ضرب
زلزال بقوة 6.8 درجات على مقياس ريختر، مساء الجمعة، محافظتي ألازيغ ومالاطيا، شرقي
تركيا، وشعر به سكان مناطق جنوب البلاد وشرقها. وخلف الزلزال
41 قتيلا وعشرات من الجرحى، بالإضافة إلى انهيار مبانٍ وحدوث تشققات في أخرى.
وأعاد هذا الزلزال الأخير إلى الأذهان الذكريات المؤلمة التي عاشتها تركيا في الزلزال الذي ضرب منطقة مرمرة عام 1999، وأدَّى إلى مقتل آلاف من المواطنين في عدة مدن بما فيها إسطنبول.
كنت أقيم في منطقة أسكودار بإسطنبول حين ضرب الزلزال العنيف المنطقة قبل الفجر في 17 آب/ أغسطس 1999، واستيقظت من النوم بسبب شدة الاهتزاز. وما زلت أتذكر صوت الزلزال، ذاك الصوت الرهيب الذي قطع سكون الليل، وخرجنا من البيوت، ولم نكن نعرف حجم الكارثة، وعدد الضحايا. وبعد ساعات، بدأت الأنباء تصل من أنحاء المنطقة التي ضربها الزلزال، ويرتفع عدد الضحايا، وتتضح ملامح الصورة المخيفة.
تجولت آنذاك في المدن التي ضربها الزلزال لأشارك في إيصال مساعدات عاجلة إلى المتضررين، وكانت مشاهد الدمار المروِّعة تذكِّر عظمة الله وقدرته، سبحانه وتعالى، وضعف بني آدم أمام تلك القدرة الإلهية. وكان زلزال مرمرة قد خلف أكثر من 17 ألف قتيل وحوالي 24 ألف جريح، وفقا للإحصائيات الرسمية المعلنة.
الحكومة التي شكلها حزب اليسار الديمقراطي برئاسة بولنت أجاويد، وحزب الوطن الأم برئاسة مسعود يلماز، وحزب الحركة القومية برئاسة دولت بهتشلي، هي التي كانت تحكم تركيا حين ضرب الزلزال منطقة مرمرة عام 1999. وكان أجاويد رئيس الحكومة الائتلافية التي ظلت عدة أيام عاجزة أمام الكارثة، وخرج الرجل أمام الكاميرات بعد ساعات من وقوع الزلزال ليعترف بأن الحكومة ليست لديها معلومات كافية، لعدم تمكنها من التواصل مع بعض المناطق لانقطاع خطوط الهاتف. وكانت الخيام التي أرسلتها جمعية الهلال الأحمر التركية إلى المدن التي ضربها الزلزال بالية للغاية وغير صالحة للاستعمال. وطلبت الحكومة التركية آنذاك دعما من المنظمات الدولية، مثل الصليب الأحمر، إلا أنها أخفقت في التنسيق بين جهود تلك المنظمات.
حكومة أجاويد فشلت آنذاك في التعامل مع تبعات الزلزال، وكانت الخدمات معطلة، والمؤسسات الحكومية غائبة عن الساحة، الأمر الذي دفع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية والجماعات الإسلامية بمختلف توجهاتها إلى الاستنفار لنجدة المنكوبين، وتوفير الاحتياجات العاجلة للمتضررين، مثل الخيام والطعام والملابس والأدوية والبطانيات. وهذه الهبة الشعبية هي التي سدت فراغ الحكومة.
وأما في
الزلزال الأخير الذي ضرب شرقي تركيا، فانتقلت فرق الإنقاذ إلى المنطقة في أقرب وقت، كما أن الحكومة كانت حاضرة في الساحة منذ اللحظات الأولى بكل مؤسساتها. ووصل وزراء الداخلية والصحة والبيئة إلى محافظة ألازيغ بعد وقوع الكارثة مباشرة لمتابعة عملية الإنقاذ، وتوفير الخدمات المطلوبة للسكان.
الزلزال الذي ضرب منطقة مرمرة عام 1999 كانت قوته 7.4 درجات على مقياس ريختر، أي أنه كان أقوى من الزلزال الذي ضرب محافظتي ألازيغ وملاطيا قبل أيام، كما أن تكنولوجيا الاتصالات تقدمت منذ عقدين. ومع ذلك، لا يمكن أن ينكر أحد نجاح الحكومة التركية في التعامل مع الكارثة الأخيرة، واستنفار كافة مؤسساتها لتخفيف آثار الزلزال وتضميد الجراح.
تركيا أسست "هيئة إدارة
الكوارث والطوارئ" المعروفة بــ"آفاد" صيف 2009 لتقوم بالاستعداد للتعامل مع الكوارث الطبيعية في البلاد، بما فيها الزلازل، والتنسيق مع المؤسسات الحكومية والأهلية لإمداد المناطق المتضررة بكل ما تحتاج إليه من خدمات، بالإضافة إلى المشاركة في عمليات البحث والإنقاذ. وتمتد أنشطة "آفاد" في إغاثة المنكوبين إلى خارج البلاد. كما أن هناك فرقا أخرى للبحث والإنقاذ تابعة لجمعية الهلال الأحمر التركية، وقوات الدرك، وبعض المنظمات الأهلية كهيئة الإغاثة التركية (?HH) تعمل بالتنسيق والتعاون مع فرق "آفاد".
تركيا تقع على عدد من خطوط الصدع النشطة، وسبق أن تعرضت في الماضي لزلازل مدمرة ضربت مناطق مختلفة في شبه جزيرة الأناضول. وتشير الدراسات إلى أن زلزالا كبيرا تتجاوز قوته 7 درجات على مقياس ريختر قد يسجل في بحر مرمرة في أي لحظة. وبالتالي، يجب أن تكون تركيا بكل مؤسساتها الحكومية، ومنظماتها الأهلية، على أتم الاستعداد للتعامل مع الزلازل، وتتخذ كافة التدابير اللازمة لتخفيف آثارها، سواء في إسطنبول وما حولها أو أي منطقة أخرى في البلاد.