نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين ديفيد كيركباتريك وفرناز فصيحي، يقولان فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو أنه يظهر سياسة لينة تجاه إيران.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ترامب قطع علاقته مع داعية المواجهة في إدارته، وأظهر استعدادا لمقابلة نظيره الإيراني شخصيا، وأفادت بعض التقارير بأنه درس تخفيف العقوبات.
ويستدرك الكاتبان بأن إيران ردت بالعنف، كما يقول المسؤولون الأمريكيون الذين اتهموا إيران بتدبير، أو حتى القيام بالهجوم الكبير يوم السبت ضد منشآت بترولية سعودية مهمة، متسببة بهز سوق الطاقة الدولية، ومهينة حليفا أمريكيا أساسيا.
وتنقل الصحيفة عن المتخصصين في الشؤون الإيرانية، قولهم إن تكتيك صفع الخد الآخر ليس مفاجئا من إيران، وأضافوا أن طهران استنتجت بأن الاعتداءات الأخيرة التي قامت بها عززت من إمكانيات ضغطها على الغرب في المنطقة.
ويجد التقرير أنه بالرغم من انفجار تهديداته من وقت إلى آخر، إلا أن ترامب متردد جدا في المغامرة بمواجهة مفتوحة في الشرق الأوسط، التي يمكن أن تهدد إمدادات العالم النفطية وهو في خضم حملته الانتخابية لدورة ثانية في الرئاسة.
ويورد الكاتبان نقلا عن أستاذ التاريخ الإيراني في جامعة سانت أندروز في إسكتلندا، علي الأنصاري، قوله: "يعد المتشددون الإيرانيون أن تناقض ترامب ضعفا"، وأضاف أنه بالنسبة للمتشددين الإيرانيين فإن "سياسة (أقصى مقاومة) تؤتي ثمارا".
وتلفت الصحيفة إلى أن ترامب فرض حظرا على تصدير النفط الإيراني، ويقول المحللون بأن اليأس أقنع الزعماء الإيرانيين، الذين يسمون العقوبات "حربا اقتصادية"، بأن الرد هو خيارهم الوحيد، مستدركة بأن الإيرانيين يقولون بأن ترامب أثبت بغضه لاستخدام القوة العسكرية لتنفيذ تهديداته.
وينوه التقرير إلى أن المسؤولين الأمريكيين توصلوا إلى أن القوات الإيرانية قامت بتخريب عدد من ناقلات النفط بالقرب من مضيق هرمز في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، ثم أسقطوا طائرة استطلاع أمريكية مسيرة في حزيران/ يونيو، مشيرا إلى أن الرئيس ترامب قام ابتداء بالأمر بموجة من الغارات الجوية الأمريكية؛ ردا على إسقاط الطائرة الأمريكية، لكنه أوقفها في آخر لحظة، ثم تمت إقالة زعيم الصقور المناوئين لإيران في الإدارة، جون بولتون، من منصبه مستشارا للأمن القومي؛ بسبب خلاف مع الرئيس حول التفاوض مع إيران، بحسب ما ذكرت التقارير.
ويقول الكاتبان: "يبدو أن إيران، التي تطالب بتخفيف العقوبات، تقوم بالرد، سواء مباشرة أو عن طريق حلفاء، وردود الفعل الصامتة من واشنطن -بما في ذلك الرد على هجوم يوم السبت- تبدو أنها أكدت صلاحية هذه الاستراتيجية، بحسب ما قاله عدد من المحللين".
وتبين الصحيفة أنه حتى عندما ضم ترامب صوته إلى الأصوات التي تحمل إيران مسؤولية الهجوم، فإنه أكد عدم ميله للصراع المسلح، وعبر عن أمله في المفاوضات، قائلا: "أنا أعلم أنهم يريدون التوصل إلى صفقة"، وكان قد قال إن أي انتقام على الهجوم سيعتمد على ما تقوله السعودية، التي أجلت الرد على هذا السؤال، ودعت إلى تحقيق تقوم به الأمم المتحدة.
وينقل التقرير عن المحلل السياسي الإيراني من طهران علي بيجديل، قوله عن ترامب: "إنه ليس أسدا، بل هو أرنب"، وأضاف: "يعد هذا الأمر دفعة كبيرة لإيران"، مشيرا إلى أنه مهما كانت درجة التورط الإيراني في الهجوم "فإنه استعراض لقوة إيران وتأثيرها".
ويذكر الكاتبان أن إيران أنكرت امسؤولية عن الهجوم، فيما أعلن الحوثيون، الذين تدعمهم إيران في اليمن، مسؤوليتهم عنه، مستدركين بأن الهجوم أثبت أن القوات الإيرانية أو وكلاءها الإقليميين قادرون على تعريض أصدقاء أمريكا وإمدادات النفط العالمية للخطر، حتى وهي ترزح تحت عقوبات شديدة.
وتورد الصحيفة نقلا عن الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مايكل نايتس، قوله: "أثبت الدفاعات الجوية السعودية أنها لا تساوي شيئا.. ولن يكونوا جاهزين للجولة الثانية".
ويشير التقرير إلى أن بعض المسؤولين الإيرانيين بدوا بأنهم يتفاخرون بعد الهجوم حول مدى الضغط الذي يتمعتون به، فمثلا كتب الاستراتيجي العسكري للحرس الثوري محمد إيماني، على قناته على "تلغرام": "لم تستخدم إيران بعد بطاقاتها الرابحة كلها في حرب النفط مع أمريكا والسعودية".
وينقل الكاتبان عن الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إيلي جيرانماية، قولها إن إيران لا تبدو بأنها تدفع أي جزاء في الدبلوماسية العالمية، وأضافت أن القوى الأوروبية تلوم ترامب لأنه بدأ التصعيد الذي أدى إلى الهجوم، من خلال سحب أمريكا من الاتفاقية النووية المعقودة عام 2015 بين القوى العالمية وإيران لرفع العقوبات عنها مقابل الحد من برنامجها النووي.
وتلفت الصحيفة إلى أنه بعد التخلي عن الاتفاقية العام الماضي، فإن إدارة ترامب فرضت حظرا على بيع النفط الإيراني، في محاولة للحصول على اتفاقية نووية تقيد إيران بشكل أكبر، فيما سعت القوى الأوروبية التي تعارض العقوبات الأمريكية، وتأمل في إنقاذ اتفاقية 2015 إلى التخفيف عن إيران.
ويفيد التقرير بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اقترح منذ فترة قريبة منح إيران قروضا بقيمة 15 مليار دولار؛ لتشجيعها على الالتزام بالاتفاقية، أملا لأن تعود أمريكا إليها، ربما بعد انتخاب رئيس جديد، مشيرا إلى أن أيا من القوى الأوروبية لم تظهر أنها ستتخلى عن جهودها الدبلوماسية في هذا الشأن.
ويذكر الكاتبان أن جيرانماية جادلت بأن الهجوم على المنشآت السعودية كان مجرد "طلقة تحذيرية"، قد تكون حسبت لتحسين إمكانية الضغط الإيراني في أي مفاوضات مع ترامب أو الأوروبيين، أو إن كان قد نفد صبر الايرانيين على وتيرة الدبلوماسية الأوروبية، فإن الهجوم قد يساعد على حث الأوروبيين على الإسراع.
وتورد الصحيفة نقلا عن متخصصين، قولهم بأن المتشددين الإيرانيين لطالما كانت نظرتهم بأن صناع القرار الأمريكيين يفهمون فقط تهديد القوة، مستدركة بأنه في السنة الأولى بعد أن تخلى ترامب عن الاتفاقية النووية، استمرت إيران بالالتزام بها وامتنعت عن الانتقام بحسب سياسة سمتها "الصبر الاستراتيجي".
وينقل التقرير عن محللين، قولهم إن تلك السياسة لم تحقق لهم شيئا، ولم تصل الجهود الاوروبية الأولى لدفع واشنطن للعودة الى الاتفاقية إلى أي نتيجة، فيما قام حلفاء أمريكا الإقليميون، مثل إسرائيل والسعودية والإمارات، بدعوة واشنطن إلى زيادة الضغط على إيران.
وينوه الكاتبان إلى أن ادارة ترامب بدأت بعد ذلك باستخدام النفوذ العالمي للنظام المالي الأمريكي لمنع بيع النفط الإيراني في أي مكان في العالم، قاطعة بذلك شريان حياة الاقتصاد الإيراني، وشرعت إيران باستخدام استراتيجية مزدوجة للرد، فعلنيا بدأت باتخاذ خطوات محسوبة لتجاوز الحدود التي وافقت عليها في الاتفاقية النووية لعام 2015، مشيرة إلى شروط في الاتفاقية تبريرا لعدم الالتزام.
وتفيد الصحيفة بأن المسؤولين الغربيين خلصوا في الوقت ذاته إلى أن إيران بدأت بإثبات أن بإمكانها تهديد أسواق النفط، وإجبار الآخرين على مشاركتها الآلام الاقتصادية، فبالإضافة إلى الهجمات على ناقلات النفط، التي يقول المسؤولون الأمريكيون بأن إيران هي التي قامت بها مستخدمة ألغاما بحرية، فإن إيران قامت باختطاف عدد من ناقلات النفط، بما فيها الناقلة التي تحمل علما بريطانيا فيما يبدو أنه انتقام لحجز الناقلة الإيرانية من القوات البريطانية في جبل طارق.
ويشير التقرير إلى أنها لم تعاقب على ذلك كله، ورفضت أمريكا أن تنتقم لإلحاق الأضرار بناقلات النفط، وحرصا من بريطانيا على تخفيف الاحتقان قام المسؤولون في جبل طارق بإطلاق سراح الناقلة الإيرانية المحتجزة الشهر الماضي، وسرعت القوى الأوروبية من جهودها لتخفيف العقوبات والمحافظة على الاتفاقية النووية الموقعة في 2015.
ويقول الكاتبان إنه "حتى الإمارات بدت وكأنها تراجعت عن الصراع، فرفضت أن تحمل إيران علنا مسؤولية الإضرار بالناقلات في مياهها، وبدلا من ذلك قام المسؤولون الإماراتيون بعقد مفاوضات مع نظرائهم الإيرانيين حول الأمن البحري، وفي الوقت ذاته بدأت الإمارات بالانسحاب من التحالف السعودي الذي يحارب في اليمن ضد الحوثيين".
وتنقل الصحيفة عن المتخصصة في الشؤون الإيرانية والخليجية في "تشاتام هاوس" في لندن، سنام وكيل، قولها بأن الإمارات "استيقظت لحقيقة أنها مكشوفة تماما (لإيران)"، وتضيف وكيل أنه مع إشارات الإمارات إلى أنها تريد تجنب المزيد من التصعيد، فإن طهران بدأت في النجاح في شق التحالف المعادي لإيران في المنطقة، "لقد تمكنوا من فصل الإمارات، والسعودية هي التالية".
وتقول وكيل: "يبدو أن الإيرانيين استنتجوا في المحصلة من الأفعال الأمريكية الأخيرة بأنه لا يمكن خسارة المواجهة؛ لأنه حتى الرد العسكري الأمريكي المحتمل من شبه المؤكد أنه لن يكون أكثر من ضربة محدودة مصممة لتجنت حرب برية طويلة، ومن ناحية محلية وفي المنطقة فإن مثل هذه الضربة ستقوي الحكومة الإيرانية الحالية بحشد الرأي العام خلفها".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول وكيل: "إنهم يتحدون التفوق الأمريكي، ويجبرون المجتمع الدولي على تقبل العلاقة الجديدة مع الجمهورية الإسلامية.. فهم يتقدمون بغض النظر عما يحصل".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
WP: لماذا لم تحم صفقات السلاح الأمريكي الباهظة السعودية؟
وول ستريت: دلائل تؤكد انطلاق هجمات أرامكو من قاعدة إيرانية
NYT: ماذا تعني رسائل ترامب المتناقضة حول هجوم أرامكو؟