ويقول هيرست في مقاله بموقع "ميدل إيست آي" إنه بنظرة سريعة على ميزان القوة في المنطقة يظهر حجم التباين بين قدرات السعودية وقدرات إيران في أي صراع ينشب بينهما.
وفيما يلي المقال كاملا، الذي ترجمته "عربي21" عن الموقع البريطاني:
الصدم والترويع....
تلك الكلمات التي استخدمها البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) عندما كان يتمتع باحتكار استخدام القوة، وكان على وشك أن يمطر بها صدام حسين، عادت لتطارده بعد رئيسين أمريكيين اثنين فقط.
فها هي إيران تصدم وتروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووزير خارجيته مايك بومبيو. واليوم طهران، وليس واشنطن، هي من يستعرض القوة ببراعة فائقة، فيربك الخصوم. لا يوجد استعراض لعملية الصدم والترويع، كذلك الذي حصل من خلال الهجوم على اثنين من أكبر مرافق تصدير النفط في المملكة العربية السعودية يوم السبت.
طائرات مسيرة أم صواريخ؟
كان السعوديون بلا دفاعات، وأصيب الهدف بدقة بالغة. حاول، كما قد تفعل الولايات المتحدة، تحويل الاهتمام إلى إيران، إلا أنه لا يوجد أدنى شك بأن بعض الطائرات المسيرة، وربما الصواريخ، المستخدمة في الهجوم حلقت فوق الكويت، ما يعني أنها كانت تطير باتجاه الجنوب قادمة من العراق.
لقد شوهد الهجوم، وسجل من قبل صائد طيور في المثلث الحدودي الواقع بين الكويت والعراق والمملكة العربية السعودية، حيث يُسمع في ثلاثة مقاطع صوتية مختلفة أزيز طائرات مسيرة أو صواريخ كلها تحلق باتجاه الجنوب.
في الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يُسمع صوت صائد الطيور وهو يتحدث عن أربع أو خمس طائرات صغيرة يتبعها ما ظن أنها صواريخ، وقال إنه كان بالقرب من السالمي، عند نقطة التقاء حدود البلدان الثلاثة، لحظة وقوع الهجوم صباح السبت.
وأفضل ما في الأمر من وجهة النظر الإيرانية كان ذلك الجدل الذي وقع بعد الهجوم بين رئيس الوزراء العراقي، الذي كان حانقا، وحق له ذلك، ووزير الخارجية الأمريكي بومبيو.
في البداية، نشر الأمريكان صورا التقطت بواسطة الأقمار الصناعية لخزانات نفط تستهدف من شمال الغرب، بما يثبت أن الطائرات المسيرة قدمت من العراق، وليس شرقا من إيران. ولكن سرعان ما أجبروا على التراجع، وراحوا يزعمون أن الهجمات جاءت مباشرة من إيران.
كان تصريح عادل عبد المهدي، الذي أجبر الأمريكان على الموافقة عليه، مزيجا بارعا من النفي والتهديد المؤكد. فقد نفى أن يكون الهجوم قد انطلق من الأراضي العراقية، في تناقض تام مع المعلومات الاستخباراتية التي كان قد تسلمها لتوه، ثم هدد كل من تسول له نفسه استخدام وكلاء داخل الأراضي العراقية.
كان ذلك الكلام موجها لوزير الخارجية بومبيو، بقدر ما كان موجها لأي شخص آخر.
حرب خليج أخرى
قبل ذلك بشهور، كانت الولايات المتحدة قد طرحت على عبد المهدي فكرة أن الولايات المتحدة ترغب في قصف حزب الله العراقي، وهو مليشيا أخرى موالية لإيران، وتعمل بالوكالة عنها، حيث إن موقعه هو الذي كان قد شُن منه هجوم بطائرة مسيرة ضد المملكة العربية السعودية.
أقنع عبد المهدي بومبيو بإلغاء خطة الهجوم، فقامت الولايات المتحدة بدلا من ذلك بالسماح لطائرات مسيرة إسرائيلية بضرب أهداف تابعة لوحدات الحشد الشعبي المدعومة من قبل إيران، انطلاقا من قواعد كردية داخل سوريا.
واجه عبد المهدي عقب تلك الهجمات ضغطا محليا شديدا من قبل حلفائه السياسيين، حتى يعلن على الملأ أن إسرائيل كانت هي المعتدي، فرفض الانصياع لهم للسبب ذاته الذي يجعله اليوم ينفي من أين جاءت الطائرات المسيرة التي شنت الهجوم الانتقامي.
فلو أنه سمى حليف أمريكا الرئيسي في المنطقة، لكان أعلن بذلك عن وجود حالة من الحرب بين آلاف القوات الأمريكية المتواجدة على تراب بلاده وقوات الحشد، التي تعدّ أفضل القوات العراقية المقاتلة، والتي يسعى جاهدا لدمجها في القوات الوطنية العراقية.
هل فعلا كانت أمريكا ترغب في حدوث ذلك؟ هل كانت الولايات المتحدة مستعدة، ناهيك عن استعداد رئيس يخوض معركة إعادة انتخابه لحرب أخرى في الخليج؟ ألم تشهد بلاده ما يكفي من الحرب هذا القرن؟
في الخلاصة، كان عبد المهدي مقنعا في حجته.
بحث ترامب ومعه بومبيو عن طرق هنا وهناك للقيام برد "متناسب"، لكنهما لم يجدا جوابا حينذاك، كما أنهما لا يجدان جوابا الآن.
جاهز ومشحون
حتى تاريخه، قامت إيران وشبكة المليشيات التابعة لها في كل من اليمن والعراق بإسقاط طائرة مسيرة أمريكية، وإلحاق أضرار بناقلات نفط بينما كانت راسية في موانئ إماراتية، واحتجاز ناقلة نفط بريطانية، ومهاجمة مطارات وخطوط أنابيب ومرافق تصدير النفط، وأخيرا توجيه أكبر ضربات لحقول النفط السعودية في التاريخ الطويل المليء بالحروب لمنطقة الخليج.
لا خلال الحرب بين إيران والعراق، ولا أثناء غزو صدام للكويت، ولا في حرب الخليج الأولى، حدث أن اضطرت المملكة العربية السعودية إلى خفض إنتاجها من النفط إلى النصف كما فعلت خلال هذا الأسبوع.
وبذلك توجه إيران إلى ترامب رسالة واضحة مفادها: "تريد الفوضى؟ تريد أن تمزق المعاهدات الدولية التي تفاوض على إبرامها سلفك وتريد أن تفرض العقوبات علينا؟ حسنا، بإمكاننا أن نمنحك الفوضى، وسريعا ما ستكتشف مدى ضعف وانكشاف حلفائك؟"
لقد استخدم وزير خارجية إيران، جواد ظريف، كل منتدى دولي على مدى شهور ليحذر بأن إيران تنوي رد الصاع صاعين. فقد قال حينما كان في إستكهولم في شهر أغسطس / آب: "لا يحق للرئيس ترامب أن يكون مزاجيا، لا يمكن توقع ما سيصدر عنه ثم يتوقع من الآخرين أن يتصرفوا كما هو متوقع منهم. فالمزاجية ستؤدي إلى مزاجية متبادلة، والمزاجية هي الفوضى".
لم يُسمَع لظريف حينها. ولكن قد يُسمَع له الآن.
سوف يتبين لترامب من نظرة سريعة على ميزان القوة في المنطقة كم هو حجم التباين بين قدرات السعودية وقدرات إيران في أي صراع ينشب بينهما.
العمق الاستراتيجي
لقد استغرقت إيران عقودا حتى توجد ما تسميه "العمق الاستراتيجي" المكون من مليشيات متمرسة على القتال، طالما دعمتها ومولتها وسلحتها ودربتها، ولن يخطر ببالها تفكيكها وتسريحها الآن مهما تعرضت للضرب من قبل إسرائيل.
وكذلك فعلت المملكة العربية السعودية التي مولت وساندت مليشيات في المنطقة، خاصة في سوريا. إلا أن السعودية مشهورة بتخليها عن حلفائها، والتحول للحديث مع خصومهم بدلا منهم، وقد حصل ذلك فعلا في كل من سوريا واليمن.
تتمتع إيران، التي نجت من عقود من العقوبات والحروب، بقدرة أعلى على تحمل الألم، ولقد طورت صناعتها العسكرية الخاصة بها، التي تتمكن بواسطتها من الدفاع عن نفسها.
أما المملكة العربية السعودية، فقدرتها على تحمل الألم متدنية بالمقارنة، ولا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها. وكما ذكرها ترامب نفسه، لن يكون بإمكان المملكة البقاء على قيد الحياة لأسبوعين من دون حماية أمريكية.
شبكة إيران الإقليمية متماسكة، وتعمل بشكل تام، وأسلحتها جاهزة ومشحونة. كما قامت ببناء تحالف استراتيجي مع اثنتين من القوى العسكرية الأخرى في المنطقة – روسيا وتركيا، وثبت أن هذا التحالف لديه القدرة على تحمل أعلى درجات التوتر في سوريا.
أما شبكة المملكة العربية السعودية الإقليمية، فهي في حالة من التهافت، ومن الواضح أن أقرب حلفائها، دولة الإمارات العربية المتحدة، أدارت ظهرها لها، وغادرت التحالف الذي تقوده السعودية، والذي أنشئ بادئ ذي بدء لقتال الحوثيين في اليمن. ولذلك صدم السعوديون حينما سمعوا الإمارات تعلن عن سحب قواتها من اليمن.
ثم نشب القتال بين المليشيات التي تعمل بالوكالة وتتنافس فيما بينها على ميناء عدن الجنوبي، ما أسفر عن قيام الطائرات السعودية والإماراتية بقصف كل طرف منها وكلاء الطرف الآخر من اليمنيين. ما من شك في أن خطة الإمارات تمكين الانفصاليين من الجنوب والتخلي عن الشمال، وتركه يتعفن لا يحل مشكلة الرياض بأي شكل من الأشكال، فمشكلة الرياض بالإجمال تقع في الشمال وليس في الجنوب.
التوترات السعودية الإماراتية
تنفجر التوترات بين السعوديين والإماراتيين بخصوص اليمن عبر وسائل الإعلام المملوكة للدولة.
عندما مات ستة جنود إماراتيين مؤخرا، كان هناك من الأدلة ما يثبت أنهم قتلوا في ليبيا وليس في اليمن. لم يكن بإمكان الإماراتيين الاعتراف بأن لديهم قوات تقاتل إلى جانب خليفة حفتر؛ لأنهم بذلك سيكونون قد خرقوا الحصار المفروض دوليا.
رفضت قناة العربية المملوكة للدولة السعودية، التي من المفارقة أنها تتخذ من دبي مقرا لها، أن تلتزم بنص الرواية الرسمية لدولة الإمارات، وأعلنت فقط أن الجنود قتلوا. كما رفضت نعتهم بالشهداء.
أدى ذلك إلى سخط عجيب عبر عنه الناشط الإماراتي المقرب من حكومة أبوظبي، حمد المزروعي، الذي وصف قناة العربية بأنها "عاهرة الإعلام كله بلا منافس". فيما بعد حذف التغريدة، لكنه أبقى على سخطه تجاه مدير القناة عبدالرحمن الراشد.
يدرك الحوثيون على الأرض ما الذي يحاول الإماراتيون فعله، ويدركون كذلك معنى التحالف الضمني الذي تبرمه دولة الإمارات العربية المتحدة مع إيران، ومفاده: احتفظوا أنتم بالشمال، ونحتفظ نحن بالجنوب. ولقد أجرى الحوثيون تبادلا للأسرى مع مليشيات تدعمها الإمارات، لكنهم رفضوا إجراء تبادل مماثل للأسرى مع القوات الموالية لرئيس اليمن المنفي عبد ربه منصور هادي.
ساحات لمعارك جديدة
في المجال الأرحب، أقامت إيران علاقات مع كل من تركيا وروسيا، وذلك على الرغم من الأجندات المتباينة جدا لتلك القوى الإقليمية داخل سوريا. أما السعودية، فلم تكتف بالفوضى التي أحدثتها في حديقتها الخلفية، فذهبت تبحث عن ساحات لمعارك جديدة، وعن فتح جبهات جديدة.
نفد صبر ولي العهد محمد بن سلمان، كما يقول، مع تركيا؛ بسبب معالجتها لقضية جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وبناء عليه، فقد قرر أن يصعد من حملته ضد تركيا من خلال الصيد في مياه قبرص، بل لقد صرح وزير الخارجية السعودي إبراهيم عبدالعزيز العساف أثناء زيارته إلى قبرص بأن المملكة العربية السعودية تؤيد القبارصة اليونانيين في مواجهتهم لعمليات الاستكشاف التركية عن النفط والغاز في البحر المتوسط.
نفاد الحلفاء
ليس من المستغرب أن يجد السعوديون أنفسهم بلا حليف يوفر لهم الحماية. فهم لا يستطيعون قتال إيران وحدهم. الغباء وانعدام الخبرة هما أهم ما يميز ولي العهد، الحاكم الفعلي للمملكة. فمن سواه بإمكانه أن يتعهد بنقل المعركة "إلى قلب إيران"، ثم يجد نفسه منهمكا في إطفاء الحرائق المشتعلة في قلب السعودية؟
إنه يقف وحيدا، ربما فيما عدا الرئيس الأمريكي المتردد، الذي بات بيده من الأوراق أقل مما بيد ابن سلمان. لا يمكن اعتبار سلوك ترامب مردودا طيبا من استثمار مئات الملايين من الريالات التي أنفقها ابن سلمان على عقود التسليح الأمريكية.
أقل ما يمكن أن يقال بحق الأجيال السابقة من الحكام السعوديين أنهم، بغض النظر عن جميع خطاياهم، كانوا يمارسون نمطا حذرا من السيطرة على منطقتهم، فقد كانوا يعرفون كيف يوازنون بين المصالح المتنافسة، بل لعبوا بمهارة دور المضيف لكافة الفرقاء.
وأما محمد بن سلمان، فقد ألقى بالحذر في مهب الريح، ويجد نفسه الآن يلعب بعدد أقل من الأوراق.
باتت اليمن وعُمان والأردن خصوما، وانحازت كل من قطر وتركيا بشكل علني لصالح إيران، بينما يسعى الإماراتيون لتنفيذ أجندتهم الخاصة بهم.
على النقيض من إيران، لم يتعود السعوديون على الحياة الشاقة، وليسوا مؤهلين بتاتا لخوض حرب إقليمية هم من حرض على إشعال لهيبها. ولربما لهذا السبب سيسود صمت عميق بعد عرض الصدم والترويع الذي جرى يوم السبت.
عن صحيفة (ميدل إيست آي) البريطانية، ترجمة "عربي21"
سيناتور مقرّب من ترامب: الهجوم على السعودية "عمل حربي"
رغم تحييد نهج بولتون.. واشنطن تؤجج النيران بين الرياض وطهران
هذه أهمية ضربة الحوثي الأخيرة لأرامكو وخطورتها الاستراتيجية