نتحسر على الحالة العربية مرتين وثلاثًا.. وربما أكثر! حيث ينحسر الوزن والرسالة ووحدة الصف الغاية والهدف في مرحلة هي الأخطر على الإقليم.
أمريكا أعظم قوة عسكرية عبر التاريخ البشري، مشدودة حتى نهاية القوس بإزاء التهديدات الإيرانية على خلفية من اغتيال الجنرال سليماني، تهديدات أمريكية متوترة، تحذر إيران من المس بجنودها أو قواعدها العسكرية، وفي ذات الوقت ارتباك في الرسائل الأمريكية،.. تهديد حاسم من جهة ومساع لأصدقاء واشنطن تدعو إيران لضبط ردودها وضرورة منع الانزلاق للحرب، ثم تسريبات عن قرار سحب القوات الأمريكية من العراق ثم نفي، وإن ثمة أخطاء وراء الحديث عن سحب القوات.
مقر التحالف يرحل إلى خارج العراق، حلفاء أمريكا المقربون ينأون بأنفسهم .. والأحاديث تتزايد عن ضرورة تهدئة إيران ومحاصرة ألسنة اللهب.. وكلما تجلدت إيران وحافظت على صلابة موقفها واتزانها .. ولم تتسرع في الرد، حشرت ادارة ترامب في الزاوية، وسمحت لتناقضات الادارة الامريكية لمزيد من التراكم والبروز، وعرضت نسيج علاقاتها مع حلفائها لمزيد من التفسخ على نحو تظهر فيه امريكا في ظل ادارة ترامب ادارة نزقة مضطربة وعاجزة .. رعونة كبيرة وصوت مرتفع .. لكنها في كل مرة قابلة للانكسار والانكفاء...واسقاط الطائرة الامريكية بدون طيار قبالة السواحل الايرانية. وضرب ناقلات النفط في الخليج...واستهداف شركة النفط السعودية "ارامكو" ...شواهد قريبة.. وهو ما يعني خسارة صافية لترامب، سياسية وانتخابية، ومن حيث اراد الكسب والفوز جاءته الخسارة والفشل.
نقول هذا ونحن ندرك انه لا مقارنة بين القوة العسكرية الامريكية والايرانية .. ولكن الحرب لم تكن في يوم من الايام ميزان امكانات وقوى عسكرية فقط .. ولكن ايضا.. ادارة للموقف واستثمارا صحيحا للقوى وحسابات صحيحة للمواجهة زمانا ومكانا وظروفا محيطة. وهو ما اخفقت فيه ادارة ترامب حتى الآن.. ونجحت في الاستثمار فيه طهران.. فهل تكسب هذه الاخيرة الجولة؟ .. بكل ما لهذا الكسب من تداعيات كبيرة على المنطقة .. وعلى قدرة كل من واشنطن وطهران على العمل وتعزيز النفوذ في الاقليم.
امريكا اخطأت الحسابات، هذا الظاهر حتى الساعة، وطهران هذه المرة بدت يقظة متحفزة اكثر من اي وقت .. وتملك ردا على اللطمة الامريكية، وما هو ابعد من ذلك ..التقدم للامام .. وهي لم تصغر كتفيها، وتهديداتها كما يبدو ليست فارغة وتلقى آذانا صاغية على الجانب الآخر.
هذا ملخص الصورة.. فيما الحال العربي في ادنى درجات الأهلية ضائعا عاجزا بلا خطة ولا وزن ولا كرامة وطنية.
لا احد بين الفرقاء المتصارعين يأخذ الحالة العربية بعين الاعتبار ولا على محمل الجد.. ارضه العرب ساحة للصراع، والسيطرة على اوطانهم، ارضا وسماء ..امكانات ومصير، موضوع التناحر بين المتصارعين، والانكى ان الكثير من كيانات العرب السياسية ليس فقط لا تملك مشروعا محترما يخصها، ولكنها ارتضت ان تلعب بكل قوتها لصالح اجندات الطامعين.
اننا اليوم، وفي قابل الايام نعيش واقعا سياسيا يحتاج للكثير من التدقيق، فالاستمرار في العمى والتحطيب في حبال الاعداء بالمجان، وبكلف عكسية مؤلمة، خسارة صافية .
والسير اشتاتا متفرقين ومتنازعين، على غير هدى من خطة او برنامج .. وصفة خراب قاتلة.
الامة العربية ليست اقل شأنا من ايران، قوة عسكرية وطاقات بشرية واقتصادية، وهي تملك الاجابة الحاسمة عن أي توسع للمشروع الايراني او غيره على حساب المنطقة العربية، شرط التوحد وحسن الاختيار للخطة وسلامة التموضع.
القتال من الخندق الامريكي وبالتحالف مع اسرائيل، ليس كريما ولا يجلب الا مزيدا من ارتهان المنطقة العربية، واخضاعها للاجندات الامريكية الاسرائيلية المدمرة والقاتلة.
وبدون وحدة للموقف العربي، واحترام صادق لإرادة الشعوب العربية، ونبذ كل التدخلات الخارجية لن تقوم للعرب قائمة. وسيظلون يسجلون الأهداف في مرمى بلادهم..
عن صحيفة السبيل الأردنية