نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمعلق الصحافي بيتر أوبورن، يتهم هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بأنها خيبت آمال البريطانيين بتغطيتها المتحيزة للانتخابات القادمة، قائلا إن "بي بي سي" تتصرف بطريقة تتحيز مع حزب المحافظين.
ويشير أوبورن في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حصل على ما يريد، فقد تحول هجوم الأكاذيب إلى تسونامي في الأيام القليلة الماضية بعدما أنشأ أوبورن موقعا على الإنترنت لمتابعة أكاذيبه، مع انتظار إضافة العشرات منها إليه.
ويقول الكاتب إن "من أكثر الأكاذيب التي لا يمكن لأحد تقبلها هي تلك المتعلقة بهجوم جسر لندن، الذي استخدمه وسيلة في حملته الانتخابية، في تحد لرغبة عائلات الضحايا التي حثته على عدم الدخول في مزايدة سياسية، ففي يوم الأحد عندما قابله أندرو مار في برنامجه، فإنه حاول الترويج لأربع أو خمس من هذه الأكاذيب، بما فيها الزعم بأن زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، سيقوم بحل مؤسسة الأمن الداخلي (ام آي فايف)، وأخرى قال فيها إن حزب العمال مسؤول عن هجوم جسر لندن يوم الجمعة؛ لأن المهاجم أفرج عنه بشكل مبكر".
ويقول أوبورن إن "مار، مقدم البرنامج، لم يحاول مواجهة هذه الأكاذيب، ولم تدع (بي بي سي) جونسون إلى البرنامج إلا بعد الهجوم، وقالت إن هذه الدعوة (من أجل الصالح العام) وظل جونسون يرفض الظهور في مقابلة مع أندرو نيل، الذي قوض قوة كل من زعيمة إسكتلندا نيكولا ستيرجين، وكوربين".
ويلفت الكاتب إلى أن "مار لم يحاول التحقيق أو مساءلة جونسون عن الكذبة الكبرى، وهي (لنعمل عل الانتهاء من البريكسيت)، فالموقف السخيف لحزب المحافظين، وهو أن البلد سيترك الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني/ يناير، وأن الفترة الانتقالية ستنتهي في كانون الأول/ ديسمبر 2020، لم يتم الحديث عنه، أو حتى التلميح له، وإن كان فعلا سيتحقق".
وينوه أوبورن إلى أن "هذا يأتي في وقت ظهرت فيه الكثير من التصريحات العنصرية لجونسون، منها ما كشف عنه بأن الأطفال الذين تربيهم أمهاتهم جهلة وعدوانيون وأبناء سفاح، لكنه لا يزال يواصل رفض الإجابة أو التعليق على هذه الشكاوى، كما فعل مع أندرو مار، بالإضافة إلى كلامه المؤذي عن النساء المسلمات، اللواتي صورهن بلصوص البنوك، ولو كان هناك رئيس وزراء غير جونسون لما بقي في الحكم يوما واحدا، إلا أنه ينتعش على الأكاذيب".
ويرى الكاتب أن "السبب في هذا الأمر هو لكون جونسون يجمع بين انتمائه للمؤسسة البريطانية التقليدية والنجومية في داخل الحلقات الإعلامية: فهو خريج إيتون ونادي بلينغدون وحزب المحافظين ورئيس تحرير مجلة (سبكتاتور) وعمدة لندن، وهو يعرف ما يقول ولمن يقول، بالإضافة إلى أن أقوى ثلاث مجموعات صحافية (تلغراف) وإعلام ميردوخ والصحف الإلكترونية، تدعم حزب المحافظين، في الوقت الذي كرست فيه جهودها كلها لتدمير كوربين".
ويجد أوبورن أن "الغريب أن صحيفة (التايمز)، التي تقدم نفسها على أنها صوت الحرفيين في بريطانيا، عبرت وبشكل مستمر عن تأييدها لجونسون، إلا أن الصحافة المكتوبة غالبا ما عبرت عن دعمها للمحافظين".
ويستدرك الكاتب بأن "الحزب وجد في الانتخابات الحالية حليفا غير متوقع، وهو (بي بي سي)، فهذه المؤسسة مقيدة بشروط قاسية تطالبها بالحيادية، ولهذا السبب اتهمت من هذه الصحف بأنها متحيزة مع اليسار، ففي حملة انتخابات 2019 تصرفت (بي بي سي) بطريقة جعلتها تحابي المحافظين، وبعدما ظهر جونسون في حالة مهلهلة وهو يضع إكليلا يوم الأحد في ذكرى قتلى الحرب العالمية، وبثت (بي بي سي) صورة له وهو في هندام جيد يضع إكليلا أخضر على نصب قتلى الحرب تعود إلى عام 2016، وعندما كان وزيرا للخارجية، وأكدت (بي بي سي) أن اللقطة كانت بالخطأ".
ويفيد أوبورن بأن "هناك قصة أكثر خطورة عندما قطعت القناة ضحك المشاهدين على جونسون أثناء مساءلة قادة الأحزاب، عندما سئل إن كان قول الحقيقة مهما، ولم تظهر اللقطات التي تم تحريرها سوى التصفيق، وكما قالت ليدي براكنيل (إن خسارة أحد الوالدين هي مصيبة، لكن خسارة كليهما تبدو لامبالاة)، وحدثت سلسلة من المصائب كلها أخطاء لكنها ساهمت في تأكيد المنظور بأن (بي بي سي) هي قناة تضع إصبعها على شقة ميزان الحكومة".
ويشير الكاتب إلى أن الزميلة في معهد "جينينغ يوروب" جيل راتر كشفت في تشرين الأول/ أكتوبر الطرق التي يقوم فيها الصحافيون، بينهم المراسلة السياسية لـ"بي بي سي" لورا كوزنبيرغ، بالاعتماد على المعلومات الواردة من مسؤول استراتيجيات جونسون، دومينك كامينغز، وقالت إن "الطريقة التي يعملون فيها لا تخدم الرأي العام.. تسمح لـ(دوانينغ ستريت) بأن تمرر رسالته دون تحمل المسؤولية عنها".
ويلفت أوبورن إلى أنه عندما أعلن جونسون أمام مستشفى في شرق لندن قائلا: "لا صحافة هنا"، في الوقت الذي كان فيه أحد الآباء القلقين يسأل عن ابنته، جاءت كوزنبيرغ لإنقاذه، حيث أرسلت تغريدة، قالت فيها إن الأب كان ناشطا من حزب العمال.
ويستدرك الكاتب بأنه "ليس من العدل استهداف كوزنبيرغ، فالأبحاث التي قامت بها جاستين شولزبيرغ من جامعة بيركبيك كشفت عن الطريقة التي أولت (بي بي سي) و(آي تي في) اهتماما كبيرا بتقديم نائب عمالي مغمور الدعم للمحافظين، لكنها لم تهتم كثيرا عندما أعلن أحد عمالقة المحافظين كينث كلارك بأنه لن يصوت للمحافظين".
ويذكر أوبورن أن شولزبيرغ لاحظت عدم التساوي في طريقة تغطية إعلان الحزبين للبرامج الانتخابية، مشيرا إلى أن معهد الدراسات المالية أصدر ردا مباشرا على برنامجي المحافظين والعمال، لكن رد المعهد على برنامج العمال تم التركيز عليه أكثر عشر مرات في "بي بي سي"، فيما لم ينتقد برنامج المحافظين إلا مرة واحدة في الفترة ذاتها، وهي يومان.
ويقول الكاتب إنه لا يعتقد أن مدير "بي بي سي" توني هول والمديرين التنفيذيين يدعمون جونسون بشكل نشط، "لكن المشكلة هي أن (بي بي سي) وإن لم تحمل تحيزا نحو حزب من الأحزاب إلا أنها متحيزة نحو الحكومة التي تحكم في 10 داونينغ ستريت، وقبل عقدين كان هول مديرا للأخبار وشؤون الساعة في (بي بي سي)، وفي ذلك الوقت سمحت المؤسسة لنفسها بالتسامح مع بلطجة حكومة العمال الجدد، ولم يجد حزب المحافظين بزعامة ويليام هيغ أي فرصة، مثل كوربين اليوم".
وينوه أوبورن إلى أن المذكرة من محرر برنامج "نيوز نايت" بيتر هوركوس، إلى فريقه عام 1997، التي دعا فيها إلى تحليل هادئ في التعامل مع حزب العمال الجدد، تظل مثالا واضحا.
ويقول الكاتب إن "(بي بي سي) هي أهم مؤسسة بريطانية بعد (الخدمة الوطنية/ أن أتش أس)، وأنشئتا في القرن العشرين، وكلاهما تدعمان الأمة، و(بي بي سي) تدافع عن الصدق والإبداع للشعب البريطاني، ومثل بقية المؤسسات، كالبرلمان، فقد اهتزت بسبب البريكسيت، وهذا مفهوم، ولكن أخشى أن تخيب آمال الناس الذين آمنوا بها".
ويختم أوبورن مقاله بالإعراب عن أمله بألا "تقوم (بي بي سي) بالتحيز مع المحافظين خوفا من انتقام حكومة محافظة، لكن على المؤسسة معرفة أن جونسون وحلفاءه لا يحبون شيئا أكثر من تدمير المؤسسات العامة في بريطانيا، وقد مضى الوقت الذي كانت فيه (بي بي سي) مؤسسة يثق بها الناس حول العالم نظرا لتغطيتها المحايدة والنزيهة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
جدعون ليفي: كوربين هو الأمل ولو كنت بريطانيا لانتخبته
ذا أتلانتك: كيف يختبر هجوم لندن قيادة بوريس جونسون؟
الغارديان: لهذا تجاهل جونسون بتعامله مع هجوم لندن سياسات حزبه