يجادل كثيرون بأنّ ما آلت إليه الثورات العربية، أسوأ مما كان عليه الحال قبلها، وهذا الجدل يقف على أرضيّة هذه الثورات نفسها، بمعنى أنّ أصحابه ممن يتّخذون موقفا جذريّا من الأنظمة القائمة والأوضاع السائدة، وممّن ساهموا بشكل أو بآخر، وبقدر ما، في تلك الثورات، فالتساؤل منهم يختلف (ولو تطابق في الصيغة) عن تساؤل غيرهم ممن يتّخذ موقفا معاديّا لتلك الثورات، ومواليّا للأنظمة القائمة والأوضاع السائدة.
ممّا لا ينبغي أن نجادل فيه أنّ الثورات العربية لم تَخلِق أنظمة جديدة بعد، ولا أوضاعا مختلفة بالكليّة، هذا فضلا عن هزيمتها الواضحة، كما في مصر أو سوريا، وكما هو جارٍ حتّى اللحظة، وأنّ النظام القديم، المستمرّ إلى حدّ ما، أكثر توحّشا، وأنّ مصادرة الحرّيّات غير مسبوقة شكلا وحجما. وفي غمرة ذلك يتبلور مشروع لتصفية القضية الفلسطينية، تشترك فيه دول عربيّة مركزيّة تكاد تفعل ذلك علنا وبلا مواربة. وقد أفضى ذلك إلى حالة من الحيرة عصفت بكل أصحاب التجربة، وبكل من انضمّ إلى جهود التغيير والإصلاح قبل الثورات وأثناءها، فاتسعت دوائر الاكتئاب والعدميّة، والإحساس بالهزيمة والعجز واللاجدوى، وسقط كثيرون في الفتنة.
الثورات العربية لم تَخلِق أنظمة جديدة بعد، ولا أوضاعا مختلفة بالكليّة، هذا فضلا عن هزيمتها الواضحة، كما في مصر أو سوريا، وكما هو جارٍ حتّى اللحظة، وأنّ النظام القديم، المستمرّ إلى حدّ ما، أكثر توحّشا
لم يكن ممكنا أبدا هزيمة هذا البنيان كلّه، ولا حتّى وحدة من وحداته، بالضربة القاضية. وما كان له أن يقبل ذلك، بل لا ينبغي أن يُتوقع سوى أنْ يُظهر كلّ ممكنات البطش في وجه الخارجين عليه، ثمّ يصبّها عليهم صبّا. وقد كانت الخطيئة الكبرى هي التعامل برومانسية حالمة معه، والتصوّر بإمكانية أن تردعه أخلاقية مفترضة فيه، غير موجودة فيه أصلا، أمّا عقلانيّته فهي غير عقلانية الثائرين عليه، ولو كان فيه حدّ أدنى من الأخلاقية المفترضة، وعقلانية الصالح العامّ، لما وصل العرب إلى ما وصلوه من التردّي والاهتراء في أوضاعهم العامّة والخاصّة!
وفي كل الأحوال، هذه ثورات الضعفاء في وجه الأقوياء، وهم أقوياء العالم كلّه، العالم ببعديه الجغرافي والتاريخي، تلتحم فيه الجغرافيا التي على عرضها شيّدوا صروحهم، ويحضر التاريخ الذي بنوا في طوله مجدهم، فكيف لا تجتمع قبضاتهم على عظام المسحوقين؟! والحاصل أنّ الآلام كان لا بد منها، وتفنُّن هذا العالم في وجوه التوحّش حتميّة لا مناص منها، وأنّ هذا التفنن يُراد منه إظهار التجدّد للنظام نفسه، وتثبيت المكانة، وبالتالي بثّ اليأس، ونفي إمكانية التغيير، فضلا عن تنويع أدوات القهر والطغيان.
كان لا بد منها، وتفنُّن هذا العالم في وجوه التوحّش حتميّة لا مناص منها، وأنّ هذا التفنن يُراد منه إظهار التجدّد للنظام نفسه، وتثبيت المكانة، وبالتالي بثّ اليأس، ونفي إمكانية التغيير
جولة محمد علي في بلاد الفرنجة وقلق الأذرع الدبلوماسية!
العرب وانتفاضة إيران الشعبية: بين السياسة والنكاية!