كشف البنك المركزي اللبناني، عن إستعداده لسداد ديون الدولة المستحقة المقومة بالدولار، في وقت تأججت فيه الاحتجاجات الشعبية، نتيجة تدني الوضع الاقتصادي.
وقال حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، اليوم الخميس، إن البنك مستعد لسداد ديون الدولة المستحقة المقومة بالدولار، واصفا ذلك بالخطوة الضرورية لحماية مصداقية لبنان في الأسواق.
وتوجد سندات دولية لبنانية بقيمة 1.5 مليار دولار تستحق السداد في تشرين الثاني/نوفمبر .
وقال سلامة، في مؤتمر "استحقاقات الدولة اللبنانية، نحن أيضا حضرنا لتسديدها بالدولار... وهذا الأمر أعتقد أنه ضروري ومصرف لبنان يقوم بهذا الامر لأسباب نقدية لحماية مصداقية لبنان".
وأوضح سلامة أنه يأمل في أن توافق الحكومة على ميزانية 2020، التي ستعطي إشارات إيجابية للأسواق عبر تخفيض العجز في البلاد.
أقرأ أيضا: صحف: هل تقود احتجاجات الأحد لبنان إلى "ربيع عربي"؟
وفي بلد تقسمه الانتماءات الطائفية، فإن المدى الجغرافي الواسع على غير المعتاد لاحتجاجات اندلعت بسبب الوضع الاقتصادي الرديء للبنان يوم الأحد، ينبئ بغضب متفاقم تجاه طبقة كاملة من السياسيين الذين قادوا البلد إلى أزمة.
وفي حين لم تكن المظاهرات كبيرة، إذ تجعل انقسامات لبنان من الاحتجاجات الضخمة أمرا نادرا، فقد اندلعت من بيروت إلى وادي البقاع ومن صيدا في الجنوب إلى طرابلس في الشمال.
ففي طرابلس، انتقد المحتجون رؤساء الوزراء السابقين والحاليين، وجميعهم من المسلمين السنة، وفقا لترتيبات الحكم في لبنان. وفي بلدة بريتال النائية، جرى إنزال علم حزب الله الشيعي ذي النفوذ.
وفي بيروت، هتفوا ضد جميع القادة اللبنانيين، بمن فيهم رئيس البرلمان الشيعي ورئيس الدولة المسيحي.
لم يقل الزعماء اللبنانيون الكثير عن احتجاجات الأحد. وبالنسبة للحكومة الائتلافية برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريري يبقى التركيز منصبا على إنعاش الاقتصاد من خلال إصلاحات طال انتظارها مثل إصلاح قطاع الكهرباء الذي يستنزف المال العام دون أن يلبي احتياجات لبنان.
وفي إطار العملية ذاتها، يأمل لبنان في نيل تصديق دولي سيفتح الطريق أمام الإفراج على مليارات الدولارات لتمويل الاستثمار.
لكن جلال سلمى الذي كان بين المحتجين في طرابلس يوم الأحد لديه مخاوف أشد إلحاحا، حيث قال"صار في جوع حقيقي ونحن لا نرى حلا حقيقيا قريبا في الأفق. بالعكس، نحن نرى في المستقبل الأسوأ قادما، مضيفا بأن "مشاكل الاقتصاد تتفاقم منذ سنوات في لبنان.
فالبلد الذي دمرته الحرب الأهلية بين 1975 و1990 لديه أحد أثقل أعباء الدين العام في العالم كنسبة من الناتج الاقتصادي.
والصراع الإقليمي وعدم الاستقرار السياسي يعصفان بالنمو الاقتصادي، في حين يصل معدل البطالة لمن تقل أعمارهم عن 35 عاما إلى 37 بالمئة.
ويزيد الطين بلة أن ميزان المدفوعات يسجل عجزا منذ سنوات. وأعطت هذه الأزمة المالية حافزا أكبر للإصلاح.
لكن حلفاء لبنان الأجانب غير مقتنعين تماما بعد بوتيرة التغيير.
ولم يتدفق حتى الآن حوالي 11 مليار دولار تعهد بها المانحون الأجانب قبل 18 شهرا في فرنسا بشرط الإصلاح.
وقال فيليب لازاريني، المنسق المقيم للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، بعد لقائه الحريري في لبنان "أكدنا على أهمية تنفيذ الإصلاحات وليس الإعلان عنها فحسب، وتقديم موازنة 2020 في الموعد المحدد".
"خلاف المحاصصة"
نوع الخطوات اللازمة لإصلاح الأوضاع المالية في لبنان أثبت دائما أنه بعيد المنال.
فقد استخدم الزعماء المنقسمون وفقا للتوزيع الطائفي في لبنان، وكثير منهم من قدامي محاربي الحرب الأهلية، موارد الدولة لفترة طويلة لمصلحتهم السياسية ولا يرغبون في التنازل عن صلاحياتهم،كثير منهم من أصحاب الملايين، والبعض من أصحاب المليارات.
ويحتل لبنان المرتبة 138 من بين 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية.
وقال محمود فقيه (35 عاما)، وهو صحفي وناشط معروف شارك في احتجاجات بيروت، "السياسيون كانوا دائما يختلفون حول المحاصصة وهذا يعرقل أي إصلاح وهذا ما يجعلهم ينكشفون أمام الرأي العام على أنهم جماعة من الكذابين".
وأضاف "توسيع النطاق (الجغرافي) لهذه المظاهرات هو دليل على تفاقم الأزمة وأن الأزمة صارت على تماس مع وجع المواطن".
وساهم ظهور سوق سوداء يباع فيها الدولار بسعر أعلى من السعر الرسمي في اشتداد مخاوف الناس. ويوم الثلاثاء، اتخذ البنك المركزي خطوات لتنظيم توفير الدولار لواردات المواد الأساسية مثل البنزين والقمح والأدوية.
وتعهدت الحكومة بالمحافظة على ربط سعر صرف العملة.
وقالت مديرة مركز كارنيجي للشرق الأوسط، مها يحيى، إن المخاوف المتعلقة بالعملة "أصبحت موضوع نقاش يومي" وإن احتجاجات يوم الأحد تبرز هذا القلق.
وقالت يحي، "الأمر المحبط للغاية بالنسبة للكثيرين هو أنه لا يبدو أن هناك أفقا. ليس كأننا لدينا خطة لنقول شدوا الحزام وتحملوا للأشهر الستة المقبلة - وكل شيء سيكون على ما يرام".
أقرأ أيضا: هل تنقذ "إصلاحات الحريري" اقتصاد لبنان من الإفلاس؟
إلحاح يشتد
نالت الحكومة بعض الثناء على الجهود المبذولة لتخفيض العجز هذا العام وخطتها لإصلاح قطاع الكهرباء، وهو ما أطلق عليه صندوق النقد الدولي "الخطوات الأولى المرحب بها على مسار طويل".
وتتضمن ميزانية 2019 بعض الاجراءات الصعبة سياسيا، لاسيما تجميد التوظيف الحكومي لمدة ثلاث سنوات.
لكن المقترحات المتعلقة بتخفيض مؤقت لأجور القطاع العام أُجهضت بالفعل.
والسياسيون الذين يعرفون أن الحاجة ملحة للقيام بالمزيد من الإجراءات يهدفون إلى تخفيض العجز بدرجة أكبر في ميزانية 2020 لكن دون زيادة الضرائب.
وقال نديم منلا، كبير مستشاري الحريري، من الواضح أن السرعة التي تتخذ بها القرارات ليست واعدة للغاية ويجب على الحكومة والأحزاب السياسية التحرك بشكل أسرع بكثير." لكنه أضاف "لاحظنا أنه في الأسابيع القليلة الماضية كان هناك تقارب حول الإلحاح للمضي قدما".
وأعرب منلا، عن أمله في أن تسفر رحلات الحريري القادمة إلى الإمارات العربية المتحدة والسعودية عن "شيء ملموس" بعد "علامات مشجعة" على استعداد دول الخليج العربية لإيداع الأموال في لبنان.
وقال إن الرحلة الأخيرة التي قام بها الحريري إلى فرنسا كانت ناجحة أيضا، مستشهدا بالاتفاق على آلية متابعة للدول المانحة للبنان، وتحديد موعد لعقد اجتماع رفيع المستوى الشهر المقبل والاهتمام الفرنسي بالاستثمار في لبنان.
وقال النائب آلان عون، وهو شخصية بارزة في التيار الوطني الحر المسيحي، إن ميزانية 2020 ستكون اختبارا جديدا "للحكومة والبرلمان لإثبات قدرتهما على إخراج البلاد من الأزمة".
وأردف عون،أن"للناس الحق في الاحتجاج ولا ينبغي لأحد أن يلومهم على ذلك، فبدلا من البحث عن الأعذار يتعين على الطبقة السياسية اتخاذ التدابير والإصلاحات الشجاعة اللازمة لاستعادة الثقة التي فقدتها في الرأي العام وفي المجتمع الدولي".
المئات يحتجون على الظروف الاقتصادية وسط بيروت
تصفية بنك لبناني متهم بتسهيل أنشطة مالية لحزب الله
الحريري: نسعى لخفض العجز وإبقاء "الليرة" عند هذا المستوى