نشر موقع "ناشونال إنترست" مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة متشيغان، محمد أيوب، يقول فيه إن وزير الخارجية البريطاني في 1917 اللورد آرثر بلفور، قام آنذاك، بإصدار بيان بقي في الذاكرة، ويعده الكثير مسؤولا عن الصراع على مدى القرن الماضي بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية.
ويشير أيوب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ذلك البيان، الذي أصبح يعرف باسم وعد بلفور، كان على شكل رسالة من اللورد بلفور وموجهة إلى زعيم اليهود في بريطانيا وولتر روثتشايلد، لافتا إلى أن بريطانيا وعدت في ذلك البيان على الملأ بأن تقيم "وطنا قوميا لليهود" في فلسطين.
ويقول الكاتب إن "عبارة (وطن قومي) الغامضة، التي ليست لها سابقة في القانون الدولي، استخدمت بشكل متعمد؛ لأنه كان هناك انقسام في الحكومة البريطانية، بين من يؤيدون الهدف الصهيوني بإقامة دولة يهودية في فلسطين ومن يعارضون الفكرة، ويبدو أن المؤيدين افترضوا أنه مع الوقت سيتحول (الوطن القومي) إلى دولة".
ويلفت أيوب إلى أنه "لذلك وعدت بريطانيا بتسهيل هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين، متجاهلة رغبات الشعب الأصلي في فلسطين، وجعل اللورد بلفور ذلك واضحا في مذكرة كتبها عام 1919، أوضح فيها أن لندن لم (تقترح حتى القيام.. باستشارة السكان الحاليين في البلد لمعرفة رغباتهم)، وبرر ذلك بقوله إن القوى العظمى التزمت بالصهيونية؛ لأنها (سواء كان ذلك صحيحا أو خطأ، جيدا أو سيئا، متجذرة في التقاليد القديمة، وفي الاحتياجات الحالية، والآمال المستقبلية، بدرجة أهم بكثير من رغبات وتحيزات 700 ألف عربي يعيشون الآن في تلك الأرض القديمة)".
وينوه الباحث إلى أن "ما سهل عملية تحويل فلسطين إلى (وطن قومي) لليهود، وأخيرا لدولة، هو أنها وقعت تحت الحكم البريطاني في نهاية الحرب العالمية الأولى على شكل انتداب صادر عن عصبة الأمم، وبدأ البريطانيون بتطبيق وعد بلفور بتسهيل الهجرة لليهود الأوروبيين إلى فلسطين. وبناء عليه تغيرت نسبة اليهود في فلسطين ما بين 1922 و1935 من 7% إلى 27% من عدد السكان".
ويفيد أيوب بأن "التغيير الديمغرافي في فلسطين استمر، بالرغم من التردد البريطاني في وجه المعارضة العربية، وساعدته على ذلك الجرائم النازية ضد اليهود الألمان والأوروبيين، التي وصلت ذروتها في المحرقة، وأدت هذه الجرائم إلى هجرة اليهود الجماعية لفلسطين، فرفعت نسبة اليهود السكانية إلى 32% في 1948، عندما قرر البريطانيون إنهاء الانتداب ومغادرة فلسطين بشكل غير رسمي ودون تحديد سلطة أو سلطات تخلفهم، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت قرارا في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية، ومنحت الصهاينة 55% من الأراضي الفلسطينية بالرغم من كونهم الأقلية في فلسطين".
ويذكر الكاتب أن "العرب رفضوا قبول تقسيم فلسطين، وبدأت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، وأدت إلى سيطرة إسرائيل على 77% من فلسطين عندما توقفت الحرب على خط الهدنة، والسبب الأساسي لذلك هو أن اليهود كان لديهم جيش جاهز تم إنشاؤه وتدريبه ليحارب بجانب القوات البريطانية في الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى أن الحكومات العربية التي تدخلت -وبشكل أساسي شرق الأردن ومصر- كان همها وقف بعضها أكثر من محاربة إسرائيل".
ويقول أيوب: "استمر هذا الواقع حتى عام 1967، حيث انتهت (حرب الأيام الستة) بمد إسرائيل نفوذها على بقية فلسطين، الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنذ ذلك الحين كان هناك محاولات عدة من المجتمع الدولي، بما فيه أمريكا والأمم المتحدة، لتحقيق تسوية تقوم على حل الدولتين، فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنبا إلى جنب في سلام، وفشلت هذه المحاولات جزئيا بسبب اختلاف توازن القوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجزئيا بسبب الخلافات الداخلية الفلسطينية، التي أدت في المحصلة إلى انفصال غزة بقيادة حركة حماس عن الضفة الغربية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية".
ويستدرك الباحث بأنه "خلال الخمسين سنة الماضية، كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بالرغم من ميلها لصالح إسرائيل، التي حمتها دائما من النقد الدولي بسبب استمرارها في احتلال الأراضي الفلسطينية، على الأقل من الناحية النظرية تتطلع إلى إيجاد حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقوم على حل الدولتين، وهذا كان يعني وضع حد للميول الإسرائيلية لبناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والتحرك نحو ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية".
ويشير أيوب إلى أن "إدارة ترامب كسرت بشكل جذري هذا التقليد، ولبت رغبات أكثر عناصر اليمين الإسرائيلي تشددا، ففي 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، أعلن الرئيس دونالد ترامب اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأمر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس من تل أبيب، وفي آذار/ مارس 2019، اعترفت إدارة ترامب بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان".
ويلفت الكاتب إلى أنه "على مدى العامين الماضيين قامت إدارة ترامب بالدعاية بأنها تجهز لصفقة نهائية تحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حلا نهائيا، وقام زوج ابنة الرئيس، جاريد كوشنر، بهندسة تلك الجهود، وأخيرا تم الإعلان عن خطة سلام ترامب وكوشنر في 18 كانون الثاني/ يناير، وأفضل طريقة لوصفها هي أنها حققت حلم اللورد بلفور بمنحها معظم الضفة الغربية لإسرائيل، وضمنت لها أن تبقى هي المشرفة على الجزء الصغير من الضفة الذي يسمح فيه للفلسطينيين بممارسة سيطرة صورية عليه".
ويجد أيوب أنه "في الوقت الذي احتضن فيه نتنياهو الخطة، إلا أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والأطراف الفلسطينية كلها، بما فيها حركة حماس ومنظمة التحرير والجهاد الفلسطيني، الذين توقعوا شكل الخطة، رفضوها حتى قبل أن يتم الإعلان عنها رسميا، وجعلت الخطة من الجلي أن الفلسطينيين كانوا محقين في مخاوفهم، فهي تسمح لإسرائيل بإبقاء سيادتها كاملة على القدس والمستوطنات في الضفة الغربية، وتجعل الدولة الفلسطينية في بقع معزولة عن بعضها، وتمنح وادي الأردن لإسرائيل".
وينوه الباحث إلى انه "بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الخطة تضع العاصمة الفلسطينية في أبو ديس، خارج القدس، فحرمت الفلسطينيين مطالبتهم بالقدس الشرقية بمقدساتها الإسلامية والمسيحية عاصمة للدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى أن الخطة تقول بأنه يجب نزع سلاح حركة حماس وغزة، ويجب أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية كلها منزوعة السلاح، ومع أن الخطة تنص على حرية الدخول إلى المسجد الأقصى للمسلمين، إلا أنها تضع شرطا بأنهم يجب أن (يأتوا بسلام)، وهو شرط ستقوم السلطات الإسرائيلية، التي تسيطر على مداخل الحرم الشريف، بتفسيره بما يناسبها، ويمكن لإسرائيل أن تستمر في حرمان المسلمين تحت سن معينة من دخول المسجد الأقصى بحجة أنه من غير المحتمل أن يأتوا إليه بسلام".
ويبين أيوب أن "الخطة تطالب باعتراف الطرفين بالدولة الفلسطينية دولة قومية للشعب الفلسطيني، والدولة الإسرائيلية دولة قومية للشعب اليهودي وليس الإسرائيلي، ويعارض الفلسطينيون ذلك، وكذلك نسبة لا بأس بها من الإسرائيليين يرفضون ذلك، والقيد الوحيد الذي تضعه على إسرائيل هو أنه لا يجوز لها أن تبني أي مستوطنات جديدة على مساحات لا يتصور أنها ستشكل جزءا من إسرائيل".
ويقول الكاتب: "ليس غريبا إذن أن الخطة تطرب نتنياهو والليكود، فمن بين أشياء أخرى، تبدو أنها جهد من ترامب لضمان فوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المخطط لإجرائها في آذار/ مارس، بإكسابه صوت اليمين، وتسمح الخطة لإسرائيل بالقيام مباشرة بضم المستوطنات كلها في الضفة الغربية، بالإضافة إلى مساحات واسعة من وادي الأردن، وأعلن نتنياهو يوم الثلاثاء الماضي بأن الحكومة المؤقتة التي يرأسها ستصوت عليها في بداية عطلة الأسبوع القادم، مع أنه تم نفي هذا الأمر من مصادر أخرى، وتشيع في إسرائيل التخمينات بأن نتنياهو قد يقوم بضم المستوطنات ووادي الأردن قبل الانتخابات في آذار/ مارس ليحسن من فرصه في الانتخابات".
ويضيف أيوب: "أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن خطة ترامب لم تقم فقط بإضفاء الشرعية على نهب إسرائيل لمساحات شاسعة من الضفة الغربية، بل إنها تضفي الشرعية على إخضاع الشعب الفلسطيني من إسرائيل، فإن ثمن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على شكل كانتونات ستعيش تحت رحمة إسرائيل التي ستسيطر على نقاط العبور إليها كلها، وتسيطر عليها اقتصاديا وعسكريا، ولهذا السبب رفضت الفصائل الفلسطينية كلها الخطة تماما".
ويجد الباحث أنه "قد تكون هناك تداعيات كبيرة لأي جهود إسرائيلية لضم المستوطنات الإسرائيلية ووادي الأردن:
فأولا قد تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، التي أقيمت بناء على اتفاقية أوسلو، التي تلغيها خطة ترامب، ومع زوال السلطة الفلسطينية ستعود الأراضي الفلسطينية إلى وضعها ما قبل أوسلو، أراض محتلة على إسرائيل أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة، بحسب القانون الدولي.
وثانيا يتوقع أن تقود إلى ردود فعل عنيفة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وهجمات بالصواريخ من غزة على إسرائيل من كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي، وهذا قد يؤدي إلى اجتياح إسرائيلي للقطاع على نطاق لم يحصل منذ عملية عمود السحاب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. وقد تتحول غزة إلى فوضى تشكل تهديدا أكبر لإسرائيل.
ويختم أيوب مقاله بالقول إن "أهم تداعيات خطة ترامب على المدى الطويل هو دفن حل الدولتين إلى الأبد، فمع غياب احتمال قيام دولة فلسطينية قابلة للعيش فإن الرأي الفلسطيني الذي كان يتجه أصلا نحو حل الدولة الواحدة، سيفضل هذا الحل على شبه الدولة مقطعة الأوصال المعروضة عليهم، وهذا سيشكل معضلة وجودية لليهود الإسرائيليين؛ لأنهم سيضطرون لمواجهة السؤال: هل يريدون العيش في دولة ديمقراطية ثنائية القومية أو كيان سياسي يقوم على الأبارثايد حيث يقوم عرق بإخضاع آخر؟ ولذلك قد تصبح خطة ترامب – كوشنر، عن غير قصد، نذيرا بدولة واحدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وقد تكون هذه طريقة غريبة لتحقيق حلم بلفور، لكن قد تصبح حقيقة بسبب خطة ترامب للسلام".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
التايمز: لهذا سيكون مصير صفقة ترامب هو الفشل
واشنطن بوست: خطة ترامب جعلت السلام مستحيلا
فورين بوليسي: كيف قدم البيت الأبيض "هدية القرن" لنتنياهو؟