مثّل مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد ما يعرف بفيلق القدس في الحرس الثوري، زلزالا مدويا في المنطقة. فسليماني ليس مجرد جنرال عادي، بل هو مهندس النفوذ العسكري الإيراني الخارجي الذي نجح في تحقيق حلم إمبراطوري قديم بهيمنة طهران على عدة عواصم عربية في زمن وجيز، من بيروت ودمشق شمالا، مرورا ببغداد، ووصولا إلى صنعاء جنوبا، وهو الاسم المرعب الذي يصيب من يسمعه بهلع وربما بالسكتة القلبية، بسبب قسوته المفرطة في تعذيب أسراه وجعلهم عبرة لمن يعتبر.
مقتل سليماني لن يمر مرور الكرام على إيران، فرغم أن الخصم في هذه الحالة هو أقوى دولة في العالم عسكريا واستخباريا واقتصاديا، إلا أن إيران (التي أعلنت الحداد وتنكيس العلم ثلاثة أيام) مضطرة للرد حفاظا على هيبتها مهما كلفها ذلك من ثمن. وقد هدد مرشدها الأعلى علي خامنئي بـ"انتقام عنيف ضد القتلة"، كما أعلن مجلس الأمن القومي الإيراني بعد اجتماع طارئ "أن المجرمين سيواجهون الانتقام القاسي في الوقت والمكان المناسبين"، "وأن الرد سيشمل المنطقة كلها".
إيران (التي أعلنت الحداد وتنكيس العلم ثلاثة أيام) مضطرة للرد حفاظا على هيبتها مهما كلفها ذلك من ثمن.
هذه التهديدات الإيرانية قد تجد طريقها للتنفيذ ضد مصالح أمريكية في العراق أو سوريا أو منطقة الخليج، أو ربما داخل الولايات المتحدة نفسها، وقد تتم بأيدي إيرانية بشكل مباشر أو عن طريق أذرعها المنتشرة في أماكن عديدة من حزب الله شمالا إلى الحوثيين جنوبا، وقد تستجلب ردا أكثر قسوة من واشنطن التي تعهدت بذلك بالفعل، وهذا يعني حربا شاملة بحرية وجوية ومعلوماتية.. إلخ، لكن الكثيرين يرون أن حربا لن تحدث بين الدولتين اللتين تدركان خطورة هذه الحرب، وتداعياتها، وبالتالي فإن الرد لن يتعدى عملا رمزيا ضد هدف أمريكي ثانوي، أو ربما بعض الأهداف الخليجية الكبرى التي لن تنزعج واشنطن من أجلها، ثم تحتفل إيران بردها المزلزل ويحتفي ترامب برأس سليماني التي ستكون جواز مروره في الانتخابات الرئاسية المقبلة (بدأت بعض العمليات الصغيرة بإطلاق قذائف مجهولة في المنطقة الخضراء وسط بغداد، وبإحدى القواعد العسكرية التي تضم خبراء أمريكيين دون وقوع خسائر، ويعتقد أنها من تنفيذ حزب الله العراقي الذي أسسه المهندس).
ما يهمنا في هذا الشأن هو تداعيات هذا الأمر على قضايا المنطقة الساخنة، سواء القضية الفلسطينية أو العراقية أو السورية أو اليمنية أو الليبية أو حتى المصرية، فالجروح التي تركتها إيران في المنطقة لا تقل عن الجروح التي تركها الأمريكان، والرغبة الشديدة في الهيمنة على المنطقة لا تقل عن نظيرتها الأمريكية، رغم أننا كنا ننتظر من إيران الدعم والمساندة باعتبارها دولة إسلامية وباعتبارها صاحبة الثورة الأم في المنطقة، لكن العكس هو ما حدث بانحيازها إلى جانب الثورات المضادة، حيث كانت سباقة إلى واد الثورة السورية، وصب البراميل المتفجرة على رؤوس السوريين وتهجيرهم من مدنهم وقراهم مبكرا لإنقاذ بشار، وكانت سباقة إلى وأد الثورة اليمنية، كما أنها عبر رجالها بقيادة قاسم سليماني؛ قتلت آلاف العراقيين وهجرت مئات الآلاف منهم في إطار سياسة التطهير العرقي، وانتشرت بصورة كبيرة قصص التعذيب البشع التي تتم في معسكرات الاعتقال التابعة لمليشياتها في العراق، كما أنها وقفت ضد حراك العراقيين ضد النظام الطائفي رغم أن غالبية المشاركين في الحراك من الشيعة. وفي لبنان استخدمت ذراعها حزب الله لتخويف اللبنانيين وفرض سياسات الحزب وحلفائه بقوة السلاح، وهو الحزب الذي كان من قبل حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونال بذلك دعما شعبيا عربيا وإسلاميا واسعا في عموم المنطقة والعالم، لكنه تحول الآن إلى حزب طائفي، ملتزم بتنفيذ السياسة الإيرانية في المنطقة.
الجروح التي تركتها إيران في المنطقة لا تقل عن الجروح التي تركها الأمريكان، والرغبة الشديدة في الهيمنة على المنطقة لا تقل عن نظيرتها الأمريكية، رغم أننا كنا ننتظر من إيران الدعم والمساندة باعتبارها دولة إسلامية وباعتبارها صاحبة الثورة الأم في المنطقة
من الطبيعي أن تسعى حماس لطلب الدعم والمساندة من أي مكان، ومن الطبيعي أن تعرف الفضل لأهله، ولكن من الطبيعي أيضا أن تحترم مشاعر الملايين من أشقائها الذين لم يبخلوا عليها يوما بالدعم المادي والمعنوي في حدود إمكانياتهم البشرية،
قاسم سليماني.. بين الفعل الأمريكي والرد الإيراني
ما بعد مقتل سليماني.. نذر مواجهة لن تقع!!
ماذا بعد اغتيال الجنرال سليماني؟