قبل نحو 3 أسابيع من انتهاء برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي، الذي حصلت بموجبه على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات، أعلنت الحكومة المصرية بدء مفاوضات للحصول على قرض إضافي من الصندوق ببرنامج جديد، وسط تساؤلات عن تداعيات ذلك وانعكاسه على الأوضاع المعيشية للمصريين.
وتعد مصر ثاني أكبر المقترضين في العالم من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، باستدانة تبلغ قيمتها 11.8 مليار دولار، أو 11.4 بالمئة من إجمالي قروض الصندوق للبلدان المدينة.
ورغم ما جناه المصريون من تدهور في أوضاعهم المعيشية وزيادة معدلات الفقر بسبب القرارات المؤلمة التي اتخذتها الحكومة المصرية تلبية لشروط صندوق النقد الدولي، وفقا لما رصدته "عربي21" يواصل مسؤولو الصندوق الإشادة بتحسن مؤشرات الاقتصاد المصري، وقبول مصر تنفيذ سياساته الاقتصادية دون النظر إلى عواقبها الوخيمة على المصريين.
وأدى تطبيق مصر لشروط صندوق النقد الدولي، التي رفضتها دول عربية كثيرة مثل الأردن والمغرب وتونس، إلى انفلات غير مسبوق لأسعار كافة السلع والخدمات (تجاوزت نسبة زيادة الأسعار 7 أضعاف في كثير من السلع والخدمات، خلال السنوات الثلاث الأخيرة)، خاصة بعد "التعويم" وانهيار قيمة الجنيه، وإلغاء الدعم، وزيادة الجمارك ورسوم الخدمات، وفرض ضرائب جديدة.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ عن الاقتصاد المصري: الفقر يزداد رغم تباطؤ التضخم
"إشادة وشهادة"
لكن في لقائه مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، الثلاثاء الماضي، أشاد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، بتحسن مؤشرات الاقتصاد المصري، وقال إن برنامج صندوق النقد الدولي في مصر نجح في تحقيق نتائج إيجابية تتمثل في رفع معدل النمو الاقتصادي إلى أكثر من 5.5 بالمئة، وخفض مستوى البطالة من 12 بالمئة إلى 8 بالمئة.
وحول تفسيره لإشادة صندوق النقد الدولي بالاقتصاد المصري، رغم تفاقم الأوضاع المعيشية للمصريين وزيادة معدلات الديون الخارجية بنسب غير مسبوقة، قال الخبير الاقتصادي والمصرفي، شريف عثمان، إن الصندوق يعتبر حصول مصر على قرضه، وما تبنته من إصلاحات (تحت تهديد السلاح للمواطنين)، شهادة تقدير للصندوق، لا للاقتصاد المصري، كما حاولوا إقناعنا على مدار السنوات الماضية.
وأضاف في مقال له بصحيفة العربي الجديد: "صندوق النقد تجاهل القبضة الحديدية التي يحكم بها النظام الحالي في مصر، والتعامل غير الآدمي مع كل من يرفض أو ينتقد أو يحاول أن يفهم ما يحدث، واعتبر أن صمت المصريين دليل على نجاحه ونجاح برنامجه وسياسات الحكومة، رغم أنه يعلم جيدا أن ميادين مصر وشوارعها مغلقة أمام المحتجين، ومفتوحة فقط للمواطنين الشرفاء من عبيد الاستقرار وذوي المصالح".
وتابع: "أشاد الصندوق بسياسات الحكومة المصرية، ونسي أن ما بني في مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة من سجون يفوق ما بني من مدارس أو مستشفيات أو مراكز بحث علمي، وأن أحداً من الحكومة أو مجلس النواب أو أي جهاز محاسبي أو رقابي آخر لم يقدم تقييم موضوعي لما حققه برنامج الصندوق، وأن من فعل ذلك واعترض على السياسات المصاحبة من داخل مصر لقي مصيره، ومن خارجها وصف بالعمالة والخيانة".
وأردف: "في بقاع أخرى من العالم، رفضت تونس توصيات صندوق النقد فيما يتعلق بأجور موظفي القطاع العام ودعم أسعار الطاقة، وأجلت الحكومة المغربية تعويم عملتها، ودخل المعلمون في الأردن في إضراب من أجل زيادة رواتبهم، وما زالت الجزائر تقاوم رفض الصندوق لسياساتها القائمة على دعم أسعار الطاقة وخدمات التعليم والصحة، وكل ذلك بضغط من الشارع في تلك البلدان، أو مجالسها النيابية الحقيقية".
اقرأ ايضا: المصريون يدفعون من جيوبهم ضريبة الاقتراض من النقد الدولي
"قرض جديد"
وأعلن وزير المالية المصري محمد معيط، الأسبوع الماضي، أن بلاده بدأت محادثات جديدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة تمويلية جديدة على أمل التوصل إلى اتفاق في آذار/ مارس المقبل.
وقال معيط في تصريحات لمجلة "يورومني" الاقتصادية البريطانية، نحن نعلم أنه يتعين علينا اتخاذ الكثير من الخطوات لفتح الباب أمام المزيد من مشاركة القطاع الخاص في اقتصادنا وجذب استثمارات أجنبية جديدة.
وفي تعليقه على دخول مصر في برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض إضافي، قال الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، في تحديث خاص لـ "عربي21": "مصر تخرج من برنامج للدخول في برنامج جديد، ولن يكون الأخير، ولا يمكن لمصر أن تستغني عن صندوق النقد الدولي على الأقل خلال السنوات الخمس المقبلة".
وأضاف: "طالما تدور عجلة القروض المصرية ستظل مصر تدور في فلك لا نهائي البرامج سواء مع الصندوق أو غيره من المؤسسات الدولية والإقليمية".
ووصف الخبير الاقتصادي ما حدث من تحسن في بعض مؤشرات الاقتصاد المصري، بأنها "قشرة ذائفة"، مؤكدا أن الإصلاحات التي تبنتها الحكومة المصرية تلبية لشروط صندوق النقد لم تعالج الخلل الهيكلي الذي يعانيه معظم القطاعات الرئيسية للاقتصاد المصري وخاصة الإنتاجية.
وأشار إلى أن "مصر لم تسطع مصر لا من خلال قرض صندوق النقد الدولي ولا برنامجه ولا من خلال مجموعة القروض التي حصلت عليها أن تتحول إلى القطاع الإنتاجي حتى الآن" مؤكدا أن هذا يعبر عن فشل برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأن الحكومة ستضرر إلى الدخول في برنامج جديد ولن يكون الأخير.
اقرأ أيضا: هكذا تتلاعب الحكومة المصرية بأرقام الدين ومؤشرات الاقتصاد
"عواقب وخيمة"
وحول عواقب البرنامج الجديد مع صندوق النقد الدولي، قال ذكر الله مصر، إن مصر نفذت معظم التزاماتها خلال البرنامج الأول، وتبقى منه شقان سيتم استكمالهما في البرنامج الجديد.
واستطرد: "الشق الأول هو خصخصة ما تبقى من القطاع العام (بيع 23 شركة حكومية)، والشق الثاني هو إصلاح الهيكل الإداري للدولة (تسريح نحو 3 ملايين موظف)".
وحول الشق الأول، أوضح الخبير الاقتصادي: "نحن الآن أمام خطة حكومية لخصخصة 23 شركة حكومية، معظمها شركات رابحة للغاية، ( والدليل أن الشرقية للدخان وردت للموازنة العامة المصرية ضرائب تقدر ب 56 مليار جنيه، مقابل 2.2 مليار جنيه وردتهم هيئة قناة السويس للدولة أي أن الشرقية للدخان تورد نحو 25 ضعف قناة السويس، ورغم ذلك تعرضها الحكومة المصرية للبيع، ولنا أن نقيس ذلك على باقي الشركات المقرر خصخصتها تحت ضغط من صندوق النقد".
وفيما يتعلق بالشق الثاني، أشار إلى أن العاملين في القطاع الحكومي يبلغ حاليا 5.5 ملايين موظف نزولا عن 7.5 ملايين في 2017، (يخرج على المعاش نحو 300 ألف موظف سنويا تقريبا)، وهناك خطة معلنة تهدف لتقليل العدد إلى الثلثين ليصل عدد العاملين في القطاع الجهاز الإداري للدولة إلى 2.5 مليون موظف فقط (أي سيتم تسريح نحو 3 ملايين موظف مع بدء تطبيق البرنامج الجديد لصندوق النقد الدولي).
واختتم ذكرالله حديثه لـ "عربي21" قائلا: "سيتبقى خلال الفترة المقبلة استكمال رفع باقي الدعم كليا عن الماء والكهرباء والوقود"، لافتا إلى أن مصر نفذت أكثر من 95 بالمئة من اشتراطات الصندوق في البرنامج المنتهي وتم ترحيل بعض الشروط نتيجة للظروف السياسية، وفي كثير من الشروط نفذت الحكومة أكثر من المطلوب منها لإرضاء صندوق النقد الدولي.
الإمارات تستحوذ على مناطق في خليج السويس
مصر تعلن ارتفاع "صادرات الغاز" رغم تدني قيمة عروض الشراء
رويترز: مصر تمضي قدما في بيع حصص في شركات مملوكة للدولة