نشر موقع "ذي إنترسبت" مقالا للصحافي بيتر ماس، يقول فيه إن ربيع عام 1999 كان حافلا بالنسبة للكاتب النمساوي المثير للجدل بيتر هاندكه، الذي فاز بجائزة نوبل للآداب الشهر الماضي.
ويقول ماس في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن هاندكه في وقتها كان محلا للانتقاد؛ لأنه ألف عدة كتب اعتبرت أنها تنكر إبادة الصرب للمسلمين في البوسنة، إلا أنه عندما بدأت أمريكا وحلفاؤها في الناتو بحملة قصف جوي ضد أهداف صربية في 25 آذار/ مارس، تعمق هاندكه في السياسة أكثر، وسافر إلى بلغراد ليعبر عن تضامنه مع البلد المعزول وزعيمه القوي سلوبودان ميلوسيفيتش، وقال هاندكه: "مكاني هو في صربيا عندما يقوم مجرمو الناتو بالقصف".
ويشير الكاتب إلى أن "الهدف من حملة القصف، التي استمرت 78 يوما، وانتهت في 9 حزيران/ يونيو، وهو اليوم الذي كان فيه هاندكه في فيينا لافتتاح آخر مسرحياته، التي كانت نقدا مبطنا لمحاكم جرائم الحرب التي كانت ستقام ضد عدد من الصرب، بمن فيهم ميلوسيفيتش، هو إجبار الأخير على الخروج من كوسوفو، وكانت تلك أوقاتا مستقطبة بالنسبة لهاندكه، ومع أن تأييده لوجهة النظر الصربية كان معروفا في وقتها، إلا أن جزءا من حياته كان يتكشف ولم يكن معلنا حتى الآن".
ويلفت ماس إلى أن "هاندكه حصل في 15 حزيران/ يونيو 1999، بعد أقل من أسبوع من افتتاح مسرحيته حول جرائم الحرب، على جواز سفر يوغسلافي من السفارة اليوغسلافية في فيينا، وبحسب القانون الذي ساد وقتها في يوغسلافيا، التي كانت تتألف من جمهوريتي صربيا ومونتينيغرو (الجبل الأسود)، فإن الجوازات كانت لا تصدر إلا للمواطنين اليوغسلافيين فقط، وليس من الممكن التحديد من الصفحات المتوفرة من جواز سفر هاندكه إن كان قد حصل أيضا على الجنسية اليوغسلافية بجانب جنسيته النمساوية، مع أن جواز سفره يشير إلى أن جنسيته (يوغسلافي)".
ويرى الكاتب أن "جواز سفر هاندكه اليوغسلافي يعد مهما بسبب الجدل الدول الدائر حول منح جائزة نوبل للآداب لشخص يبرر للإبادة الجماعية، لكن هاندكه والمدافعين عنه، بمن فيهم لجنة نوبل للآداب والأكاديمية السويدية، الذين اختاروه للجائزة، يقولون إن كتبه ومسرحياته ومقابلاته حول البوسنة كانت بشكل عام عادلة ومنصفة".
ويؤكد ماس أن "الحقيقة التي لم تنشر حتى الآن بأنه كان لدى هاندكه جواز سفر يوغسلافي، تبدو مؤشرا جديدا على تعاطفه وولائه الحقيقيين، ففي كتابين من أكثر كتبه إثارة للجدل، وهما (رحلة إلى الأنهار)، و(الملحق الصيفي للرحلة الشتوية) بدا هاندكه بأنه يشكك في عدد المسلمين الذين قتلهم الصرب كما ذكرت التقارير، وبدا وكأنه يشير إلى أن أشد هجوم بقنابل الهاون على المسلمين في سراييفو نفذه المسلمون ضد أنفسهم، لزيادة الغضب العالمي ضد الصرب الذين بدأوا الحرب، والذين يحاصرون عاصمة البوسنة".
وينوه الكاتب إلى أنه يقدر بأنه قتل حوالي 100 ألف شخص ما بين عامي 1992 و1995، معظمهم من المسلمين، من المدنيين والجنود، مشيرا إلى أن أكبر مجزرة وقعت في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية كانت في عام 1995، عندما ذبح 8 آلاف رجل وغلام مسلمين في سربرنيتسا على يد القوات الصربية، فيما عرفته المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا سابقا على أنه إبادة جماعية.
ويفيد ماس بأن "المكتبة الوطنية النمساوية قامت في عام 2015 بأرشفة النصوص والصور المتعلقة بحياة وأعمال هاندكه على الإنترنت، وداخل هذا الأرشيف هناك صفحة حول علاقات هاندكه، وتحمل قائمة من الأيقونات الصغيرة، من بينها صور لمعالم مهمة في بلغراد، وحتى قبل يوم أو أكثر كانت هناك أيقونتان لصور غلاف جواز هاندكه والصفحات الداخلية".
ويبين الكاتب أن "معلومات الملكية على الصور المحذوفة تشير إلى المجموعة الشخصية لهانز ويدريتش، وعندما قام موقع (إنترسبت) بالاتصال بويدريتش هذا الأسبوع، فإنه قال إن هاندكه كان يستأجر منه بيتا ريفيا، وقال إن هاندكه أعطاه عددا من ممتلكاته الشخصية، مثل بعض المخطوطات وجوازات السفر القديمة، وقام ويدريتش بتقديمها للمكتبة الوطنية".
وينقل ماس عن ويدريتش، قوله بأنه سأل هاندكه ذات مرة عن جواز السفر اليوغسلافي، فقال هاندكه إنه حصل عليه لأنه بصفته أجنبيا فإنه كان يدفع مبلغا أكبر للفنادق عندما يسافر إلى صربيا، مشيرا إلى أن ويدريتش تذكر حديثه مع هاندكه، قائلا: "قلت: هناك جواز سفر يوغسلافي، وأجاب: نعم، لقد طلبته لأنني أزور البلد كثيرا ولا أحب أن أدفع سعرا غاليا في الوقت الذي يدفع فيه صديقي الصربي نصفه".
ويعلق الكاتب قائلا إن "القصة ليست بهده البساطة على ما يبدو، وما هو مؤكد هو أن هاندكه، الذي تنحدر أمه من سلوفينيا، التي كانت جمهورية يوغسلافية حتى انفصلت عام 1991، قام بزيارة صربيا في عدد من المناسبات في أواسط تسعينيات القرن الماضي، وكان عادة يسافر ومعه مجموعة صغيرة من المرافقين، وبالذات مترجمه الصربي زاركو راداكوفيك، وتذكر كتبه من تلك الفترة البقاء في فنادق أو بنسيونات، واتصل موقع (إنترسبت) بعدد من الأشخاص الذين عاشوا وعملوا في تلك الفترة في صربيا، فقالوا إن الفنادق كانت تطلب من الأجانب ثمنا أعلى".
ويستدرك ماس بان "الحصول على جواز سفر من يوغسلافيا (أو أي بلد آخر)، ليس عملية سهلة، وبحسب قانون 1996 بخصوص وثائق السفر للمواطنين اليوغسلافيين، الذي كان فاعلا في ذلك الوقت، فإن الجوازات لا تمنح إلا لمن هم مواطنون يوغسلافيون، ما عدا جوازات السفر الدبلوماسية (وليست هناك أي إشارة على جواز هاندكه تشير إلى أنه جواز سفر دبلوماسي)، ولم يجب ناشر هاندكه على رسائل البريد الإلكتروني ومكالمات طلبا للتعليق على الجواز، أو الإجابة عما إذا كان هاندكه قد حصل على الجنسية اليوغسلافية أيضا".
ويقول الكاتب: "من الممكن جدا أن هاندكه حصل على جواز سفره دون المرور بخطوات الحصول على جنسية، فلعدة سنوات كانت يوغسلافيا دولة مافيا، حيث كان نظام ميلوسيفيتش لا يأبه بالقوانين، وكان يفعل ما يشاء، وكان البلد محطما بالتضخم، والعقوبات الأمريكية والعنف السياسي وغير ذلك، وكان النظام يعاقب من يختلف معه ويتفضل على من يتفق معه، فليس من الصعب تخيل أن يكون النظام قد منح هاندكه جواز سفر، متجاوزا عملية الحصول على جنسية، وذلك جائزة وتشجيع على دعمه الصوتي".
ويجد ماس أن "قرار هاندكه القبول بجواز السفر هو موضوع آخر، وهو بالتأكيد كان سيحصل على تخفيض في الفنادق التي كان ينزل فيها، لكن هذا لا يبدوا شرحا وافيا لدوافع قبول هدية غريبة ومثيرة للجدل من حكومة تم شجبها على نطاق واسع لارتكابها جرائم ضد الإنسانية في البوسنة بالإضافة إلى كوسوفو، وقبول جواز سفر من نظام ميلوسيفيتش يبدو وكأنه فعل سياسي مشحون بشكل كبير بمعاني الدعم والاصطفاف".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "يبدو أن جواز السفر أصبح مسألة حساسة للأشخاص ذوي الصلة، فمع أن ويدريتش رد على الاستفسارات يومي الاثنين والثلاثاء، إلا أنه طلب في اليوم التالي بألا يقوم موقع (إنترسبت) بنشر صور جواز السفر، وعندما قام الموقع بتفحص الأرشيف التابع للمكتبة الوطنية اليوم وجد أنه تم حذف صور جواز السفر".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
نيوستيمان: كيف أصبحت كراهية الإسلام مقبولة بالإعلام البريطاني؟
واشنطن بوست: مسلمو الصين يواجهون إبادة ثقافية كل يوم
الغارديان: الصين مستمرة في حربها على ثقافة مسلمي الإيغور