الكتاب:الأنثروبولوجيا الفرنسية تاريخ المدرسة وآفاقها
الكاتب:عبد الله عبد الرحمن يتيم
الناشر: دار نينوي للدراسات و النشر والتوزيع ، دمشق، الطبعة الأولى 2019،
(261 صفحة من الحجم الكبير)
لاشك أن العلاقات القائمة بين ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية تتسم اليوم بالانتفاح والاستفادة من نظريات ومناهج بعضها بعضاً أكثر من أي وقت مضى. فالبنيوية التي كانت اتجاهاً فلسفياً قد ضربت مثلاً يحتذى به في هذا المجال، فهي قد جمعت من بين مؤسسيها من هو عالم أنثروبولوجيا مثل ليفي ستروس، وعالم نفس مثل جاك لاكان، ولغوي وناقد مثل رولان بارت، ومفكر وفيلسوف مثل ميشيل فوكو، ولغوي آخر مثل نعوم شومسكي.
وقد انعكس هذا التعاون إيجابياً على البنيوية، حيث أدت جميع هذه الحقول من العلوم الاجتماعية والإنسانية دوراً في إثبات المقولات والمفاهيم الأساسية التي أتى بها ليفي ستروس بوصفه مؤسساً للبنوية. أما من الناحية السلبية الضيقة، وخاصة فيما يتعلق بنفوذ وسلطة البنيوية، فإنَّ فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية كل في مجال اختصاصه قد وضع البنيوية موضع التطبيق، وقد ترتب عن هذه التطبيقات أن اكتشفت جوانب مهمة من إخفاقات ونجاحات هذه النظرية.
البنيوية تنقد نفسها
يقول الباحث عبدالله عبد الرحمن في هذا الصدد: "النقد الذي وُجّه إلى البنيوية قد أتى جزئيا ًمن بعض أقطاب البنيوية أنفسهم، كالنقد الذي وجهه ميشيل فوكو وجاك دريداً مثلاً، وقد انعكس النقد الذي وجه للبنيوية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية على فروع هذه العلوم ذاتها، فقام كل علم من هذه العلوم بمراجعة أشكال تبنيه للبنيوية. ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أنَّ الأنثروبولوجيا وحدها كانت من بين أكثر تلك العلوم التي قامت بعملية النقد. ولكون الأنثروبولوجيا أكثر المجالات المعنية بين تلك العلوم بمفاهيم ليفي ستروس ونظرياته، وأكثرها استقبالاً وتفاعلاً معها، لذلك كانت هي من العلوم الأولى التي قامت بعملية النقد للبنوية. فقد أوردنا فيما مضى من هذه الدراسة نماذج من استقبال البنيوية في الأوساط الأنثروبولوجية، بغية إظهار الكيفية التي أعيد بموجبه إنتاج البنيوية. وقد ترتب على عمليات النقد وإعادة الإنتاج تلك أن أتيحت للبنيوية فرصة واسعة لأخذها إلى ميدان العمل الحقلي والدراسات الأثنوغرافية، مما أدى إلى توسيع دائرة مفاهيمها على مستوى النظرية الأنثروبولوجية"، (ص 162 من الكتاب).
النقد الذي وُجّه إلى البنيوية قد أتى جزئيا ًمن بعض أقطاب البنيوية أنفسهم، كالنقد الذي وجهه ميشيل فوكو وجاك دريداً مثلاً،
بيار بورديو.. النشأة والتكوين
يُعَدُّ عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو أحد أبرز مثقفي هذا العصر، فقد ولد في الأول من آب (أغسطس) العام 1930 في دونغان (منقطة البيرينيه ـ الأطلنطي) لعائلة ذات أصول فلاحية. حاز على الأغريغاسيون في الفلسفة ودرسها في ثانوية "مولان" حتى العام 1955، ومن ثم درَّسَ في الجزائر (1958 ـ 1960) وباريس وليل، ثم تولى منصب مدير دراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا ، التي أصبحت مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، و في الوقت عينه ، كان مدير مجلة " أبحاث في العلوم الاجتماعية " من العام 1964 وحتى 1980.
كان بيار بورديو يقوم خلال فترة نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي (1954 ـ 1962) بعمله الإثنوغرافي بين سكان القبائل من بربر الجزائر، وكان نتاج عمله كتابه الذي صدر في عام 1962 بعنوان"سوسيولوجيا الجزائر". ويعد هذا العمل من بواكير أعماله التي حققت له حضورًا لافتًا في العالم الأنجلوساكسوني وذلك بصفته أنثروبولوجيًا. لقد مهد هذا المؤلف الإثنوغرافي الطريق لعمله الأبرز الذي صدر بعد عشرة أعوام، ألا وهو "موجز حول نظرية الممارسة"، ولعل هذين العملين، إضافة إلى "جزائر 1960" من بين الأعمال التي عززت مكانة بورديو كأنثروبولوجي بارز في النصف الثاني من القرن العشرين.
وفي العام 1981 ألقى درسه الافتتاحي في "الكوليج دوفرانس" و بقي هناك أستاذ كرسي علم الاجتماع حتى 28 آذار (مارس) 2001، حيث ألقى درسه الأخير، وعقب ذلك أعلنت هذه المؤسسة الثقافية الكبيرة عن إلغاء كرسي علم الاجتماع، تقديرا للمفكر والفيلسوف الذي افتتحها.
حظي بيار بورديو بشهرة عالمية معترف بها، إذ أن أعماله أسست من وجهة نظر أكاديمية ـ مدرسة علم الاجتماع النقدية للحداثة التي ترافقت معها، انتقال بورديو من عالم اجتماع إلى "نبي" أو لنقل "شيخ روحي" ساهم في إطلاق العديد من الحركات الاجتماعية عقب الاضطرابات التي شلت فرنسا في عام 1995.
وقد حجبت المحاولات المثارة بوساطة تدخلات بيار بورديو العلنية خلال السنوات الأخيرة، حيث كان "يفضح" بشكل منهجي الخبراء والصحافيين والاقتصاديين، وبالطبع "الفكر الأوحد" (العبارة المعاصرة للتعبير القديم "الفكر المهيمن")، حجبت هذه المحاولات البارانوية النور عن صورة بورديو المعروف بشكل واسع من أنه واحد من ألمع المفكرين في المجتمع المعاصر. و ذكر أحد أنصاره لويس بنتو، منذ سنوات عديدة في كتاب مخصص "لبيار بورديو ونظرية العالم الاجتماعي"، كيف أن عمل عالم الاجتماع مثل "ثورة رمزية" شبيهة بالثورات التي شهدناها في عدة مجالات أخرى، كالموسيقى والرسم، والفلسفة أو الفيزياء.
مزايا الإنتاج الرمزي
ويوضح لويس بنتو، أن ما أضافه بيار بورديو إلى علم الاجتماع هو قبل كل شيء "طريقة جديدة في رؤية العالم الاجتماعي" من خلال إعطاء "وظيفة كبيرة للبنيات الرمزية". فالتربية، والثقافة، والأدب، والفن، التي كانت موضوعاته الأولية للدراسة تنتمي إلى هذا العالم. وأما وسائل الإعلام، والسياسة التي بدلت في آراء بورديو، وحولته من "رجل علم" إلى "نبي" في الحياة العامة، قاداه ـ مثلما قاد سارتر إلى الوقوف على برميله لمخاطبة العامة في ما مضى ـ إلى أن يخطب في عمال سكة الحديد في محطة ليون بباريس خلال (إضرابات العام 1995)، ومن ثم في العاطلين عن العمل في "المدرسة" دار المعلمين ـ فقد كانت حقل البحث العلمي المفضل عنده.
بيار بورديو لم يكن باحثا استثنائيا فقط معترفا به من قبل نظرائه عبر العالم، بل إنه كان مثقفا عضويا بالمعنى الغرامشي حريصا على التدخل في الحوار العام على الطريقة الفرنسية الموروثة
رفض بورديو الخيار بين العولمة المصممة كخضوع لقوانين التجارة و إلى حكم "التجاري" الذي هو دائما "نقيض ما نسمع عنه كونيا بالثقافة" والدفاع عن الثقافات الوطنية أو "مثل هذه الأشكال من القومية أو الثقافة المحلية
قراءة في آراء كلود ليفي ستراوس مؤسس الأنثروبولوجيا البنيوية
كتاب يروي تاريخ المدرسة الفلسفية واللغوية الفرنسية
تفكيك الطاعة لفهم العصيان كانتصار على الذات وسبات العالم