لا يزال مولود حمروش السياسي المخضرم، أملا لدى كثير من الجزائريين الذين يرون فيه الوحيد القادر على إخراج البلاد من أزمتها السياسية، كونه يملك يحظى بالاحترام في أوساط الشعب وداخل النظام.
وارتفعت في الأسبوع الأخير، مُطالبات لرئيس الحكومة في بداية تسعينيات القرن الماضي، بالترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 12 كانون الأول/ديسمبر المقبل.
وتنادى نشطاء للاجتماع أمام بيته في أعالي العاصمة الجزائرية، غدا من أجل إقناعه بدخول الانتخابات بمبرر أن "الدولة الجزائرية أصبحت مهددة بالزوال بسبب الانسداد والضبابية الطاغية على المشهد، نتيجة غياب شخصيات من أوزان ثقيلة تستطيع أن تتحمل مسؤولياتها وتنقذ البلد من حالة التيهان والركود".
لكن حمروش السبعيني، استبق كل ذلك بإعلان أنه غير معني بالانتخابات المقبلة، حيث ذكر في بيان له: " أشكر كل الذين واللواتي الذين عبروا غن رغبتهم في أن أنخرط في العملية الانتخابية، لأذكرهم بأن موقفي منها واضح ولم يتبدل. لكن التزامي سيبقى كاملا غير منقوص، ومشاطرتي آمال المواطنين قوية لا تتزعزع".
وتابع السياسي العنيد يشرح موقفه، قائلا: " لازلت عند قناعتي بأن طبيعة مستلزمات المرحلة، لا يمكن إنجازها بالوعود وإنما بالتزامات صريحة وقوية وواسعة تحقق أكبر انخراط في العملية السياسية".
وسبق لحمروش أن أوضح في بداية الحراك الشعبي في شباط فبراير الماضي، أن أكدّ بأنه غير معني لا بالترشح للرئاسيات أو تسيير مرحلة انتقالية، بعد أن تداول اسمه بكثرة من بعض السياسيين والمواقع الإخبارية والصحف.
"إنقاذ الدولة وليس النظام"
ويشير هذا الموقف، وفق قراءة مصطفى هميسي الناشط السياسي، إلى أن حمروش غير راض على الطريقة التي تريد السلطة الذهاب بها إلى الانتخابات الرئاسية، لأن شروط نزاهتها غير متوفرة.
وأبرز هميسي وهو أحد المقربين من حمروش، في تصريح لـ"عربي 21"، إلى أن رئيس الحكومة زمن الرئيس الشاذلي بن جديد، يؤكد في كل مرّة من خلال مساهماته على أنه مناضل ملتزم بمطالب الحراك الشعبي وهو مستعد لإنقاذ الدولة وليس النظام.
وأضاف المتحدث في تحليله، أن حمروش حاول الإقناع في كل مساهماته بضرورة تبني ثقافة الدولة والمؤسسات، إلا أن النظام سار عكس ذلك تماما مكرسا حكم الأفراد، فأضحت الدولة اليوم بلا برلمان ولا حكومة قوية ولا أحزاب قادرة على الإقناع.
وتابع بأن حمروش في ردّه على دعوات ترشحه لا يؤمن بأنه الرجل المعجزة فهو يرى أن الانسداد الحالي ليس له حلّ إلا بناء دولة مؤسسات من خلال توافق وطني واسع وليس قرارات سلطوية تزيد من تعميق الأزمة.
عزوف سياسي
ويبدو حمروش بعيدا عن موقفه الحالي من الرئاسيات، عازفا عن ممارسة السياسة منذ ترشحه لانتخابات 1999 ثم انسحابه منها مع باقي المرشحين تاركين عبد العزيز بوتفليقة لوحده في المضمار.
واكتفى حمروش منذ ذلك الوقت، بالخروج من حين لآخر بمساهمات مكتوبة، يتحدث فيها بشكل نظري عن الأخطار التي تتهدد الدولة وعن علاقة الجيش بالدولة وغيرها من المفاهيم التي تضعه بعيدا عن الجدال السياسي الآني.
وكانت المرّة الوحيدة التي أوقف فيها حمروش انقطاعه عن الأحداث السياسية، عندما خرج سنة 2014 داعيا كلا من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح ومدير المخابرات في ذلك الوقت محمد مدين المدعو توفيق، إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية والذهاب بالجزائر إلى "إجماع وطني"، إلا أن هذا النداء لم يتحقق وسارت الجزائر نحو عهدة رئاسية رابعة للرئيس بوتفليقة.
اقرا أيضا : حمروش والإبراهيمي يرفضان اللحاق.. ما مصير هيئة الحوار ؟
ويُشاع عن حمروش الذي له ماضي عسكري في الجيش الجزائري، أنه ظلّ ينتظر دوره في الوصول إلى كرسي الرئاسة خلال السنوات السابقة، بحكم اطلاعه على خبايا النظام وعلمه بأن الانتخابات مجرد إجراء شكلي. لكن أنصاره يرفضون هذا الكلام المتداول ويؤكدون أن "سي مولود" رجل ظلّ وفيا لمبادئه رافضا لأي مساومة مع النظام الحالي.
أسباب الإلحاح
ويعتقد كثيرون أن ما يعيد طرح اسم حمروش في كل مناسبة انتخابية، هو تصحر الساحة الوطنية خلال العشرين سنة الأخيرة بشكل جعل الشخصيات الوطنية من رجالات الدولة المؤهلة لرئاسة البلد عملة نادرة، خصوصا من الذين لم يتلطخ مسارهم.
وبرأي الكاتب الصحفي عبد الحميد عثماني، فإن هناك وعيا مجتمعيا، نخبويا تحديدا، بحساسية المرحلة وما تقتضيه من شروط الرئيس القوي المخضرم والمتمرس في السلطة، ما يجعل البحث عن ملمح مولود حمروش حتمية تاريخية إنتقالية في نظر هؤلاء.
وأوضح عثماني في تصريح لـ"عربي 21"، أن من أهم عوامل استدعاء اسم حمروش، كون الرجل من أهم مهندسي الإصلاحات القانونية و السياسية والاقتصادية مع بداية الانفتاح التعددي نهاية الثمانينات من القرن الفائت، حتى أنه صار من حينها يلقب برجل الإصلاحات، وكسب بذلك جمهورا مؤيدا من أنصار الدمقرطة، وهذا الرصيد الأدبي يصب في سمعة حمروش.
وتابع عثماني : "أظن كذلك أن الصمت المطبق للرجل ، باستثناء خرجات نادرة، محسوبة وبخطاب فلسفي عميق في تشخيص الأزمة الجزائرية، قد رسم هالة من الهيبة على هذه الشخصية وجعلها بمثابة "السياسي المخلص" يطلبه البعض في كل استحقاق رئاسي، عكس آخرين ربما أصبح ظهورهم المتكرر لا يثير الاهتمام الرأي العام".
وما لا يجب إغفاله، وفق الكاتب، هو أن استدعاء حمروش بعد الحراك الشعبي يكاد يقتصر على قطاع محدود من النخبة المتقدمة عمريا، بينما الفئات الشبابية لا تبدو في عمومها متحمسة للخزانة القديمة بغض النظر عن الأسماء.
السلطة والرئاسيات بالجزائر.. هل انتهى زمن "المرشح الوحيد"؟
انقسام بمواقف الإسلاميين في الجزائر من انتخابات الرئاسة
إعلان هيئة الانتخابات بالجزائر.. هذه التحديات أمامها